إعتنقت اليهودية هي وزوجها وأبنائها وسلموا إلى إسرائيل ضمن صفقة أسرى في تصريح لها : لم أندم عن التجسس لصالح إسرائيل وكنا أنا وزوجي نعمل مقابل 1750 دولار شهريا …!!!
توفيت الجاسوسة الإسرائيلية دينا بن ديفيد ( إنشراح موسى) عن عمر يناهز 84 عاما بمدينة تل أبيب الإسرائيلية ، بعد صراع طويل مع مرض الاكتئاب وذلك بعد أشهر من وفاة نجلها رافي بن ديفيد متأثرا بمرض السرطان .
فمن هي إنشراح موسى؟
كانت إنشراح موسى من بين الجواسيس الذين عملوا لحساب إسرائيل عقب حرب يونيو/حزيران 1967، وقد نجحت المخابرات المصرية في إلقاء القبض عليها وعلى زوجها إبراهيم شاهين وأولادها الثلاثة نبيل ومحمد وعادل عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وُلدت انشراح عام 1937 في محافظة المنيا في جنوب مصر، وحصلت على الشهادة الإعدادية عام 1951.. وبعد المرحلة الإعدادية تعرفت على إبراهيم شاهين في حفل زفاف أحد أقاربها، وخلال فترة قصيرة تزوجا وإنتقلت للعيش معه في العريش حيث كان يعمل محاسبا بمكتب مديرية العمل هناك.
وقد اتُهم زوجها إبراهيم شاهين بالرشوة ودخل السجن لعدة أشهر، ليخرج من السجن عاطلا عن العمل.. وفي نفس الفترة وقعت حرب عام 1967 والإحتلال الإسرائيلي لسيناء، فيما كانت إسرائيل تعمل على تجنيد عملاء.
وقد تعرف إبراهيم شاهين على الحاكم الإسرائيلي في سيناء عقب هزيمة 1967، حيث كان الإنتقال من العريش للقاهرة يتطلب موافقة السلطات الإسرائيلية، وكان شاهين يرغب في الذهاب إلى القاهرة للاطمئنان على أبنائه الذين كانوا يعيشون لدى شقيقه أثناء فترة الدراسة فضلا عن أنه كان يذهب لمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لطلب الطعام.
فتم تجنيد إبراهيم شاهين، وقد قدم له ضابط الموساد الذي جنده إغراءات وتعهد بإغداق النقود عليه وتأمين الحياة لأسرته في العريش.. وعندما سألت إنشراح زوجها عن مصدر الأموال التي بحوزته، كشف لها عن العرض الإسرائيلي فرحبت بذلك المال.
وتلقى الزوجان تدريبات على إستخدام الحبر السري والرسائل المشفرة، كما تم تزويدهما بأحدث الكاميرات لتصوير المواقع العسكرية، كما تلقيا تدريبا متقدما على تمييز مختلف الأسلحة والمعدات العسكرية وأنواعها.. وبات إبراهيم وإنشراح يحملان في الإستخبارات الإسرائيلية “الموساد” الإسمين المستعارين موسى حاييم ودينا حاييم.
قام إبراهيم شاهين بتجنيد الأبناء الثلاثة الذين عملوا على مصادقة أبناء الضباط لمعرفة مواعيد ومواقع عمل آبائهم ، وسافر إبراهيم مع أسرته إلى القاهرة حيث شرعوا في العمل في جمع المعلومات وإرسالها إلى تل أبيب.
وقد نجحوا في إرسال معلومات إستخدمتها إسرائيل في إستهداف الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري خلال فترة حرب الإستنزاف.
وقد سافر إبراهيم شاهين وزوجته إنشراح موسى عدة مرات بعد تجنيدهما إلى إسرائيل، وحصلا عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول من عام 1973 على جهاز لإرسال الرسائل المشفرة، حتى يتمكنا من إرسال المعلومات إلى تل أبيب بسرعة.
وبين عامي1967 و1974، وهي المدة التي تجسست فيها الأسرة لصالح إسرائيل، قاموا بإرسال بيانات عن المجتمع المصري بالإضافة إلى صور مواقع حساسة للجيش المصري.
السقوط
وقد تمكنت المخابرات المصرية من إلتقاط ذبذبات جهاز الإرسال الذي أمدتهم به إسرائيل، وألقت القبض على إبراهيم شاهين في 5 أغسطس من عام 1974.
وفي ذلك الوقت، كانت إنشراح في رحلة إلى العاصمة الإيطالية روما لمقابلة أحد ضباط الموساد، وعادت إلى مصر في 24 أغسطس من عام 1974، وعند وصولها إلى مصر فوجئت بضباط المخابرات المصرية يلقون القبض عليها، وإعترفت أمام جهات التحقيق بعملها كجاسوسة لصالح إسرائيل.
وتحت عنوان “الكشف عن أخطر قضية جاسوسية لحساب إسرائيل” كشفت صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر في الذكرى الأولى لحرب أكتوبر من عام 1973 عن تفاصيل شبكة الجاسوسية.
وأفاد التقرير إن إبراهيم شاهين إعترف بأن الإستخبارات الإسرائيلية “الموساد” وعدته بمليون دولار إذا أبلغ إسرائيل عن إستعدادات مصر العسكرية للحرب.
وبحسب ما ورد إكتشفت المخابرات المصرية جهازا لاسلكيا صنعته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، وهو الأكثر تقدما في العالم في ذلك الوقت ويمكنه إرسال رسالة في 12 ثانية فقط.
صفقة تبادلية
وقد أُدين إبراهيم شاهين وإنشراح موسى وحُكم عليهما بالإعدام شنقا في 24 نوفمبر من عام 1974.. وحُكم على الإبن الأكبر بالسجن 5 سنوات، ونُقل الشقيقان الأصغر إلى دار للأحداث.. وتم الإفراج عن إنشراح موسى كجزء من صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل شملت أبنائها الثلاثة.
فبعد قضائها 3 سنوات في السجن، أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات عفوا عنها لإعالة أولادها في يناير من عام 1977، وتم تسليمها رسميا لإسرائيل.
الحياة في إسرائيل
وفي عام 1979 قرر عادل شاهين أصغر الأبناء مغادرة مصر، وعبر سيناء بمساعدة مرشد بدوي ووصل إلى قطاع غزة الذي تحتله إسرائيل بعد 3 أشهر من توقيع إسرائيل ومصر إتفاقية السلام بينهما، وبعد وصوله إلى إسرائيل غير إسمه إلى رافي بن ديفيد.
وبعد وصول بقية أفراد الأسرة في نهاية المطاف إلى إسرائيل كان رافي بن دافيد هو أول من إعتنق اليهودية في عائلته، ثم حذت والدته وشقيقاه في وقت لاحق حذوه، وباتت إنشراح موسى تحمل إسم دينا بن ديفيد بدلا من الإسم المستعار دينا حاييم، كما تحول نبيل ومحمد إلى يوسي وحاييم.
وقالت إنشراح موسى في تصريحات صحفية أدلت بها في إسرائيل في منتصف ثمانينيات القرن الماضي: “إن كل من يمارس العمل السري يعرف كيف يحافظ على السر .. حتى اليوم لم يعرف أحد عن حياتنا السابقة شيئا، سوف يكون الأمر مفاجأة للجميع حيث لم يعرف أحد حتى اليوم أننا كنا جواسيس لإسرائيل في مصر”.
قال رافي بن ديفيد، الذي توفي مؤخرا، إن والده حذر الموساد من الهجوم المصري في عام 1973
ولكن في نوفمبر من عام 1989 إتهمت إنشراح موسى المسؤولين الإسرائيليين بعدم تقديرهم للخدمات التي قدمتها هي وعائلتها لإسرائيل.
وزعمت موسى أنها وزوجها حذرا الموساد من عملية عسكرية وشيكة من قبل الجيش المصري في 6 أكتوبر من عام 1973 ، لكن أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية تجاهلت تلك المعلومات.
ومن جانبه، قال رافي بن ديفيد لإذاعة الجيش الإسرائيلي لاحقا : “قبل شهر من الحرب، جمعنا أبي معا وسمعنا منه أن مصر تخطط لمهاجمة إسرائيل في الشهر المقبل، لقد نقل تلك المعلومات في 5 رسائل إلى المخابرات الإسرائيلية .. قد شعرنا بأننا إلى جانب أصدقائنا، وليس إلى جانب المصريين ، لقد عشنا هنا عدة سنوات ولا أحد يعرف من نحن وكم ساهمنا في دولة إسرائيل، لقد دفع والدي حياته ثمنا والآن، من أجله، أريد أن تعرف الدولة بأكملها من هو إبراهيم شاهين”.
“غير نادمة”
قالت إنشراح موسى في تصريحات صحفية ذات يوم إنها لم تندم على التجسس لصالح إسرائيل ، لكنها أضافت قائلة إنها تشعر بالمرارة بسبب وضعها الاقتصادي، معتبرة أنها وزوجها إبراهيم شاهين عملا في المخابرات الإسرائيلية منذ عام 1967 حتى تم القبض عليهما في عام 1974.
وقالت إنشراح موسى:” لقد صورت كل مطار وكل قاعدة عسكرية وكل جسر في القاهرة، وتم إخفاء الأفلام التي أُرسلت إلى إسرائيل، فكل 6 أشهر كنا نرسل أكثر من 40 لفافة أفلام”.. وإعترفت بأنها وزوجها تجسسا من أجل المال حيث كان يحصل كل منهما على 1750 دولارا في الشهر.
وبعد ذهابها إلى إسرائيل، دفعت الحكومة 25 ألف دولار لكل واحد من أبنائها، لكنها لم تتلق شيئا، على حد زعمها.
وقالت إنها تعمل طاهية مقابل 500 دولار شهريا.. وقد سافر أحد الأبناء للبرازيل مع زوجته الإسرائيلية، بينما عاش الإبنان الآخران مع إنشراح موسى في إسرائيل.
وكان رافي بن ديفيد قد كشف قبل وفاته أن إسم والدته الحقيقي هو إنشراح علي مرسي وليس إنشراح موسى.
وتحدث في حواره لموقع”القاهرة 24″ مؤخرا عن تفاصيل تجنيد والدته في الموساد حيث قال: “سافرت والدتي إلى بئر سبع بصحبة والدي وإلتقيا ضابط الموساد أبو نعيم حتى يتم تجنيدهما، وتطوير أدائهما، بعد أن تيقن أنهما تحت سيطرته تماما، ويريدان التجسس لصالح إسرائيل”.
وأضاف قائلا: “كان أسفل منزلنا في العريش كابينة عسكرية فأبلغ والدي ضابط الموساد الإسرائيلي أبو نعيم بجميع التفاصيل الخاصة بها”.
وقال رافي بن ديفيد: “بدأت معرفتي بقصة التجسس في المرحلة الإعدادية وكان عمري وقتها 11 عاما، ونسكن في حي الأميرية، وكان أبي يمتلك سيارة فيات، وفي أحد الأيام وتحديدا في مطار قويسنا بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي، سمعت أبي يقول لأمي وهو يقود السيارة يلا يا حبيبتي يا شوشو طلعي الكاميرا وصوري المطار الحربي”.
وتميل مصادر أمنية إسرائيلية إلى التقليل من أهمية دور هذه العائلة في شبكة الاستخبارات الإسرائيلية في مصر بحسب تقارير إعلامية.
ونُسب لأحد تلك المصادر القول: ” إنه تم توظيفهم لجمع المعلومات الأساسية، وهم لم يصدروا قط تحذيرات مهمة بشأن حرب يوم الغفران”.
وقدمت الدراما المصرية في عام 1994 مسلسلا بإسم “السقوط في بئر سبع” الذي جسد حياة هذه العائلة، ولعب فيه الفنان الراحل سعيد صالح دور الزوج إبراهيم شاهين ، فيما جسدت الفنانة إسعاد يونس شخصية إنشراح موسى.
تقرير عن ( بي بي سي)