هُزمت مارين لوبن في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها حصدت 42 في المئة من الأصوات، ما يعني أنها كادت توصل اليمين المتطرف الى أبواب السلطة، مع أعلى نسبة أصوات في انتخابات رئاسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي أول رد فعل لها على هزيمتها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قالت مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان، إن حصولها على أكثر من 42 في المئة من الأصوات يعتبر ” إنتصارا كبيرا وساحقا”، مشددة على أنها ستواصل العمل بكل قوة ضد سياسات إيمانويل ماكرون.
وذكرت مارين لوبان، في كلمة أمام مناصريها مباشرة بعد إعلان النتائج الأولية: “حصولي على أكثر من 42 في المئة من الأصوات يعتبر إنتصارا كبيرا وساحقا.. الملايين من المواطنين الفرنسيين إختاروا التغيير، وأشكرهم جميعا على ثقتهم ودعمهم .. ليس لدي أدنى شعور أو إستياء، رغم الخسارة فإنني أتمسك بالأمل، لأن هذه النتيجة تعكس عدم ثقة الشعب الفرنسي في السياسات الحالية”، وتابعت: “المعارضة ستكون قوية في فرنسا وسنواصل العمل ضد سياسات ماكرون من أجل دعم القدرة الشرائية ونظامنا الإجتماعي ، معركتنا لم تنته وسنواصل العمل في الإنتخابات البرلمانية المقبلة.. سنخوض معارك الإنتخابات التشريعية ضد سياسات ماكرون، لأن مشروعه يمثل خطرا على فرنسا”.
من هي مارين لوبان؟
النشأة
ولدت مارين لوبان عام 1968 في مدينة نويي الفرنسية، وهي البنت الصغرى لمؤسس حزب الجبهة الوطنية، جان ماري لوبان، من زوجته الأولى، بييريت، درست القانون في باريس وحصلت على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، وأصبحت محامية.
تزوجت مرتين وأنجبت ثلاثة أولاد من زوجها الأول ،فرانك تشافروي، (جيان ولويس وماتيلد). وبعد طلاقها من تشافروي في عام 2000 تزوجت في عام 2002 من إريك لوريو، السكرتير الوطني السابق للجبهة الوطنية، وإنفصلا عام 2006.
منذ عام 2009 حتى عام 2019، كانت مارين لوبان على علاقة مع لويس إليوت، الذي شغل منصب الأمين العام للجبهة الوطنية من 2005 إلى 2010، ثم نائب رئيس الجبهة الوطنية.
ولم تكن مسيرة مارين لوبان في مهنة المحاماة ملفتة ولكن زملاءها يثنون على مثابرتها وجديتها في العمل، وكانت تتطوع ضمن المحامين الذين تعينهم المحكمة، وكثيرا ما وجدت نفسها تدافع عن مهاجرين غير شرعيين.
غادرت مارين لوبان نقابة المحامين عام 1998 لتلتحق بحزب والدها الجبهة الوطنية، ضمن الفريق القانوني.
وكانت ترافق زعيم الجبهة الوطنية، جان ماري لوبان، في سن مبكرة في تنقلاته وحملاته الإنتخابية، وإنخرطت في الحزب رسميا عام 1986.
البداية السياسية
وفي عام 1998، حصلت مارين لوبان لأول مرة على مقعد مجلس مقاطعة نوربادكالي، ثم أصبحت في عام 2000 عضوة في المكتب السياسي للحزب.
وفي العام نفسه، ترأست جمعية “أجيال لوبان” التي أسسها زوج أختها، صامويل ماريشال، من أجل “تحسين” صورة الحزب في الإعلام والمجتمع.
وقد بدأت فكرة “تحسين” صورة الحزب تترسخ بين الأعضاء والأنصار، وتمكنت مارين لوبان في إنتخابات المقاطعات عام 2002 من الحصول على نسبة 24.24 في المئة من الأصوات بمدينة لانس، في الدور الأول، وحصلت على 32.30 في المئة من الأصوات في الدور الثاني.
وعلى الرغم من خسارتها في الإنتخابات، فإن مارين لوبان إكتسبت شهرة كبيرة في إنتخابات 2002، وأصبحت “شخصية سياسية صاعدة”.
وبدأ خط مارين لوبان داخل حزب الجبهة الوطنية يتميز عن مواقف والدها منذ 2003، عندما تحدثت لأول مرة عن “ضرورة إيجاد إسلام فرنسي، لأن إسلام فرنسا، له مفهوم إقليمي”.
وفي عام 2004 آنتخبت في البرلمان الأوروبي، وصوتت على 42 في المئة من القوانين مع أغلبية النواب الفرنسيين.
وجمدت مارين لوبان عضويتها في هيئات الحزب عام 2005 بعد تصريح أدلى به والدها يقول فيه إن “الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس، على الرغم من الأخطاء التي يستحيل تفاديها في بلد كبير مثل فرنسا”.
ومنذ ذلك التاريخ، يقول المؤرخون إنها سعت جاهدة لخلافة والدها، والترويج لرؤيتها الجديدة داخل الحزب وفي وسائل الإعلام.
الخلاف مع الزعيم الوالد
وتذمرت مارين من تصريحات والدها المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، خاصة تلك المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، فدعت إلى تصويت أعضاء الحزب بالمراسلة من أجل تغيير القوانين الحزب وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله والدها.
وإعتبر جان ماري لوبان أن إبنته دبرت مؤامرة ضده ولجأ إلى القضاء، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب والانتخابات، ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائيا يوم 20 أغسطس 2015 لتنفرد إبنته بزعامة الجبهة الوطنية.
قيادة الحزب
بعد إعلان والدها التنحي عن قيادة الحزب عام 2010، أصبح الباب مفتوحا أمام مارين لتزعم الجبهة الوطنية، وهو ما حصل عام 2011.
وترشحت مارين لوبان للانتخابات الرئاسية عام 2012، وحصلت على 17.90 في المئة من الأصوات وهي نتيجة تعد خطوة مهمة للحزب، إذ أن أفضل نتيجة حققها والدها هي 16.86 في المئة من الأصوات، في إنتخابات الرئاسة عام 2002.
وعادت مارين لوبان وحزبها لتحقق نتائج متميزة في الانتخابات الأوروبية عام 2014، لتحصد قائمتها 33.61 في المئة من الأصوات، بينما حصلت قوائم الحزب الأخرى 24.90 في المئة من الأصوات.
وشكلت عام 2015 كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي بإسم “أوروبا الأمم والحريات” وإنضمت إليها أحزاب رابطة الشمال الإيطالي، وحزب الحرية النمساوي، وحزب الحرية الهولندي، وفلامز بيلانغ البلجيكي ، والنائبة جانيس أتكينسون المبعدة من حزب يوكيب البريطاني.
كما عادت مارين لوبان للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017 وتنافست في الجولة الثانية مع إيمانويل ماكرون.
وبعد الهزيمة التي تلقّتها على يد ماكرون في إنتخابات 2017، غيرت لوبان إسم جبهتها الوطنية إلى التجمّع الوطني، على أن الكثير من سياساتها لا تزال كما هي دون تغيير واضح.
سباق الرئاسة 2022
وشهدت الجولة الأولى من الانتخابات، حصد ماكرون نحو 28 في المئة من الأصوات مقابل ما يزيد عن 23 في المئة للوبان.. وفي مقر لوبان، سُمع هتاف مشجعيها، مما يشير إلى أنهم يشعرون أنها قد حققت نتائج جيدة جداً، وهذه هي أعلى نسبة حققتها لوبان في الحملات الرئاسية الثلاث التي شاركت فيها.
أبرز مواقف لوبان الإشكالية
– إشتهرت مارين لوبان، بموقفها المعادي للمهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفوري لمن يقيمون في فرنسا بصفة غير قانونية، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملا ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، إن كانوا مقيمين بطريقة شرعية.
– وتطرح لوبان فكرة الأولوية الوطنية والتي مفادها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم في السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل (إذا كانت الكفاءة متساوية).
– تُتهم مارين لوبان في فرنسا بالعنصرية وكراهية الأجانب، ولكنها تنفي ذلك، وتقول إنها تناضل ضد الهجرة وليس ضد المهاجرين كأشخاص، وإنها دافعت عنهم أمام المحاكم، عندما كانت محامية.
– ويُصنف حزب الجبهة الوطنية بأنه يمثل اليمين المتطرف من قبل أحزاب السيار، ووسائل الإعلام الكبرى، وترفض لوبان هذا التصنيف، وتعرف حزبها بأنه “اليمين الوطني”.
– كما تعترض لوبان على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافسا مجحفا مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعا من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطني، لا تصل إلى الانغلاق تماما.
– وتدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.
لوبان والإسلام
تَعِد مارين لوبان، إذا وصلت إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى غاية التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع إرتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ومنع لبس النقاب أو البرقع فحسب، بل والحجاب أيضا.
وتدعو أيضا إلى منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه “حلال”، أو وفق الديانة اليهودية.
وقبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، أعلنت رغبتها في فرض غرامة مالية لمعاقبة وحظر إرتداء الحجاب، خلال مقابلة على قناة تلفزيونية.
وقد إعتمدت لوبان في تصريحاتها الأخيرة على مبدأ “محاربة أيديولوجية إستبدادية تسمى الإسلاموية” لتؤكد أنه، في حال تم إنتخابها، سيتم فرض غرامة مالية على المحجبات في الشارع، معتبرة أن الشرطة الفرنسية “بارعة جدا في تطبيق ذلك”.
وكانت لوبان قد قدمت في يناير عام 2021، مشروعها لمحاربة “الأيديولوجيات الإسلامية” التي تعتبر “شمولية” وأصبحت في نظرها “في كل مكان”، والتي تنوي إبعادها عن جميع مجالات المجتمع، بدءا من الحجاب.