مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري الرسمي نفسه مربكا بعد سقوط الأسد في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام وتلوّن بألوان علم الاستقلال ذي النجوم الثلاث الذي تتخذه المعارضة شعارا لها.
خلال عقود، قيّد حزب البعث، ومن خلفه نظام الأسد، الحريات كافة في البلاد، بينها حرية الاعلام والتعبير.. وخلال سنوات النزاع، حوّل النظام الإعلام إلى أداة لترويج صورته وفرض قيودا على عمل الصحافيين المستقلين وحدّ من دخول الصحافيين الأجانب.. ومنذ العام 2020 توقف إصدار الصحف الورقية تماما في البلاد.
إثر وصول فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى دمشق في 8 كانون الأول/ديمسبر وإعلانها الإطاحة بنظام بشار الأسد، توقفت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن النشر لأكثر من 24 ساعة، ولم يواكب التلفزيون الرسمي الأحداث الميدانية المتسارعة، مكتفيا ببث مقاطع مسجلة من الأرشيف.
بعد ساعات من الإرباك، ظهرت عبارة “انتصار الثورة السورية العظيمة” على الشاشة، مرفقة بدعوة المواطنين والمقاتلين إلى المحافظة على الممتلكات العامة.
وبعد وقت قصير، أطلت مجموعة من تسعة أشخاص عبر شاشة التلفزيون من استوديو الأخبار، حيث تلا أحدهم بيانا نسبه إلى “غرفة عمليات فتح دمشق”، أعلن فيه “تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد”.
وفي اليوم اللاحق، نشرت وكالة سانا صورة جديدة لحسابها على تلغرام، يغلبُ عليها اللون الأخضر ونجماته الثلاث إعلانا للبداية الجديدة.. ثم استأنفت نشر الأخبار نقلا عن إدارة العمليات العسكرية والوزارات.
وسارع إعلاميون يعملون في وسائل حكومية وخاصة إلى تبديل صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف كل ما من شانه أن “يثبت تورطهم” بعلاقة مع النظام السابق.
وقد بادرت صحيفة الوطن الخاصة المقرّبة من السلطات والتي تمتعت بدعم كبير مقارنة مع وسائل الإعلام الأخرى منذ تأسيسها عام 2006، صبيحة سقوط النظام، إلى الإعلان عن أن “الإعلام السوري والإعلاميين لا ذنب لهم”.
ومنذ ذلك الحين، تنقل وسائل الإعلام الأخبار الصادرة عن الإدارة السياسية الجديدة في البلاد.
بخلاف وسائل الإعلام الأخرى، أعلنت إذاعة شام إف إم الخاصة وقف برامجها الاخبارية وتغطيتها بصورة موقتة “ريثما تصبح الحالة العامة مستقرة وآمنة وتسمح بنقل الأخبار”.
وبعد يومين، أعلنت الإذاعة التي تأسست في دمشق عام 2007 توقفها عن العمل بشكل كامل ، وذلك بقرار من وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ.
“حالة إعلامية جديدة”
وتحتل سوريا بحسب منظمة مراسلون بلا حدود، المرتبة ما قبل الأخيرة في تصنيفها لحرية الصحافة لعام 2024.
ونشرت وزارة الإعلام في 13 كانون الأول/ديسمبر بيانا أثار قلق صحافيين كانوا يعملون تحت مظلة النظام، أكدت فيه عزمها محاسبة “جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءاً من آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد الساقط، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه”.
وعاودت منصات ومواقع محلية النشر عبر منصاتها المختلفة بشكل تدريجي، وبعضها لا يزال “يتحضر ويستعد للانطلاقة مرة أخرى” مثل قناة سما الخاصة التي كانت ممولة من رجل الأعمال السوري والنائب في البرلمان محمّد حمشو.
ويثير توجه السلطات الجديدة مخاوف الصحافيين الذين شكل عملهم لسنوات طويلة في وسائل إعلام محسوبة على النظام مصدر رزقهم.