في المواجهة الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، يعكف إعلاميون وباحثون على رصد الانتقائية التي تمارسها تل أبيب فيما تعلنه وما تخفيه من خسائر مادية وبشرية في مقدراتها، بما يتوافق مع استراتيجيتها العسكرية والسياسية، وهو أمر تكرره مع كل حرب تخوضها.
الباحثون يرون أن إسرائيل تفرض رقابة عسكرية صارمة على وسائل إعلامها بخصوص الخسائر الناجمة عن ضربات “حزب الله” التي تطول بالأساس أهدافا عسكرية.
ويرجعون تلك الرقابة والتعتيم لأسباب عديدة، من أهمها حماية حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، والحفاظ على معنويات الإسرائيليين، وممارسة حرب نفسية بحق الشعوب المؤمنة بجدوى المقاومة.
وتعود هذه الرقابة إلى أن ما يحدث في جبهة لبنان تحديدا يعد سابقة منذ نكبة فلسطين عام 1948، إذ يضرب العقيدة الأمنية الراسخة لدى المجتمع الإسرائيلي، القائمة على “نقل المعركة إلى أرض العدو”، في حين وصلت الضربات هذه المرة معظم أنحاء إسرائيل، بما فيها مدينة تل أبيب الأهم اقتصاديا وسياسيا.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضٍ عربية في لبنان وسوريا وفلسطين، وخاضت حروبا عديدة ضد الدول العربية المحيطة بها.
فإن كان التكتم الإسرائيلي متوقعا لإخفاء الانكسارات الناجمة عن ضربات “حزب الله”، فماذا الذي تُعلنه تل أبيب؟ ولمن توجهه؟ وما الأسباب الأخرى لتكتّمها؟ ولماذا تكسر القاعدة أحيانا وتخرج لتتحدث عن خسائرها؟.
ماذا تُعلن؟
في 23 سبتمبر/أيلول الجاري أطلق الجيش الإسرائيلي هجوما هو “الأعنف والأوسع” على لبنان، منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما خلفت مئات القتلى والمصابين في لبنان، وخسائر غير معلومة في إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، تنشر إسرائيل مقاطع مصورة لضربات جوية تقول إنها تستهدف مواقع لـ”حزب الله”، أو مشاهد لدفاعاتها الجوية وهي تصيب صواريخا أُطلقت من لبنان أو مسيّرة في سماء الأراضي المحتلة لا توضح مصيرها.
إضافة إلى نشرها صورا ومقاطع لأعمدة دخان بعيدة، أو حرائق في أماكن مفتوحة أو مخازن فارغة، أو سيارات متفحمة، أو مبنى أو مزرعة متضررة، أو إعلانها تعرض بنيتها التحتية للقصف دون تفصيل.
أما الخسائر البشرية، فلم تعلن السلطات الإسرائيلية إلا مرّات محدودة وقوع إصابات طفيفة ومتفرقة بين المجندين أو في صفوف المستوطنين، بسبب شظايا صاروخ، أو “الهلع أثناء الهروب للملاجئ”، وفق رواياتها المعتادة.
ومنذ اندلعت المواجهات قبل عام، أعلن “حزب الله” توجيه ضربات عديدة لإسرائيل بدءا من الحدود ووصولا إلى العمق، لعل أبرزها استهدافه في 25 سبتمبر الجاري، مقر قيادة الموساد بضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي.
هذا التكتم، سلط الضوء عليه المحلل السياسي الفلسطيني فايد أبو شمالة، بقوله: “كل ما ينشره الإعلام العبري والعربي في إسرائيل، يراقبه ضباط الرقابة العسكرية بشكل صارم، ولا يُسمح بنشر أي معلومات أو صور دون موافقة”.
وأوضح أبوشمالة في منشور عبر منصة “إكس” في 24 سبتمبر الجاري، أن الأهداف العسكرية التي يقصفها “حزب الله” تمنع إسرائيل الاقتراب منها أو تصويرها، وأن “كل ما يُنشر بعد ذلك هي الصور الخاصة بقوات الاحتلال والحكومة”.
وأكد أنه “في الحروب هناك أهمية للمصادر المحايدة، وللأسف في حالة الكيان (الإسرائيلي) يتم إغلاق المؤسسات المحايدة كالجزيرة (القطرية)، وأما الإعلام الدولي فهو إما منحاز أو عاجز”.
وأغلقت إسرائيل مكتبي قناة الجزيرة؛ بالضفة الغربية في 22 سبتمبر الجاري، وبالقدس في مايو/أيار الماضي، ومنذ اندلاع العدوان على غزة في 7 أكتوبر الماضي، ووثّق المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع مقتل 173 صحفيا.
ومن اللافت أن الجيش الإسرائيلي يضطر بين الفينة والأخرى للإعلان عن “حدث صعب” في قطاع غزة دون الكشف عن حيثياته الكاملة ولا أعداد القتلى والجرحى، وسط أحاديث عن اتباعه آلية معينة يغطي عبرها على حقيقة خسائره.