ما يزال أهل قطاع غزة يعيشون إبادة جماعية وترهيب بسبب تهجيرهم القسري، وهي التي تعد مأساة إنسانية يندى لها جبين الإنسانية والتي لم يشهدها تاريخ البشرية ، حرب دموية ومحرقة راح ضحيتها أكثر من مئتي ألف شهيد ومصاب ، معظمهم من الأطفال والنساء والعجز ، ومجاعة قتلت نصف مليون فلسطينيا، وحالة انتظار وترقب لمبادرة ترامب للسلام التي ستوقف ويلات هذه الحرب المدمرة في حال حصل توافق عليها رغم بعض بنودها المبهمة …
فمنذ الأسابيع الأولى للحرب على غزة عاد إلى السطح سيناريو قديم بثوب جديد، وهو دفع سكان القطاع جنوبًا تحت وطأة القصف والتجويع، وحشرهم أمام معبر رفح ليصطدموا بإغلاق الحدود.. هذا ليس نزوحًا طارئًا، بل مشروع تهجير مُمنهج يعيد إنتاج نكبة 1948 بوسائل أشد قسوة وعلنية.
في أدبيات القانون الدولي يُعرّف النزوح القسري بأنه انتقال الأفراد من أماكن إقامتهم الأصلية بسبب الحروب أو الكوارث أو الاضطهاد إلى المجهول .. لكن في الواقع الفلسطيني لم يعد النزوح حالة جديدة ، بل تحوّل إلى نمط حياة يتكرر كالكابوس.. النازحون يرحلون مرة تلو الأخرى، حتى باتت كلمة “المؤقت” مرادفة لـ”الدائم”، والخيمة أضحت عنواناً للوجود الإنساني المعلق بين الأرض والسماء.. وهنا تتجلى المأساة.. شعب أعزل بلا أرض ولا هوية بل بذاكرة مثقلة بالترحال، وحلم بالعودة يتبدد !
النازحون أصبحوا لا يطالبون بالكثير.. إنهم يبحثون عن خيمة تأويهم مع عائلاتهم، عن بطانية وفراش يقيهم من البرد، وعن لقمة خبز تسكن الجوع وتحفظ لهم استمرارية الحياة.. لكنّ عجز الأنظمة الدولية والإغاثية في حماية الكرامة الإنسانية يجعل حتى هذه المطالب البسيطة ترفاً بعيد المنال.
النازحون لا يسألون فقط: إلى أين نذهب؟؟؟ أين نروح؟؟؟ بل يسألون: هل للعالم ضمير يسمع ويرى كل هذه المجازر المروعة ؟؟؟ لماذا تركونا أشقاؤنا العرب في هذا الحال …؟؟؟ حتما هذا السؤال الموجع الذي يظل يسكن وجدانهم !!!
ما يجري ليس حربًا عسكرية فحسب، بل إبادة جماعية وتغيير ديمغرافي بالقوة.. تدمير الأبراج السكنية، مطاردة النازحين، خلق مناطق عازلة فارغة، وحشر الفلسطينيين جنوبًا حتى الانفجار.. إنها محاولة لإعادة هندسة خريطة غزة بالقوة، ودفعها خارج فلسطين.. غير أن هذا الرهان يجهل حقائق التاريخ والجغرافيا وهي أن الفلسطيني ، الذي وصفه أبو عمار -رحمة الله عليه- بشعب الجبارين، صمد طويلا أمام النكبة والحصار ولن يقبل أن يتحول إلى لاجىء جديد مهما حصل وكان…
وفي خضم هذا الوضع المأساوي يظل النزوح جرحاً مفتوحاً، يبقى في الوجدان وفي الذاكرة الوطنية لأنه ليس ملفا وقضية وقتية.. بل هو مصير للمجهول لا يعرف أحدا عواقبه ومآله، حتى يتم تنفيذ خطة ترامب التي يشكك في جديتها الغزاويين بسبب عدم توفر الضمانات المصيرية والثوابت الفلسطينية الوطنية ، في بعض بنودها المبهمة ، رغم كل الدعم الدولي وخاصة العربي الذي حظيت به.
هذا الشعب المكلوم المظلوم الأعزل همه الوحيد أن يعيش بكرامة ، يعيش بسلام وأمان مثل سائر شعوب العالم وقابلين قدرهم المحتوم وبالأمر الواقع أن يعيشوا جنبا إلى جنب مع الشعب الإسرائيلي في إطار مشروع حل الدولتين، والحق في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس وأن لا يهجروا من أرضهم .. لم يطالبوا إلا بأرضهم مقابل السلام، وهذا حقهم الشرعي كشعب اضطهد منذ الاحتلال ونكبة 1948 ، وعاش تحت طغيان واستبداد الكيان الصهيوني الذي ضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية ولم يلتزم بالقانون الإنساني الدولي .
تنفيذا لخطة ترامب التي اعتبرها البعض أنها مشاريع “وصاية “ و”انتداب “و”حماية “ ستظل غير جلية ما لم تنفذ على مبدأ الشرعية الدولية والعدالة والحق ، بعد كل المجازر المروعة التي حصلت … حتما مشروع حل الدولتين أصبح خيارا استراتيجيا من أجل صنع أفق سياسي للسلام بالمنطقة يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، لكن من سيقود هذا الملف هو كان داعما لحرب الإبادة الجماعية ، وبالتالي يفتقد للحيادية والعدالة !!!
لكن على أي مبادىء ستنفذ خطة السلام ما لم يذكر في بنودها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وكيف ستسترجع الحقوق ما لم يتم معاقبة المسؤولين على كل هذه المجازر الدموية والأرواح التي زهقت ؟؟؟
خطة المشروع أيدتها دول عربية وإسلامية ، بهدف إيقاف الحرب والموت والجوع والمجازر وعدم التهجير من غزة وعدم ضم الضفة الغربية، لكن في الحقيقة المشروع خطط له من شخصيات مقربة من ترامب بتوجيهاته طبعا بمعية نتنياهو من أجل مصالح اسرائيل فقط ، التي أصبحت منبوذة في العالم أجمع ، وما عرف بصفقة القرن…
مبادرة تنهي القضية المركزية الفلسطينية وبالتالي المشروع الوطني الفلسطيني وتغير الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة وتدعم إقامة “اسرائيل الكبرى “، وتمنح مشروعية “حوكمة قطاع غزة “ إليّ شخصيات دولية وتلغي أي دور للسلطة الفلسطينية.
نكبة أخرى أعظم وأخطر في تاريخ العرب .. هذا هو حال أمة العرب !