بإعلان دونالد ترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية فتح باب الجدل على مصراعيه بين قوم يرون في انتخابه خيرا كثيرا، وآخرين ينتظرون منه شرا مستطيرا.
ومنذ إعلان فوز ترامب تعكف الدوائر المعنية داخل واشنطن وحول العالم، على البحث في طبيعة فترة حكمه الثانية، وإلى أي مدى سيختلف ترامب الذي حكم بين 2016-2020 عن ترامب الذي سيحكم بين 2024-2028.
حتما جاء انتصار ترامب هذه المرة مدويا، حتى لنا كعرب ، وللمرة الأولى يفوز ترامب بجميع الولايات السبع المتأرجحة، وهو ما قد يعتبره ترامب تفويضا شاملا من الشعب الأميركي لتنفيذ أجنداته السياسية وبرامجه المستقبلية داخليا وخارجيا .
وقد منحت خلفية ترامب كرجل أعمال، لا كرجل سياسة، حرية حركة واسعة وقبول شعبي، حيث استغل ترامب ذلك ليسوق نفسه كمرشح التغيير، من خلال رفضه للحروب ونيته لحل عدة ملفات لنزاعات دولية متشعبة حول العالم .
وبالمطلق تختلف الظروف حاليا عما كانت عليه قبل 8 أعوام، إذ يتعامل ترامب مع قيادات جمهورية أكثر ولاء له، وبخطاب متزن أكثر، وسوف يمارس سلطته الرئاسية بأكثر قوة بعد تنصيبه رئيسا جديدا.
في كلمته الإحتفالية بتحقيق النصر الانتخابي، تعهد بالوفاء لوعوده الانتخابية.. وقال إن الكثيرين قالوا له « إن الله قد أنقذه من الاغتيال من أجل أن تستعيد أميركا عظمتها، وإنه سيعمل على إعادة العصر الذهبي لأمريكا، وأنه سيعمل لإحلال السلام في العالم» .. ولكن كيف سيحقق ذلك في ظل الحروب وجبهات الصراع المفتوحة في كل مكان ؟؟؟!!!
في هذا الإطار يعطي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صورة عن نفسه أنه الحازم صاحب الإنجازات، ويرى مؤيدوه أنه قادرا على أن يجمع مصالح أميركا في كفة واحدة في سياق شعار «أمريكا أولا» رغم تناقض الحلفاء والخصوم.. ولعل هذه هي الصورة التي آمن بها أغلبية شرائح الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى الحد الذي دفع أحد مشايخ المساجد الأميركية إلى الخروج علنا ومدح ترامب والدعوة إلى تأييده.
وفي حمى الدعايات الانتخابية، أوصلت حملة ترامب صورة جلية وواضحة إلى الناخبين والمراقبين أن مرشحهم قادر على إنهاء جميع حروب العالم ، بما فيها صراع عمره عشرات السنين كالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والحرب الروسية – الأوكرانية ، وكأنه يحمل عصا سحرية.
لكن الواقع ليس ببساطة الدعاية الإنتخابية.. فما هي الحقيقة خلف الدعاية المبسطة هذه؟؟ وما الذي سيفعله ترامب بمجرد أن يعود إلى البيت الأبيض مجددا ويجلس في المكتب البيضاوي؟؟
لذلك ينبغي أولا في سياق التفكير بالمستقبل القريب أن نتذكر جملة حقائق ومواقف تعود إلى الماضي القريب، بما فيه استجلاء التاريخ قبل سنوات.
ففي فترة ولايته الأولى تبنى ترامب سياسة دعم قوي لإسرائيل واتخذ عدة قرارات غير مسبوقة مثل الإعتراف بالقدس، بشقيها الشرقي والغربي، كعاصمة لإسرائيل ومنح إسرائيل الاعتراف بالجولان السوري المحتل وضمه للدولة العبرية ، وتوسيع التطبيع من خلال الإتفاق الإبراهيمي وطرح صفقة القرن…
ولذلك كي نفهم ما سيفعله ترامب في ولايته الرئاسية الجديدة بشأن هذا الصراع، فينبغي أن نتذكر ماذا فعل سابقا في فترته الرئاسية الأولى، لأن ذلك يعتبر مدخل مهم لبناء صورة مستقبلية عن رؤيته وخطواته المتوقعة.
فقد تعهد ترامب أمام الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين قبل أيام من فوزه بإنهاء الحرب بغزة ولبنان .. وكان يدعو منذ عدة أشهر إلى إنهاء سريع للحرب الإسرائيلية على غزة، وقال مؤخرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «عليك أن تنهيها وتفعل ذلك بسرعة»، ورغم ذلك يعتبر ترامب نهاية الحرب قرارا إسرائيليا على الرغم من مطالبته بوقف الحرب.
في ذات السياق ما يهمنا نحن كعرب ومسلمين هو السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تجاه الشرق الأوسط .. لذلك على الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن يفي بوعوده من خلال إيقاف الحرب بلبنان وغزة ، وبما أنه تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله الذي تم تنفيذه برعاية أمريكية – فرنسية ، يتوجب عليه فور وصوله للبيت الأبيض ايقاف الحرب والإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهويني بغزة، وحل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين لتحقيق سلام عادل وشامل ..وهذا ما أكده أيضا صهره الأمريكي – اللبناني مسعد بولس ، الذي أصبح مستشارا للشؤون العربية والشرق الأوسط ، خلال الحملة الإنتخابية.
كما نُقل عن بولس، مع قرب تنصيب ترامب بالبيت الأبيض ، الإشارة إلى أن الرئيس ترامب مهتم بأن يعم السلام مجددا في منطقة الشرق الأوسط وبأن تتمكّن السعودية من توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل.
ويبدو أن الإشارات والتلميحات التي تنقل على لسان مسعد بولس وآخرون مقربون من الإدارة الأمريكية وصلت بعض تفاصيلها إلى بعض عواصم عربية تتضمّن استمرار التزامه بوقف الحرب.. لكن وقف الحرب بأي صيغة وعلى أي أساس وفي أي إطار ؟؟؟ أسئلةٌ لا تزال مطروحة…
ومن هذا المنطلق أمام ترامب الجديد الرئيس ال47 للولايات المتحدة الأمريكية ، الطامح بنيل جائزة نوبل للسلام أسوة بالرئيس الأسبق أوباما، تسوية القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وأن ينفذ وعوده ليكون العالم أكثر سلاما خلال عهدته .. وبالتالي فإننا ننتظر أن يظهر ذلك في سياسة إدارته الخارجية للشرق الأوسط ، وأن تكون من أولوياته.
لكن هل يحق لنا كعرب أن نتأمل خيرا في شخص دونالد ترامب وأن نصدق وعوده الانتخابية ؟؟؟
كل ذلك سيتبين بعد وصوله يوم 20 يناير القادم للبيت الأبيض.