أجرت الحوار : بثينة جبنون / رئيسة تحرير مجلة “بثينة”
استطاعت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، في ظل رؤية استشرافية وإدارة جديدة، تحقيق نجاحات كبرى وقفزات نحو المستقبل خلال السنوات الأربع الماضية، جعلت منها منارة إشعاع حضاري ومعرفي وبيت خبرة دوليا، وذلك عبر المساهمة في تطوير مجالات اختصاصها بدولها الأعضاء، بتنفيذ برامج ومشاريع وأنشطة مبتكرة، تتنوع بين دعم العملية التعليمية وضمان حق التعلم مدى الحياة، وتعزيز البحث العلمي والتشجيع على الاستثمار في علوم الفضاء وتطبيقاتها، وتجديد العمل الثقافي وحفظ التراث وصونه، وترسيخ قيم التعايش والسلام والحوار الحضاري، وبناء قدرات النساء والشباب وتأهيلهم لمواجهة التحديات المستقبلية، ومواكبة التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم.
“تركيزنا بمنظمة الإيسيسكو على المساهمة في صون تراث دول العالم الإسلامي وتوثيقه”
هذه الرؤية الجديدة للإيسيسكو وضعها وأشرف على تنفيذها الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للمنظمة، الذي تولى منصبه في التاسع من مايو 2019، ونجح في استقطاب فريق عمل يتمتع بكفاءة متميزة من دول العالم الإسلامي وخارجه، وعمل على ضخ دماء جديدة في الإيسيسكو، فأصبحت منظمة شابة تحظى فيها المرأة بنسبة تمثيل حوالي 50% من المناصب القيادية والوظائف المختلفة .
في هذا الحوار الخاص مع مجلة ” بثينة ” يتحدث الدكتور سالم المالك عن مسيرته المهنية وأبزر ما حققته الإيسيسكو خلال قيادته لها، والخطط المستقبلية للمنظمة بغية تعزيز مجالات التربية والعلوم والثقافة في دول العالم الإسلامي:
** لديكم مسيرة متميزة من العمل العام توجها ترأسكم إحدى أكبر المنظمات الدولية العاملة في التربية والعلوم والثقافة.. كيف كان الإنتقال من العمل المهني بمجال الطب إلى العمل العام؟
بالفعل كانت بداية مسيرتي المهنية في مجال الطب، حيث تخصصت في طب الحساسية والمناعة، إلا أن الوجهة تحولت إلى التعاون الدولي، وشغلت عدة مناصب في هذا المجال، منها المستشار والمشرف العام على الإدارة العامة للتعاون الدولي والشراكات بوزارة التعليم في المملكة العربية السعودية، والأمين العام للجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، إضافة إلى عملي كإستشاري حساسية ومناعة بمدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني.. كما شغلت منصب مستشار لعدد من الهيئات بالمملكة، ورئيس وعضو مجالس ولجان محلية ودولية في مجالات الصحة والإبداع والإبتكار .
وقد تشرفت في 9 مايو 2019 بإنتخابي من الدول الأعضاء في الإيسيسكو مديرا عاما للمنظمة، بناء على ترشيح من المملكة العربية السعودية، وذلك خلال المؤتمر العام للإيسيسكو في دورته الإستثنائية، التي عُقدت في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمنطقة مكة المكرمة.. ولله الحمد تمكنت بمعاونة أطر المنظمة، التي تم تدعيمها بإستقطاب كفاءات متميزة تنتمي إلى عدد من الدول، من تنفيذ رؤية استشرافية تتبنى الإنفتاح على الدول الأعضاء، للتعرف على أولوياتها واحتياجاتها، وتصميم البرامج والمشاريع لمواكبة ما تتطلع إليه كل دولة من منظمة الإيسيسكو.. وقد عملنا خلال السنوات الأربع الماضية على جعل المنظمة بيت خبرة ومنارة إشعاع حضاري ومعرفي في مجالات اختصاصها.
ونتطلع إلى أن تكون الإيسيسكو منظمة إبداعية في أفق عام 2025، وهذا إنجاز مهم، حيث نطمح إلى حصد عدد كبير من الجوائز الدولية التي تؤهلها لهذا الهدف.. وقد حصلت الإيسيسكو مؤخرا على عدد من شهادات الأيزو في مجالات إدارة الموارد والجودة والمخاطر..
“الإيسيسكو أصبحت منارة إشعاع حضاري ومعرفي.. وهي منظمة شابة تستشرف المستقبل وتثمن تراث العالم الإسلامي”
** لماذا غيرتم إسم المنظمة من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة؟
كان تغيير إسم المنظمة وشعارها من بين محاور كثيرة تقوم عليها الرؤية الجديدة للإيسيسكو، يمكن إجمالها في إطار العمل على تطوير وتحديث المنظمة لتواكب التطورات المذهلة التي شهدها العالم في جميع المجالات، وتستشرف المستقبل وتساهم في الإعداد له ومواجهة تحدياته، ولتلبي تطلعات دولها الأعضاء في مجالات التربية والعلوم والثقافة بالعالم الإسلامي، لتصبح الإيسيسكو التي نطمح لها، وترسخ مكانتها كمنظمة إبداعية.
وقد وافق المجلس التنفيذي للإيسيسكو في اجتماعه بأبوظبي عام 2020، وكانت له سلطة المؤتمر العام للمنظمة، على جميع محاور الرؤية الجديدة التي وضعناها للتطوير، وتضمنت بالإضافة إلى تغيير الإسم والشعار تعديلات في ميثاق الإيسيسكو ولوائح عملها وهيكلها التنظيمي.
وكان هدفنا من تغيير الإسم إلى إزالة الإلتباس الذي كان واقعا، حيث يعطي الإسم القديم انطباعا أنها منظمة دعوية، بينما الحقيقة أنها تعمل في مجالات التربية والعلوم والثقافة، كما أن العالم الإسلامي أوسع وأشمل من الدول العربية الإسلامية ، فهناك مسلمون في الهند والصين وفي غيرهما من دول العالم، وتتبنى رؤية الإيسيسكو الجديدة خدمتهم جميعا، بصرف النظر عن مكان وجودهم، حيث إن الإسم الجديد أكثر شمولية ومرونة.. كما يعبر الشعار الجديد للمنظمة عن الانفتاح الذي تتبناه في رؤيتها وتوجهاتها الإستراتيجية .
** ما موقع الشباب في التغيير الذي تشهده الإيسيسكو؟
أصبح الشباب من أولوياتنا في ظل الرؤية والتوجهات الإستراتيجية الحالية للإيسيسكو، وهذا ما تؤكده الأرقام خاصة على صعيد ضخ دماء جديدة في هيكل المنظمة الإداري، حيث إن الشباب دون 35 سنة من العمر يمثلون أكثر من 41 % من الطاقة العاملة في الإيسيسكو، وذلك ليقيننا أن هذه الشريحة هي محرك التغيير الذي ننشده.
وإيمانا من الإيسيسكو بأن الشباب عماد التنمية في أي مجتمع، فإنها لا تدخر جهدا في إحتضان المؤتمرات والندوات، التي تناقش قضاياهم وآفاق المستقبل وتحدياته بالنسبة لهم، وتحرص على بناء قدراتهم عبر تنظيم عدد كبير من الأنشطة، والاجتهاد في التواصل مع الأجيال الصاعدة من خلال إستراتيجية تواصلية تواكب رؤية المنظمة الانفتاحية.
وقد إحتفلنا قبل أشهر بإطلاق “عام الإيسيسكو للشباب” تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، في احتفالية كبرى بالقاهرة، تعد بمثابة انطلاقة جديدة لجهود المنظمة في دعم وتأهيل وتمكين شباب العالم الإسلامي، إيمانا منها بدورهم المحوري في بناء مستقبل مزدهر للعالم وتحقيق التنمية المستدامة لدولهم.
** تسعى الإيسيسكو لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالتعليم في دول العالم الإسلامي.. ما أهم جهودكم في هذا المجال؟
يشكل مجال التربية أحد مجالات عمل الإيسيسكو الرئيسية، لهذا تلتزم بتعزيز جهود دولها الأعضاء لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة 2030، والمتمثل في ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل ودعم فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
ويسعى قطاع التربية بالإيسيسكو إلى المساهمة في تطوير المنظومات التربوية لبناء مستقبل أفضل للتعليم، والنهوض بمهارات الأجيال القادمة وقدراتها من أجل وظائف الغد والاستثمار في التكنولوجيا، والإستفادة من تطبيقات الذكاء الإصطناعي والإمكانيات التي تتيحها.
وقد أطلقت الإيسيسكو عدة برامج ومبادرات، يتم تنفيذها في مجموعة من الدول الأعضاء، بالتنسيق مع لجانها الوطنية، ومن أحدثها مشروع استلحاق التعليم للفتيات المتسربات من المدارس في اليمن.. كما تسعى المنظمة من خلال برامجها إلى تدريب وتأهيل المعلمين، وتحسين جودة المياه وخدمات الصرف الصحي في المدارس الريفية بعدد من الدول الأعضاء الأكثر إحتياجا، وقد بدأ البرنامج بإستهداف ألف مدرسة بمجموعة من الدول، ونطمح إلى مضاعفة هذا العدد خلال السنوات المقبلة.
كما أنشأت الإيسيسكو عددا من الكراسي العلمية البحثية في مجموعة من الجامعات المرموقة حول العالم، في مجالات علوم الفضاء والتربية والتعليم المفتوح والهندسة والحوار الحضاري والتنوع الثقافي ودعم الفتيات والنساء.
ويتم الآن تنفيذ مشروع الشهادات الدولية المهنية في التدريس بمصر، الذي يأتي تنفيذا لإتفاقية بين الإيسيسكو ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية ومؤسسة صالح كامل الإنسانية، ويتوقع تدريب 2000 معلم بعدد من محافظات الجمهورية.
“نقدم الصور الحقيقية الناصعة لديننا الحنيف بوسائل عصرية تخاطب العقل والوجدان”
** يواجه العالم الإسلامي تحديات جمة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي.. كيف تعمل الإيسيسكو على مساعدة دولها الأعضاء في مواجهة هذه التحديات؟
في ظل ثورة التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي التي يشهدها العالم، وما تقدم من فرص وتطرح من تحديات في آن، تشجع الإيسيسكو دول العالم الإسلامي على الإستثمار في التطبيقات الحديثة، وتعزيز الصناعات التكنولوجية وكل ما يرتبط بالتقنيات الحديثة، وقد شرعت الإيسيسكو في إستقطاب كفاءات متميزة في مجال الميتافيرس، مع التركيز على كل ما هو مهم ليس فقط بالنسبة للشباب ولكن للأطفال أيضا، من خلال التطبيقات الجديدة.
وينفذ قطاع العلوم والتقنية بالمنظمة مجموعة من البرامج والأنشطة المتميزة في مجال المدن الذكية، ونشر الوعي بأهمية الإستثمار في علوم الفضاء ودمجها في البرامج التعليمية، والمساهمة في الإستفادة من تطبيقاتها، وتوفير فرص للباحثين والعلماء لتبادل الأفكار والخبرات والابتكار في هذا المجال.
كما عقدنا عددا من ورشات العمل التدريبية على تصميم قمر صناعي تعليمي (كان سات) في المغرب وبوركينافاسو وتركيا، وذلك بمشاركة طلاب جامعات وباحثين من معظم دول العالم الإسلامي وخارجه.. وفي إطار إنفتاح المنظمة نعمل على تنظيم النسخة القادمة في البرازيل وهي دولة ليست عضوا، بالإضافة إلى ذلك ننفذ برامج تركز على دعم الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة وإذكاء الوعي بمخاطر التغيرات المناخية، وكان أحدثها: إطلاق برنامج لإنتاج 500 ألف شتلة من البذور التي تم جمعها من الأشجار المنتجة للصمغ العربي في موريتانيا.
وتعمل الإيسيسكو حاليا على صياغة ميثاق العالم الإسلامي لأخلاقيات الذكاء الإصطناعي، بهدف وضع نصوص تقدم نظرة مستقبلية حول تطبيقات الذكاء الإصطناعي، وتعزيز توظيف التكنولوجيا الحديثة، في إطار احترام الأخلاقيات الإنسانية.
** أخذتم على عاتقكم المساهمة في تجديد وتطوير العمل الثقافي بالعالم الإسلامي.. ماهي أبرز جهود المنظمة في هذا الشأن؟
تسعى الإيسيسكو في إطار رؤيتها وتوجهاتها الإستراتيجية إلى إدراج هدف ثامن عشر لأهداف التنمية المستدامة يخص الثقافة، باعتبارها رافعة من روافع التنمية المستدامة، كما أنها تمثل هوية الشعوب وإرثها الإنساني.
ومن هنا، جاء تركيز الإيسيسكو على المساهمة في صون تراث دول العالم الإسلامي وتوثيقه، عبر تشكيل لجنة التراث في العالم الإسلامي التي تشكلت في حلة جديدة، للبت في طلبات الدول بغية تسجيل المواقع التاريخية والعناصر الثقافية على قوائم الإيسيسكو للتراث المادي وغير المادي، وكذا إنشاء مركز التراث في العالم الإسلامي الذي يعمل على توثيق المواقع والأنشطة التراثية وتسجيلها، وحماية هذا التراث والتعريف به، وذلك عبر أنظمة احترافية للقيام بهذا التسجيل والتوثيق، وتدريب العاملين في المجال على إعداد ملفات التسجيل، وكيفية صيانة وحماية المواقع التاريخية وترميم الآثار.
حيث إن تراث العالم الإسلامي لم يأخذ حقه من التراث العالمي، لذلك تستهدف الإيسيسكو تسجيل 1000 عنصر قبل نهاية عام 2025، وقد تم تسجيل 640 عنصرا ماديا وغير مادي، وغالبا ما يكون ذلك مؤهلا للتسجيل في القوائم الدولية للتراث.
واحتفاء بما تزخر به مدن العالم الإسلامي من إرث حضاري وإشعاع ثقافي رفيع، يسعى برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة، الذي شهد تحديثا وتجديدا، إلى الإحتفال سنويا بعدد من العواصم في المناطق الجغرافية المختلفة، عبر تنفيذ عدد كبير من البرامج والأنشطة، لإبراز المكانة الحضارية التي تتمتع بها العواصم المختارة، وما تزخر به من موروث ثقافي مادي وغير مادي غني.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، تسعى الإيسيسكو إلى تشجيع السياحة الثقافية، والإقتصاد الثقافي، ودعم الرقمنة، وعقد عدد من الدورات التدريبية لبناء قدرات العاملين في مجال التراث.
“الإيسيسكو منفتحة على التعاون مع الجميع لفائدة دولها الأعضاء والمجتمعات المسلمة حول العالم”
** السلام والتعايش والحوار الحضاري، قيم تعمل الإيسيسكو على تعزيزها بالعالم الإسلامي.. ماهي خطط المنظمة لترسيخ ذلك ؟
تضع الإيسيسكو ترسيخ قيم التعايش والمساهمة في بناء السلام حول العالم في قلب أولوياتها، وتعمل في هذا الإطار على إطلاق وتنفيذ العديد من المبادرات والبرامج والمشاريع العملية، الرامية إلى ترسيخ التفاهم والوئام بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، وتعزيز التماسك المجتمعي عبر تركيزها على تعبئة قدرات الشباب والنساء، كعوامل رئيسية لنجاح رؤيتها في هذا المجال.
وقد أطلق مركز الإيسيسكو للحوار الحضاري مبادرة رائدة على الصعيد الدولي من أجل تشكيل مفهوم “الدبلوماسية الحضارية” وتأصيله نظريا وإرسائه في منظومة العلاقات الدولية، لتعزيز الوصل الحضاري بين الأمم والشعوب والثقافات المختلفة.
وتسعى الإيسيسكو، من خلال برنامجها للتدريب على القيادة من أجل السلام والأمن، إلى تقاسم الخبرات والتجارب بين الخبراء والقادة الملهمين والشباب عبر دورات تكوينية متعددة، بهدف إرساء مقاربة “الإيسيسكو 360 درجة للسلام”، بالإستناد إلى منهجية متعددة التخصصات في تدريب وتعبئة القادة الشباب.
وقد تخرج من البرنامج قرابة 200 سفير للسلام تقل أعمارهم عن 35 سنة، ونسعى في غضون السنة الحالية والقادمة إن شاء الله إلى بلوغ 500 سفير.
وقد أطلقت الإيسيسكو أيضا، عددا من البرامج والأنشطة التي تعتمد الرياضة أداة رئيسية لتحقيق التغيير والتكامل المجتمعي.
وفي هذا الإطار، استضاف مقر الإيسيسكو بالرباط المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، تجسيدا للشراكة الإستراتيجية بين المنظمة ورابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية، وقد حظي برعاية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وحضر حفل افتتاحه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ولي عهد المملكة المغربية.
ويظهر هذا المعرض والمتحف الجانب الحضاري في سيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد تجاوز عدد زواره 4 ملايين زائر في عام واحد، عقب افتتاحه في نوفمبر 2022.
** تتبوأ اللغة العربية مكانة خاصة في ظل الرؤية الجديدة للإيسيسكو.. ماهي أبرز جهودكم لتعزيز لغة الضاد؟
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ومن هذا المنطلق كل مسلم حريص على تعلمها، ومعظم الدول الأعضاء في الإيسيسكو من الناطقين بلغات أخرى يحرصون على تعلم العربية، وفي ظل الرؤية الجديدة للمنظمة تم في عام 2020 استحداث مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، وإلى جانب ذلك نسعى إلى إنشاء 25 قطبا في دول غير ناطقة باللغة العربية.. وفي هذا السياق، حقق مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها إنجازات كبيرة، مكنته من الفوز بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية لعام 2022.
كما أن لدينا “منظومة الإيسيسكو حمدان بن راشد للغة العربية” للناطقين بغيرها “مشكاة” بمقر المنظمة، والتي تهدف إلى التدريب عن بُعد في مجال اللغة العربية للناطقين بغيرها، والتشبيك والربط بين المنظومة في مقر الإيسيسكو والمراكز الخارجية والأقطاب التدريبية الوطنية والمؤسسات التربوية والجامعية في الدول الأعضاء وخارجها.
وقد عقدت الإيسيسكو مؤخرا، مؤتمرها الدولي “نافذة دبلوماسية على اللغة العربية”، بحضور رفيع المستوى من عدة دول، منهم أجانب درسوا العربية وكانت سببا في نجاحهم المهني، وشهد المؤتمر إعلان أسماء الفائزين في مسابقة الإيسيسكو الشبابية حول صناعة محتوى رقمي لتعلم العربية.
** خلال مشاركتكم في كوب 28 بدبي.. استعرضتم العلاقة بين تغير المناخ وحفظ التراث وأعلنتم عن مبادرات في هذا الشأن، ما أهمها؟
منظمة الإيسيسكو شريك دائم وفاعل من أجل حماية التراث الإنساني.. فخلال المشاركة في الحوار الوزاري رفيع المستوى للعمل المناخي المرتكز على الثقافة، ضمن الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) بدبي، أعلنت الإيسيسكو عن إطلاق مبادرتها لإنشاء آلية مراقبة ومتابعة ورصد تأثير التغيرات المناخية على المواقع التراثية، والتي تعتمد تقنيات الاستشعار عن بعد وتطبيقات الذكاء الإصطناعي، إضافة إلى مبادرة الإيسيسكو لقياس البصمة الكربونية والتقليل من إستخدام المواد المنتجة للكربون في عدد من المواقع الأثرية والمتاحف بدول العالم الإسلامي.
وتنبعث هاتان المبادرتان من إيمان الإيسيسكو بأن حماية الثقافة والتراث الإنساني يجب أن تكون على رأس الأولويات، في ظل التزايد المتواصل للتحديات الطبيعية من مهددات بيئية وتغيرات مناخية.. وقبل ذلك بنحو عام خلال مؤتمر (كوب 27) بشرم الشيخ، أعلنت الإيسيسكو عن مبادرة إنشاء صندوق حماية المواقع التراثية والمتاحف في مصر والعالم الإسلامي من أضرار التغيرات المناخية، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية.
كيف تنسق الإيسيسكو مع المنظمات الدولية الأخرى المختصة في التربية والعلوم والثقافة؟
إيمانًا منا في منظمة الإيسيسكو بأن التكامل بين المنظمات الدولية العاملة في مجالات التربية والعلوم والثقافة هو السبيل الأمثل لتحقيق أهدافها، وأن العلاقة بين هذه المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية قائمة على التنسيق والتعاون، وهذا التكامل يتجسد في تنفيذ برامج ومشاريع مشتركة، وتنظيم اجتماعات تشاورية دورية، والتنسيق خلال حضور المؤتمرات والندوات واللقاءات الدولية، وهو ما يتيح فرصا غير محدودة للتغلب على التحديات المستقبلية، التي تواجه مسار هذه المنظمات من أجل أداء رسالتها النبيلة.
وقد أكدت خلال مشاركتي في أعمال مؤتمر مستقبل منظمات التربية والثقافة والعلوم شهر مارس 2023، الذي عقدته منظمة الألكسو واللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، بمشاركة منظمتي الإيسيسكو واليونسكو، بمدينة الرياض، أن الإعداد للمستقبل وضمان بناء مجتمع عالمي تتوفر له شروط النماء والإزدهار مسؤولية كبيرة، على المنظمات الدولية أن تتعاون للمساهمة في النهوض بها.
وقد عمدنا في ظل الرؤية الإستراتيجية الجديدة للإيسيسكو، إلى تغيير أسلوب المؤتمرات الوزارية بشكل مختلف وكذلك المجالس، من ذلك أن يسبق المجلسَ التنفيذي اجتماع تشاوري، تتم فيه المناقشة وفتح أبواب التعاون بين المنظمة ودولها الأعضاء عبر اللجان الوطنية.