أصدر مركز تريندز للبحوث والإستشارات دراسة جديدة ضمن أوراقه السياسية، تحت عنوان “العراق والمشاريع الدولية في المنطقة.. من مبدأ ترومان إلى ما بعد العصر الأمريكي”، تتناول الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية للعراق وموقعه من المشاريع العالمية الكبرى، منذ حقبة الإحتلال البريطاني التي تأسست دولة العراق الحديث في كنفها، مع التركيز على المشاريع التي تركت أثرًا واضحًا في مسار السياسة العراقية، وخصوصًا المشاريع التي رافقت مرحلة الحرب الباردة مثل: حلف بغداد، والهلال الخصيب، ومشروع أيزنهاور، ومبدأ نيكسون، ومبدأ كارتر، وما بعدها، وصولًا إلى المشاريع الحالية، ومنها: صفقة القرن، والحزام والطريق، والمشاريع الإيرانية والعربية والعراقية الأخرى، مع دراسة الخيارات والأولويات أمام القيادات العراقية للتعاطي مع هذه المشاريع، ومستوى إستيعاب صنّـاع القرار العراقيين لأهمية بلادهمالجيواستراتيجية من منظار القوى الكبرى، ومدى أهمية مشاريعهم السياسية وجديتها.
وبينت الورقة السياسية الـ 20 لتريندز، التي أعدها الكاتب والإعلامي العراقي عباس عبود سالم، أن العراق مثل منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921 غنيمة جيواستراتيجية لبريطانيا العظمى. وحاول قادة العراق في الحقبة الملكية إستثمار المكانة الاستراتيجية للعراق في الصراع الدولي، من أجل الحصول على مكاسب إقتصادية وسياسية وأمنية، لتتحول بلاد ما بين النهرين إلى جدار مانع ضد عواصف الشرق الشيوعية، تماشيا مع ظهور المشاريع الأمريكية في المنطقة وإنطلاقا من مبدأ ترومان. وعندما تغيرت أنظمة الحكم في العراق، لم تتغير مكانته بوصفه حاجز صد أمام المد الشيوعي، ثم المد الشيعي الذي جاء بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
وذكرت الدراسة أن السؤال الأساسي يتمحور حول ماهية المشاريع الدولية والإقليمية وأهمية العراق بالنسبة إلى هذه المشاريع، ومدى تمكّن صنّـاع القرار العراقيين من التوفيق بين المصالح الوطنية والمشاريع الدولية التي تترجم نفوذ القوى العظمى وهيمنتها، موضحة أن هذه هي المشكلة التي رافقت الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، لاسيما مع هوس العراقيين بمفهوم السيادة الوطنية والاستقلال ومواجهة الإستعمار. وهي الثلاثية التي تحولت إلى شعارات مفضلة لدى كثير من الأحزاب والقوى السياسية، التي إستمدت شعبيتها من هذه المفاهيم بعيدًا عن الحسابات الواقعية للمصلحة الوطنية.
وأشارت الدراسة في هذا الصدد إلى ثلاثة خيارات بخصوص مستقبل موقع العراق من الصراع الدولي: يتمثل الخيار الأول في المضيّ في تطوير العلاقة مع واشنطن، في حين أن الخيار الثاني يقوم على البقاء في الوضع الحالي، أما الخيار الثالث فيتمثل في الاتجاه بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
وأوضحت أن أهمية الموضوع تكمن في أن المشاريع العالمية جميعها، التي ظهرت على مدار قرن كامل من الزمن، أثبتت أن العامل الخارجي هو من إنتزع العراق من العثمانيين، ودفع إلى تأسيس دولة العراق الحديثة عام 1921 من قِبل بريطانيا، وهو ذاته العامل الذي أخرج صدام مهزوما من الكويت بعد قراءة إستراتيجية خاطئة حفزته لاجتياحها، وهو الذي دفع الأمريكيين لإسقاط الدولة العراقية القوية وتأسيس دولة أقل قوة وبمواصفات أكثر ليونة عام 2003.
وما بين الأعوام من 1921 إلى 2022 مسافة زمنية إزدحمت بالمشاريع البريطانية والأمريكية والروسية والصينية، وكذلك الإقليمية العربية والإيرانية، التي تحول العراق فيها من جدار فاصل إلى ساحة مفتوحة للصراع.. لكن الأهم اليوم بالنسبة إلى ساسة العراق هي المشاريع الأمريكية والإيرانية، التي لم يتحقق إجماع عراقي بخصوص رفضها أو تأييدها، وفق تصور وطني مبني على مصالح العراق الإستراتيجية.