«في هذا اليوم وعلى حافة صلاة الصبح رأيت في المنام وكأني اجتمع بعراقيي، وقبل اللقاء فيهم شعرت وكأن داخل (بنطلوني) صٌرّة من قماش، فإذا بـ(بيجامة) كاملة كانت ملفوفة في البنطلون من الداخل تسقط من قرب حجل إحدى رجلي، من فتحة من فتحات البنطلون من ناحية الأرض (السفلى) فسحبت اللفة وأخرجتها أو سحبها أحد المرافقين فإذا هي بيجامة ملفوفة فيها (فانيلا) حتى إن أحدهم علّق، كيف كنت تتحمل كل هذا داخل بنطلونك ولا تتضايق؟، فضحكت واستيقظت بعدها إلى الصلاة».
ويضيف: «جاءني في الصباح الطبيبان معاً، اليس وكولديرز، وبعد الفحص علّق (أليس) متعجباً كيف أتصرف بهدوء ومن غير تشكّي، بينما هنالك مرضى من أبسط أعراض المرض تراهم متهالكين ويشكون، وكأنهم في طريقهم إلى الموت.. ابتسمت ولم أعلق بشيء».
ويعود صدام لحلمه الأول المدوّن في مذكّراته، قائلاً: «ما الذي تعنيه هذه الصرّة من بيجامة وفانيلا سقطت من عند بطني من فُتح رجل البنطلون، وقبلها نصل سيف مع قبضته».
وفي اليوم ذاته رأى صدام حسين، في منامه، صحافية عراقية قال بأنها «ليست من بين المعروفين» وكان الوسط الثقافي والإعلامي يهاجمونها ويتهمونها أنها معادية، حتى استدعاها ليحاورها فتبين له أنها «غير معادية» ولكن انشغاله اضطره لقطع الحوار معها قبل أن يحدد «يوم الخميس المقبل» موعداً للقائها ثانية.
وتساءل صدام عما تعنيه هذه الرؤيا، بما فيها موعد الخميس مع الصحافية، غير احتمال دخوله إلى المستشفى «وربما» إجراء عملية جراحية واستخراج شيء «مؤذٍ» من جسده و«يذاع فيه خبر» حسب قوله، مضيفاً: «أليس هكذا يفسرون الأحلام، أم تراني أفسّر ما أرى في المنام على هوى نفسي، إن الله وحده يعلم ما في الغيب وبإمكان الإنسان أن يستنتج، ولكن لا شيء يقين، وهو في بطن الغيب، وعندما يستنتج أو يقول عنه الإنسان إلا عندما يقع، وهل تفسير يوسف للأحلام لأنه نبي فجُعلت هذه الصفة له أية أم هي إمكانية بحيث يمكن أن يكرم أو يخصّ به الله من يشاء من عباده، أنبياء وغير أنبياء!؟ تبارك عالم الغيب فيما يعلم».
وفي اليوم ذاته، ورد إسم «جورج» في مذّكرات صدام، ويبدو أنه شخص أجنبي يتولى مهمة ترتيب الإجراءات الصحية الخاصة بالرئيس العراقي الراحل، الذي يواصل سرد ما دار بينهما، قائلاً: «في هذا اليوم إذ تأخر جورج عن الأطباء قال لي إنني أعمل كل شيء ليكون كل شيء تماما، وأنني سأكون معك وإلى جنبك، وقال ذلك مع تأكيد المفردات وبحماسة بائنة، وعندما كان يقول إنني سأعمل كل شيء ليكون كل شيء تماما أقول له إن شاء الله و(عفية) جورج» وهل مفردة محلّية طالما عرف صدام حسين بترديها بقصد التعبير عن الرضا.
ويسترسل في كتاباته بالقول: «حتى لو كان الأساس فيما قال لأنه جزء من واجبه، ولأن حصول شيء لحياتي، لا سمح الله، في السجن تعني أمام العالم والتاريخ، أنهم مسؤولون عن ذلك، فضلاً عن موقف شعب العراق وأمتنا منهم الآن وفي المستقبل، حتى لو كان كلام جورج ضمن هذه الصورة والتداخل فيها، فلأنه كلام طيّب فمن الإنصاف أن ألمح إليه».
وبدأ صدام يومه التالي (الأحد 16 أيار/ مايو 2004) بالحديث عن حضور جورج والأطباء، لإخباره بالتحضيرات الواجب إجراؤها قبل اصطحابه إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة بشأن «المرارة والكبد».
ويشير إلى أن جورج كان يتولى مهمة ترجمة حديث الأطباء له بشأن ما الذي فعله خلال الساعات الـ24 الماضية، والتحضيرات الواجب إجراؤها اعتباراً من ظهر (الأحد) وأولها الامتناع عن الأكل، عدا وجبة الإفطار التي تناولها قبل مجيئهم، وإنهم سيأتون في وقت لاحق لوضع (الإبرة الوريدية) في يده، وهو ما اعتبره دليلاً على إنها «تدابير تسبق العملية وليس لمجرد التصوير الإلكتروني بالسونار أو الشعاعي حتى».
حينها قال صدام لجورج: «ينبغي أن أهيّئ نفسي لأغسل ملابسي في وجبة الرياضة الصباحية حيث استغل زمنها.. قال قد تحتاج إلى زمن إضافي.. قلت له قد احتاج إلى نصف ساعة إضافية، وعلى هذا الأساس غسلت ملابسي وجسمي، وفي العادة أقوم بذلك يومياً ولكن هذا اليوم غسلت كل شيء يحتاج إلى غسل من سراويل ودشداشة (جلباب) إضافية، وقبل أن ينصرف تاركاً غرفتي، قال جورج سيكون ذهابك إلى المستشفى بالطائرة السمتية (المروحية) وتساءلت من غير إلحاح، لأن الإلحاح لا يغير شيئا مما هم فاعلون، وفي هذا قد يصبح شيء من الرجاء مما لا أريده وليس من عادتي أن ألحّ في طلب شيء إلّا إذا كانت واجبات وأوامر صادرة للتنفيذ من دولتي وحزبي، وقال بأنه سيكون معي منذ البداية وداخل المستشفى ويقصد في هذا تطميني، ثم قال لا تقلق من هذا الموضوع، فقلت له قد تكون عرفتني أو إنك قد تعرفني في المستقبل في ظروف غير هذه الظروف، وعندها تعرف أنني قد أوكلت أمري ونفسي إلى الله، لذلك، ليس عندي قلق إزاء أي شيء يختاره الله وحسبي الله ونعم الوكيل».
حسب جورج فإن اختيار الطائرة لنقل صدام إلى المستشفى يأتي لأمنه وسلامته، غير أن الرئيس العراقي الراحل أيقن أن «التحوّل في التنقل المهم من السيارة إلى الطائرة يعني أن المقاومة نشيطة وقادرة أن تصل إلى أهدافها عندما يهيّئ الله فرصة لهم على عدوهم».
وبعدها عاد صدام للتدقيق في شكوك الأطباء حول المرارة واحتمال وجود حصى فيها، والكبد واحتمال إصابته، مبيناً إنه «مع إن أي انسان معرض للمرض بغض النظر عن عمره وطبيعة صحته التي تسبق ما هو جديد عليه، ولكن قياساً إلى صحتي ومستوى النشاط الذي أنا عليه، بما في ذلك سقيي الحديقة مرتين بما معدله بين (50-60) وعاء ماء يومياً، لا توحي بإمكانية مرض كامن، ولكن يمكن لحصوة في المرارة تنزل فجأة إلى القناة الصفراء وتؤدي إلى ما يربك عمل المعدة، ولكن ألا يعني هذا إن الضرب الذي قام به المجرمون ضدي وعلى كل أنحاء جسمي، بما في ذلك ظهري وناحية كبدي وكلاي قد يكون أثّر على صحتي».
وزاد: «من الطبيعي أن أقول بأنني عادة لا أغرق أو أغرق نفسي بالاحتمالات حول صحتي، بل إن من عادتي أن أنسى أي نوع من هواجس الأطباء عندما تنتابهم شكوك بسيطة حول أي شأن ويقولون بضرورة التأكد بالأشعة أو جهاز المفراس (الرنين المغناطيسي).. غالباً ما أقول لهم بعد اليوم كذا ففي أي وقت تأتون للتحضير المسبق أو للذهاب فوراً للأجهزة سأكون جاهزاً لهذا، وعندما يأتون تنفيذاً للوعد أكون قد نسيت الموضوع كله أصلاً، ذلك إن لم أقل لهم لنذهب فوراً إلى الفحص، لذلك اكتفيت بمجرد التساؤل وغلقت الموضوع في تفكيري».
وبالفعل، جاء الطبيبان معاً إلى صدام يحملان كيس ماءٍ مغذ في إجراء لم يعتبره الرئيس العراقي الراحل «غير معروف من قبل لنا وربما لأطبائنا أو بعضهم، حيث إن إجراء نقل المغذي إلى جسم المريض يحصل عادة بعد إجراء عملية جراحية وليس قبلها، ويعوضون به في حال منع المريض من تناول الطعام، ولكنهم تعويضاً عن وجبة طعام الغداء جاءوني بكمية قليلة من اللبن (الزبادي) مع علبتين من عصير الفواكه بما يساوي كمية نصف لتر من كليهما، ولكنني لم أناقشهم عنه أو استفسر عنه».
ويؤكد أن «النظافة بالنسبة لي من أهم ما ينبغي أن يراعى في الحياة، كواحدة من ضرورات إدامتها بعد التوكل على الله، وقد حافظت على هذا المبدأ وحاولت أن أعلّم على أهميتها، حيثما حللت بما في ذلك بيت الخيانة (في إشارة إلى المنزل الذي تم إلقاء القبض عليه فيه في أطراف محافظة صلاح الدين) وفي المعتقل أيضاً، وقد وجدت (البورتوريكيين) أنظف من الأمريكيين نسبياً، وكانوا ينتبهون إلى إجراءاتي في الوقاية والنظافة أكثر من انتباه الأمريكيين، ربما لأن جزيرتهم سياحية أو لأصلهم العربي، أو لتعلم أجدادهم هذا من العرب الذين كانوا في الأندلس فنقلت إليهم عبر الأجيال».
ويعود صدام لسرد تفاصيل ما حدث عندما قدم إليه الأطباء تمهيداً لاصطحابه إلى المستشفى، لافتاً إلى أن أحدهم حاول وضع الإبرة الوريدية في يده اليسرى و«بالكاد تمكّن من تثبيتها وتدفق الدم، مما يعني إن الماء المغذي سيذهب بعكس الاتجاه عند وضع كيس الماء المغذي بأعلى من مستوى الجس، أما لو سقطت شماعة التعليق المثبتة على سريري على الأرض وأنا نائم وصار نومي ثقيلاً فيكون الجسم أعلى من كيس الماء المغذي، وعند ذلك سيجري الدم في اتجاه الكيس وليس الماء المغذي في اتجاه جسمي، وعندما يستنفد الماء أو نسبة منه يموت الإنسان، لذلك، فإن الذي أعرفه هو إن الطبيب أو ممرض أو ممرضة اختصاص يرابطون بالمرافقة مع المريض في نفس غرفته توخياً للدقة وتجنّباً للاحتمالات، وعندما لا يكون عدد الأطباء والممرضين كافياً لعدد المرضى، ويحصل هذا في حوادث السير، يُعلم الأطباء ذوي المرضى ماذا عليهم أن يلاحظوا ويعملوا ومتى وكيف ولماذا عليهم أن يخبروا الأطباء أو الممرضين عن بعض الحالات، وإن مثل هكذا تدابير تحصل عادة في المستشفيات من أجل المحافظة على النظافة والوقاية.. أما بالنسبة لي فقد تركت خلف بابٍ مقفل، ووعد الطبيب أنه سيعود فيما بعد ليتأكد إن كل شيء (أوك) على حدّ تعبيره، وقد عاد فعلاً بعد ساعة ونصف أو ساعة، وعندما سألني قلت له إن كل شيء تمام».
وبينما كان صدام حسين على وشك النوم، سأله أحد الحراس، متحدثاً من فتحة سفلية في باب الغرفة، إذا كان راغباً في الخروج إلى «الساحة للتمشي» فوافق لكن ماذا بشأن كيس الماء المغذي وأنبوبه الممتد إلى يده!، فغاب الحارس دقيقة أو دقيقتين عن صدام قبل أن يأتي إليه حارس آخر وصفه أنه «أكثرهم عجرفة وغلظة» وأخرج الكيس وأعطاه له ليتمكن من الخروج إلى الساحة حاملاً كيس الماء فوق كتفه، الأمر الذي دفع الحارس إلى إخبار صدام إذا كان في حاجة إلى «المثبت» أيضاً، فوافق وخرج لينفذ برنامج المشي.
وفي أثناء المشي، لاحظ صدام أن بعض الشجيرات قد أصابها العطش، وبدأ بنقل الماء إليها باستخدام الوعاء، رغم حمله كيس الماء المغذي وأنبوبه المعدني المُثبّت، منوهاً أن أحد أفراد الحرس الأرضي، عدا حراس البرج، يقف بالقرب منه غير إنه لم يبادر بمساعدته في نقل الماء لسقي النباتات، على الرغم من إنهم مبلغون من مسؤولهم الأمني أن يفعلوا ذلك، حسب قوله صدام، الذي انتقد «ضياع القيم الذي يعيشه المجتمع الأمريكي، وإلى أنين سيوصله الشعور الأناني المصلحي وعدم الإحساس بالآخرين».
وفي سطر جديد، كتب صدام إن الأطباء قالوا له إن صحته في حاجة إلى تدقيق شعاعي، فإما أن يأتوا بالأجهزة الطبية إليه أو يدلهم هو إليها، فاختار الطريقة الثانية كونه يعلم أن «بعض الأجهزة لا تعمل بمجرد النقل، وإنما في حاجة إلى تصاميم إنشائية ومعمارية خاصة لكي تعمل».
ويضيف: «جاءني جورج والأطباء، والكل يرتدي ملابس عسكرية مع درع لحماية الصدر والظهر، مع وجوه جديدة لأغراض الحماية ليس بينهم أحد من الحرس المكلفين عادة بحمايتي، استبدلوا الكيس الأسود الذي يضع على الرأس بنظارة تشبه تلك التي يضعها المسافرون على عيونهم اتقاءً للضوء ليناموا..أصرّ علي على لبس الدرع والخوذة، وقال إن وزني هبط إلى ما يزيد على السبعين كيلوغراما بقليل أي بحدود 10 كغم خلال شهر أو يزيد قليلاً، فصار الثقل يرهقني».
ولم يتمكن صدام من معرفة عدد الطائرات التي أقلته إلى المستشفى، غير إنه أكد أن مدّة الرحلة لم تستغرق زمناً طويلاً قبل أن يصلوا إلى المستشفى ويتم حمله بنقالة، الأمر الذي دفعه للتساؤل عن الحاجة لمثل هكذا إجراءات، فأخبروه أنها إجراءات المستشفى ، واستدرك بالقول: «تمددت بعد مساعدة في سرير متحرك، حتى قيل لي لقد وصلنا وساعدني جورج خلف نظارة الجلد، وبعد أن ذهبت إلى الحمام، وهو جزء من الفضاء الذي كنت فيه، وفيه الكثير من الأجهزة، عدت لأتمدد على سرير مرفوع قليلاً من ناحية الرأس وأعطيت شراب لونه يميل إلى الصفار قليلاً طعمه غير مستساغ، مثل ماء البئر كثير المرارة، وقيل لي أن أشربه في ظرف ساعة».
أنهى صدام فحوصاته في المستشفى وعاد إلى المعتقل مرّة أخرى، ويبدو أنه كان فرحاً برؤية «جزء من بغداد» من خلال علاجه في إحدى مستشفياتها، وسماعه صوت «عراقي» وهو يقول له «أقطع نفسك رجاءً..تنفس» حسب قوله.
وأضاف: «كل واحد يعرف أن الظلم عندما ينتزع فرصته من العدالة لن يطرده إلا العدل وقوته التنفيذية العادلة لتطبيق العدل، وإن صاحب عرش العدالة يرى ويسمع وهو فوقنا ومن حولنا محيط».
في صباح 18 أيار/ مايو 2004، يستذكر صدام أيام حياته في الريف والحصاد في مثل هذه الأيام، وريح السنابل مع المنجل «الذي يحصدها في اليد اليمنى بعد أن تكون قد جمعتها اليسرى وأمسكتها لتقدمها جاهزة للحصاد، بعد أن انتهى عمر أعقاب النبات ونضج الحب في السنابل ليصبح رغيف خبز حلال معجون بالبركة والعافية».
وتابع: «هكذا وإلى ذلك الماضي البعيد قبل أكثر من خمسين عاماً أخذتني الذكرى التي تسللت إلى تفكيري مع ريح الصباح الندي وما ذكّر به من أيام حصاد الحنطة أو الشعير».
وفي اليوم ذاته، يقول صدام: «جاءني الأطباء ومعهم جورج، وبدأ الطبيب كولديرز يترجم عنه جورج، يشرح لي باختصار شديد نتائج الفحص الشمولي- عدا الرأس- قال إنه مرتاح للنتائج عن الصحة العامة بوجه عام، وإن صحتي أفضل من صحة الطبيب، وإن ما رآه الأطباء في البروستات كأثر لالتهاب يمكن أن يزول في ظرف أربعة أسابيع حيث تتناول وجبة دواء جديد للبروستات، وحتى لو اكتشف بعد المعالجة أن النقطة التي رأوها في البروستات لم تزل، فإن حالة كهذه، حتى لو لم يجر عليها تداخل جراحي، تعطي الإنسان بمثل عمري ليعيش فرصة حدّها الأدنى خمس سنوات وقد تتعداها إلى خمسة عشر أو عشرين عاماً، وهو يعني إن لم تختف بالأدوية معنى ذلك إنها ليست مجرد التهاب وإنما نوع من السرطان، على وفق ما شرحوا ذلك عندما كنت في المستشفى وظهر عندي فتقان في أسفل البطن، أحدهما صغير وهو الموجود على الجبهة اليمنى من أسفل البطن، والآخر أكبر وهو الموجود على الجهة اليسرى من أسفل البطن».
وقرر الأطباء وصدام الاعتماد على العلاج مدّة أربعة أسابيع، قبل أن يخضع لفحص جديد يقرر مدى الحاجة لإجراء عملية جراحية من عدمها، لمعالجة «الفتقين» والتي من المقرر لها أن تستمر مدّة ساعة فقط.
ويواصل صدام حسين سرد يومياته، مشيراً إلى اعتياده على شرب القهوة بصورة منتظمة في السنوات الأخيرة قبل اعتقاله، لكنه بدأ يشربها بشكل أقل عند اختفائه في ما يسميه «منزل الغدر والخيانة» وهو بيت شخص يدعى (قيس نامق).
في الأثناء، ينوّه صدام أن الحرس تولوا مهمة سقي حديقته في ساحة المعتقل، بعد أن علموا بمرضه وأهمية أن لا يحمل أي ثقل بما في ذلك وعاء الماء، فجلبوا خرطوما لمساعدتهم في نقل الماء إلى النباتات، مستغرباً من رفضهم طلبه هذا قبل أكثر من شهر.
وبالنظر لحالته الصحية، اكتفى صدام بمهمة الإشراف والتوجيه للحراس في سقي النباتات وفقاً لرغبته وباعتبارها «حديقته وأرضا عراقية» حسب وصفه، ووجد فرصة للجلوس على كرسي في الظل ومراقبة عملية السقي وتخيّل شكل الحديقة عندما تكبر النباتات وتصبح أشجاراً.
ويعتقد صدام أن إصابته بـ«الفتق» جاء نتيجة «الشد على البطن» قائلاً: «تحملت بطني وبقية أنحاء جسمي شدّاً قوياً نتيجة الضرب الذي قام به الغزاة ضدي في اليوم الأول لاعتقالي.
وفي سطرٍ جديد، يروي الرئيس العراقي الراحل حلماً جديداً رأى فيه زوجته «أم عدي» كما يحب أن يناديها، وآخرين لم يتذكرهم، وبنائين متقابلين، في الطابق الأول فوق الطابق الأرضي مسرحاً ومدرجاً مليئاً بالكراسي على هيئة صفوف تتدرج من الأعلى إلى الأدنى، يغطيها غطاء نصف دائرة يرتفع فوق كل مسرح من المسرحين شبيه بمسرح الاستعراض في قوس النصر، وبين المسرحين يفصل فضاء بعرض (6 ـ 8) أمتار، وهو سطح البناء المشترك نفسه.
ويواصل سرد حلمه قائلاً: «كنا نحن ومن معنا في مسرحنا، والعائلة السعودية في مسرحهم، وكنت أنا وأم عدي في الكراسي الأمامية من مسرحنا ولكننا كنا واقفين وجاء عدد من أفراد العائلة (المالكة) السعودية يسلم علينا، كانت أبرزهم على وفق ما تم تعريفنا بها زوجة الملك فهد أم الأمير عبد العزيز، فقلت موجهاً الكلام بعد السلام إلى أم الأمير عبد العزيز، لقت لها الآن أنت واختك أم عدي اشغلوا أنفسكم بالزراعة فكلاهما وافقتا على رأيي، وبعد ذلك استيقظت من المنام».
في اليوم ذاته زار جورج صدام في غرفته برفقة شخص آخر يشبه «اليابانيين أو الكوريين» في الشكل، وفقاً للرئيس الراحل، وسلّمه هدايا من عائلته تتضمن «بيجاما وروب» وكارد تهنئة بعيد ميلاده من ابنته (رنا) مضيفاً: «فرحت بها وآلمني أن تتحمل مشقة مراجعة مكتب الصليب الأحمر أو غيرها، وأن تصرف لشراء حاجيات شخصية لي، بإمكاني أن استغني عنها.. لو لم تبعثها لتوفر مبلغاً لها ولأطفالها وهم بعيدون عن العراق ولا أعرف كيف يدبرون أحوالهم هناك وهم في الأردن».
يوم الخميس 20 أيار/ مايو 2004، لاحظ صدام حسين «الأعمال الدورية التي تقوم بها طائرة قاصفة كبيرة، وإن الطائرات السمتية (المروحية) وطائرات مقاتلة الدروع لم تأت اليوم على وفق التوقيت المعتاد إلى بغداد، عدا طائرة واحدة مقاتلة الدروع جاءت في وقت مبكر على الوقت المعتاد» حسب وصفه، مبيناً أن «النظرية العامة تقول عندما يكون وضع الصغار في حال حرج، سواء إنسان أو أسلحة، يتدخل الكبار ليعيدوا التوازن أو إن معركتهم حيث يسحبون إليها تبدأ حيث يفشل الصغار في إنجاز هدف بعينه أو المحافظة على هدف بذاته».
ويروي أيضاً أنه لم يعد يسمع أصوات القصف سواء عندما يكون في غرفته أو في ساحة السجن، غير أنه في هذا اليوم سمع صوت «قصف مدفعي أو انفجارات» غير أنه جاء من اتجاه غير اتجاه بغداد أو قضاء أبي غريب المحاذي للعاصمة من جهة الغرب، وإنما من اتجاه منطقة الرضوانية القريبة من مطار بغداد.
وبعد يومين، يشير صدام إلى أنه سمع «عدّة رميات مدفعية من اتجاه جنوب غرب على مكان بعيد من المعتقل» مرجّحاً أن تكون «المقاومة» علمت بمكان اعتقاله فلم تقم بتنفيذ أي عمليات قصف حرصاً على سلامته.
في السابع عشر من أيار/ مايو 2004، بدأ صدام صفحة جديدة في دفتر مذكراته، استهلها بقوله تعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».
وأكمل صفحاته بمحاولة كتابة أبيات شعرية يرجو فيها الله أن «يُطلقه حُراً» ويعيده «ذا شأن وباعٍ» ويهب أمته «رضىً ومغفرة» وشعبه «طاعة وأبناً أبرّاً» فضلاً عن قطع نثرية تتحدث عن فراق حبيبته «بغداد» عندما كتب يقول: «كيف أنت وما هو شعورك عن أبنائك بعد أن دخلت حماك جيوش الغزاة، وهل يمكن لجراحك أن تشفى قبل أن يُمحى عار فعل المجرمين، وقبل أن يهزموا!؟».
في 18 أيار/ مايو 2004، خصّص صدام صفحة مذكرات هذا اليوم لمحاولاته في كتابة الشعر الفصيح، في حين كتب في صفحة اليوم التالي «ليس في هذا اليوم ما هو مهم من أحداث ليدون وكان يوماً اعتيادياً».، وذيّل الصفحة وصفحات أخرى لاحقة بمحاولات شعرية غير أنه وضع عليها علامة (X).
ومن بين ما كتبه صدام في مذكّراته قصيدة شعرية فصيحة بعنوان (في المعركة) قال فيها: يظن عدوك أنك نائم/ وقد خاب ظنه الواهم.. لو نمت ما نمت إلا بواحدة/ وتراقب الأخرى ضجيج الأراقم، أو إنك عن عدوك غافل/ لأنك لا تبدي ما يفهمه الأعاجم).
وفي نهاية الصفحات الـ40 لمذكرات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كتب أبياتاً للشاعر أبي الطيب المتنبي جاء فيها (كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ/ حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ، مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ/ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ).