كان يا ما كان ..في قديم الزمان ..إنسانية وإنسان ..
وكان آدم وحواء حبيبيان ..وكان هناك إمبراطوريات وبلدان ، وصحارى وبحار وخلجان ،وكانت هناك قيم وعقائد وأديان .. وكان هناك وفاء وشجاعة وإيمان ووجدان .. وكانت التراتيل تعانق بقدسيتها الآذان ..وكانت الكتب السماوية من التورات إلى الإنجيل إلى القرآن ..كانوا دليل المحبة والتسامح والغفران .. وكانوا يلتقون في تخليد الرب الواحد وتجسيد الله في الحق والعدالة والرحمن …
وكانت الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة كأنها واحة من البساتين والحدائق والجنان ..أما السيئة فكانت فضيحة ونكران ..وهكذا دارت الدنيا دوران يتبعه دوران ..هي آلاف السنين في الحسبان، فإنهارت دولاً وتكونت بلدان ..حتى وصلنا إليوم إلى عالم جديد مشبعاً بالشرائع والغرائب والعجائب زماناً ومكان ..حيث قانون الغاب أصبح هو السلطان ..والذي فيه القوي يأكل الضعيف ، بلا عواقب ولا حسبان ..كأن السماء لا ترى ولا تسمع أنين ضحايا هذا البركان ..فمبررات القتل والإجرام تعطل للعدالة كل ميزان .. فالمجد لمن خان والسجود لغير الله صار هو البيان ..وأوليائه على الأرض ليسوا إلا شياطين وثعابين وغربان ..لا أمن ولا أمان إلا في التبعية والخذلان ..لقد ساد وماد الطغيان حكام وحكومات ، تابعون ينفذون أوامر الشيطان ..حيث كممت الأفواه وفقئت العيون، وكبلت الأيادي بسلاسل من نار ، في غليان ما بعده غليان .
هكذا صرنا أمة قطيع من بقرٍ وخرفان نستجدي الحياة خبزاً وأمناً وأمان ..فتفرقنا لنصبح بذلك أممًا ودولا يحكمنا صيصيان وتأكلنا أحياء الديدان .. نتغنى بتاريخ بني جدعان وخلفان وفزعان وجوعان وعدنان ..هكذا أتونا من أصقاع الأرض الحيتان ، وخلقوا لنا بالديار أبشع وأشرس وأنذل وأجرم كيان ..كيان ٌيتغذى على فتاتنا ويتغنى بما يَدّعي بأنه صاحب الحق الشرعي في هيكل سليمان..نعم هكذا شردوا أهل فلسطين ليصبحوا في عهدة النسيان .. هكذا صارت القدس مأوى للجرذان .. هكذا حكمونا، وصارت عواصمنا للجهل والقهر والظلم عناوين في عنوان .. وللتفرقة والفتنة صارت كما قوس قزح تعددت فيه الألوان من لون الدم للون الهٓمّْ ..للون القذح والذم والتآمر والخيانة والعصيان …
لهذا يا أيها السادة بدأ الطوفان .. ولهذا وصفنا غزة بأنها العبرة والملحمة والوجدان .. وأنها هي اليوم تُدفن حيّة بأطفالها ونسائها وشيوخها وكأن يوم القيامة قد حان .. فهانحن نراها بين مطرقة قاتلٍ من بني صهيون وسنداناً للجهل من بني عربان .
أمم متحدة وحقوق إنسان ومجلس أمن وأصنام ومحكمة عدل دولية وقوانين وملغومة مشبوهة هي الأحكام .. حرية ومساواة وعدل وديموقراطية، وكلام بكلام حيث الكيل بمعيارين هو السيف هو الحسام .. هي نظرية القطب الواحد في كمالٍ وتمام ..هو العم سام إذاً صاحب الجاه والقوة والمقام هو بعد الله أم قبله بدايةً أم ختام .
هي الصاعقة وما أدراك ما الصاعقة ..هي البارقة وما أدراك ما البارقة ..هي الطارقة وما أدراك ما الطارقة ..هكذا صار طوفان الأقصى هو العلامة الفارقة .. هكذا وبعد أكثر من سبعة عقود من الإحتلال والتشريد والتنكيل ، تدحرجت كتلة الثلج لتصبح صادمة بارقة .. ومن وحي الصدمة إهتزت إسرائيل المارقة ، بكل كياناتها ومكوناتها وقواها الشريرة الحارقة .. وللمفارقة تداعى الغرب بكل ما له من سيطرة وقوة ، لينقذ هذا الكيان المشين بأشرعته وسفينته الغارقة .
المعركة وجودية بين الباطل والحق .. القتلى بالألاف والقلب ما رٓقّْ ..الأشلاء والدماء على كل مفرقٍ وفي كل شِقْ ..قلب غزة والحمدلله ، مازال يعزف لحن الصمود ، ونبض الحياة مازال يدّق .
إلى أين نحن ذاهبون ؟؟؟؟ والسؤال الكبير كيف الغد الآتي سيكون؟؟؟؟ القلوب تنذف وتبكي بالدم العيون .. فالعرب غائبون نائمون لا يسمعون لا يرون لا يحسون لا يهتمون لا يبالون …والصهاينة والغرب يقتلون ينهبون يبيدون يهدمون يجرمون يحرقون يظلمون ، ومازالوا يقولون بأنهم العادلون والمنصفون وبأن الإنسانية والعدل ورفعة الحق ولبيارق الحرية والديموقراطية مازلوا يرفعون .. هكذا هم القتلة يقتلون وعلى ضحاياهم بدموع التماسيح يتباكون ونفاقاً وكذباً يترحمون .
إنها إبادة إنها محرقة أيها السادة ..هو التجويع للمجرم عادة .. هو التنكيل للسّجان قرارٌ في إرادة .. فهل ياترى سنرى في التكرار والإعادة إفادة ..هو رمضان الخير آتٍ ، لكن أين الخير لغزة ، وحتى للحصول على الخبز صار يلزمه حصان طروادة .
للأسف نعيش في أبشع زمن وندفعه غالياً هو الثمن ..أبرياء يُقتلون بدمٍ بارد كل يوم وأمتهم أمة وهنٍ وعَفن ..والعالم المتحضر ليس إلا الشريك الأساس في الجريمة العلن .
فلنعش الأمل ، ولهذا وجب علينا جميعاً العمل .. بالإرادة والإيمان والعقيدة تحيا الروح فينا ، لينتفي فشل ، لينتفي نوم في كسل لنقوم قومة الرجل الواحد بلا نفاقٍ ولا دَجَل، مهما تكاثر عدد الشهداء وتعاظمت المعاناة بلا وجّل .. وعلى القول المأثور نرسوا ، بأن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ، ومن سار على الدرب وصل .
رمضان مبارك جعله الله خير وبركة للبشرية جمعاء