بعد إعلان الهدنة والإتفاق على تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل ، برز إسم الأسيرة الفلسطينية إسراء جعايبص ، التي تعد أحدى أيقونات النضال الفلسطيني المعتقلة منذ عام 2015 .
روت إسراء قصتها من خلال كتابها “موجوعة” الذي صدر في شهر سبتمبر الماضي ، حيث عبرت فيه عن آلامها ومعاناتها داخل سجون الإحتلال الإسرائيلي .. قالت في مقدمته ” هذا الكتاب هو باكورة أعمالي من داخل الأسر، لعل صفحاته تنقل معاناة منعت من النشر”، وأهدته إلى مجموعة من المقربين من عائلتها ، وإلى الأسيرات والأسرى ممن كان لهم صلة بها داخل السجن .
“نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة”، تقول الأسيرة المحررة إسراء الجعابيص، عقب خروجها من سجون الإحتلال، والذي قضت بين جدرانها المليئة بالعتمة ثماني سنوات عانت فيها من إهمال والوجع الجسدي، مع إصرار الإحتلال على عدم تخفيفه ومعاجتها، محملا إسراء أوجاعا إضافية فوق قيد الأسر.
إسراء الجعابيص كسرت قيد السجان، وعانقت الحرية وطفلها الوحيد، الذي غادرته طفلا، ولاقته اليوم صبيا بلغ الرابعة عشر، بإبتسامة خجولة يتخللها حزن جلي على ما يحدث في الجانب الآخر من الأراضي المحتلة، وتحديدا في قطاع غزة.
من هي إسراء الجعابيص ؟
كانت الأسيرة إسراء تقبع في سجون الإحتلال منذ أكتوبر 2015 ، وهي من قرية جبل المكبر جنوبي القدس، من مواليد 1986.. تحمل هوية القدس وهي متزوجة ولديها طفل عمره 14 عاما، حيث يعيش مع جدته وخالاته في مدينة القدس بعد تعرض زوجها لحادث سير أقعده على كرسي متحرك .
كانت تدرس التربية في الكلية الأهلية في بلدة بيت حنينا شمالي القدس المحتلة ، كما أنها عملت في دار المسنين .
حصلت الأسيرة إسراء على شهادة الثانوية العامة داخل المعتقل ، ثم إنتسبت إلى جامعة القدس المفتوحة ونالت شهادة البكالوريوس تخصص الخدمة الإجتماعية عام 2020 .
أصدرت إسراء كتابها “موجوعة” الذي صدر في شهر سبتمبر الماضي ، حيث عبرت فيه عن آلامها ومعاناتها داخل السجون الإسرائيلية
بداية القضية والسجن
لم يكن الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015، تاريخا عاديا وسهلا في حياة الأسيرة الفلسطينية إسراء الجعابيص.. فإنفجار عرضي لإسطوانة غاز كانت تقلها في سيارتها على الطريق الواصل بين مدينة القدس المحتلة ومدينة أريحا ذاك اليوم، كان كفيلا بتوجيه الإتهام لها بمحاولة قتل جندي من قوات الإحتلال بالقرب من حاجز الزعيم العسكري شرقي القدس.. إتهامات الاحتلال التي لم تستند للأدلة والمنطق حولت حياة إسراء إلى كارثة موجوعة، فقدت من وراءها أجزاء من جسدها، وحياتها الهانئة مع طفلها الوحيد الذي لم يستطع التعرف عليها بعد الحادثة، أثناء زيارته لها ذات مرة في سجن “هشارون” العسكري.
منع إستكمال العلاج ومحاكمة غير عادلة
الحادثة تسببت بحروق عميقة، من الدرجة الثالثة، أذابت أصابع الأسيرة الجعابيص، ولم تبق إلا عقدة واحدة في كل من أصابعها الثلاثة المتبقية، وأذابت ما يقارب 50% من جسدها.
أذني الأسيرة إحترقتا كذلك، فالتصقتا بعد أن ذابتا بفعل الحروق في الرأس، في الوقت الذي لم تعد تقوى فيه على رفع يديها إلى الأعلى بشكل كامل نتيجة إلتصاق الإبطين أيضا.
إسراء كانت بحاجة إلى عملية لفصل ما تبقى من أصابع يديها الذائبة والملتصقة ببعضها البعض، فقد ذابت عقد الأصابع، وهي بحاجة لعملية أخرى لزراعة جلد ليغطي العظام المكشوفة.. الآلم في الظهر، واليدين، وحرقة في العين، وإحساس دائم بالدوار، وصعوبة الأكل والشرب بشكل طبيعي بعد أن ذوبت الحروق شفة الجعابيص السفلى .. فالأكل يتساقط منها، وهي بحاجة لكأس مزودة أنبوب صغير تستطيع الشرب منها بأريحيّة، كلها أوجاع لا متناهية تترافق مع رفض الإحتلال إستكمال علاجها.
الإحتلال الإسرائيلي حكم عليها بالسجن 11 عاما، وبدفع غرامة مالية مقدارها 50 ألف شيكل ، حيث صدر الحكم في أكتوبر 2016 .. وبعد صدور الحكم جرى نقلها إلى سجن هشارون للأسيرات ، ومنع عنها زيارة عائلتها وحتى إبنها الوحيد معتصم الذي كان عمره آنذاك 6 أعوام .
كما منعت إسراء من العلاج ، حيث لم توفر لها إدارة السجن سوى مرهم لتبريد الحروق لا تزيد سعته على عشرين ملم يصرف لها كل ثلاثة أيام، وهي كمية غير كافية لتغطية كافة الحروق، حيث كانت ترفض الإدارة حتى تغير البدلة الخاصة بعلاج الحروق.
وفي شهر يناير 2018 رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية للنظر في إستئناف على رفض المحكمة المركزية طلبا للإفراج المبكر عنها بسبب وضعها الصحي .
مطالبات سابقة بالإفراج العاجل
لم تتوقف الحملات و المطالبات بالإفراج عن الأسيرة إسراء الحعابيص، والنظر في وضعها الصحي الخطير، وتهيأة الظروف لإستكمال علاجها، وإحترام الإحتلال القوانين والمواثيق الإنسانية.
فقبل عامين تصدر وسم أنقذوا ” إسراء جعابيص” منصات التواصل الإجتماعي ، حيث تضمنت الحملة التي أطلقها نشطاء التعريف بالحالة الصحية التي تعيشها الأسيرة الجعابيص وكذلك ظروف إعتقالها بعدة لغات لتصل إلى العالم، إضافة لنشر صور تظهر حجم التشوهات التي تعاني منها.
ورغم كل المطالبات من المنظمات الحقوقية، وحملات الضغط على قوات الإحتلال، كانت ترفض قوات الإحتلال الإسرائيلي بشكل قاطع الافراج عنها، وتقديم المساعدة لها لتلقي علاجها وفق ظروف انسانية.
حرية في إطار تبادل الأسرى
“ابنتي ليست أهم من أهل غزة”، يقول والد إسراء .. فحرية الأسرى كان ثمنها شلال من الدم في القطاع.
وفي نطاق الاتفاق على هدنة إنسانية مؤقتة، أحد شروطها كان الإفراج عن مئة من الأسرى الفلسطيين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، وكانت إسراء من ضمنهم.
عانقت إسراء الحرية، وإحتضنت طفلها الوحيد، لتسلك دربا جديدا من الحرية والصمود ورحلة إسترداد الكرامة وبداية العلاج في وجه إحتلال لا يعترف بالقوانين الدولية الإنسانية ولا يحترمها، قافزا على كل المواثيق والإتفاقيات الداعية لإحترام المدنيين في الحرب، والأسرى والموقوفين الفلسطينيين في سجونها.