حوار أجرته / رئيسة التحرير بثينة جبنون
تشرفت بإجراء حوار مع السيد جوبان جيوم Jobin Guillaume رئيس المدرسة العليا للصحافة بباريس ESJ ، وذلك لتسليط الضوء على برنامج الماجستير بالعربي في المدرسة العليا للصحافة والتواصل والعلاقات الدولية الذي تم تأسيسه لأول مرة بفرنسا سنة 2021 .. تجربة فريدة نجحت في إستقطاب مئات الطلاب الذين تحصلوا على شهادة الماجستير وفق معايير علمية وتقنية ناجحة …
- في البداية لو نتعرف على سيرتكم الذاتية ككاتب له عدة إصدارات ومتخصص في التاريخ العربي ، وتحديدا لدول المغرب العربي ؟
نشأت في مدينة Havre بالنورماندي حيث تعيش عائلتي منذ قرون .. منذ الصغر دفعتنا عائلتي أنا وأشقائي الثلاث لتعلم اللغات الاجنبية ، حيث تعلمت في سن السادسة اللغة الروسية واللغة الانجليزية في سن التاسعة واللغة اليونانية في سن الحادية عشر واللغة الإسبانية في سن الخامسة عشر .
بالنسبة لي كان عندي شغف كبير بالعالم العربي بما أني نشأت في عائلة تمتهن التجارة في القهوة منذ قرنين من الزمن ، حيث كان والدي أول من كان يبيع القهوة لليمن ..أتذكر في طفولتي كان في بيتنا كتب أطفال تروي قصة إكتشاف القهوة من طرف راعي عربي ومعزته ، حيث أن القهوة تعتبر من تراث وعادات العرب …
في تلك المرحلة من طفولتي تعلمت الكتابة والقراءة والحديث بالعربي بكل عشق ، رغم أنني مازلت إلى الآن لا أميز بين اللغة العربية الفصحى واللهجة الدارجة في المغرب العربي …
درست الطب وتتخصصت في أبحاث بيولوجيا الأعصاب Neurobiologie ، أيضا تحصلت على MBA من HEC بباريس .. بعد ذلك أنشأت بنك خاص بمجال الأعمال مع بعض الشركاء إنتهى للبيع في سنة 2006 . ومنذ تلك الفترة بدأ يستهويني العالم العربي وأصبحت أزور عدة دول عربية لقضاء إجازاتي منها دولة الإمارات ، قطر ، الأردن ، مصر ، وسلطنة عمان .
الصدقة لعبت دورا في حياتي ، حيث زرت يوما المدرسة العليا للصحافة بباريس ESJ لتقديم خدمات طبية وإنسانية ، وبعدها تم منحي منصب مدير عام للجامعة .
وفي سنة 2008 طلب مني رئيس الجامعة زيارة المغرب بهدف تأسيس مدرسة فرنكوفونية مع مجموعة ميديا مغربية ، حينها وقعت في عشق ذلك البلد ومنه كل دول المغرب العربي .. تزوجت سيدة مغربية وبعد طلاقنا تزوجت سيدة جزائرية .. أزور دائماً المغرب الذي أجد فيه الراحة والسكون ، ويجسد مصدر إلهام لأفكاري وكتاباتي ، وأيضاً الجزائر وتونس لأنهما قريبين من باريس حيث أقيم .
إلى جانب عشقي للدول العربية والإسلامية التي تتميز بجمال المعمار وروعة هندسة الجوامع والأماكن التراثية ، فأني أحب السفر وزرت أيضاً الهند وإيران وتركيا .
وبعد عودتي من المغرب تم تسميتي رئيسا للمدرسة العليا للصحافة كإداري رغم أنني لست صحفيا .. هذه المدرسة التي تعتبر أعرق وأول جامعة متخصصة في الإعلام حيث تم تأسيسها سنة 1899 ، وتم إستنساخها بأمريكا لإنشاء أول جامعة هنالك سنة 1908 .
وكرئيس للمدرسة العليا للصحافة بباريس أنا حريص على تقديم منح دراسية لعدة طلاب من دول تعيش أزمات خاصة من فلسطين ، حيث دعوت سفيرة فلسطين بفرنسا سنة 2008 وقدمت لها هذا الإمتياز للطلبة المحتاجين للدراسة بفرنسا ، بما أني نصير للقضية الفلسطينية ولكل القضايا العادلة .
بعد ذلك ساهمت في إنشاء دار نشر بالمغرب متخصصة في إصدارات تاريخية حيث بدأت أحقق حلم الطفولة في الكتابة والنشر وأصدرت كتب عن تاريخ المغرب ، وما لفتني أني وجدت المغاربة متعطشين لتاريخ بلدهم وخاصة السياسي من القديم إلى الحديث .. ومنذ ذلك الوقت أصدرت ستة كتب عن تاريخ المغرب العربي منهم عدة إصدارات عن المغرب وإصدار عن الجزائر وهو كتاب عن خيال التجسس بعنوان oriental -Express صدر في ديسمبر الماضي .
“جيوم جوبان : أحب العالم العربي بحضارته وتراثه وأعشق دول المغرب العربي
التي هي مصدر إلهامي في الكتابة عن التاريخ العربي“
- بوصفكم رئيس الجامعة ، كيف جائتكم الفكرة لتأسيس القسم العربي بجامعة ESJ للدراسة عن بعد مخصص لفئة معينة من الطلبة ( الذين لم يتمكنوا سابقا من إتمام دراساتهم العليا ) ؟ وماهو الهدف من ذلك ؟
أسست هذا البرنامج بالعربي تلبية لرغبة الطلاب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( Mena ) حيث لا يوجد أي برنامج جدي في هذا الإختصاص، والذين يتطلعون إلى برنامج مستقل عن الحكومات والجامعات .
هدفنا جدي وهو تقديم برنامج أكاديمي في الصحافة والتواصل والعلاقات الدولية لكل الناطقين باللغة العربية من كل الدول ، وخاصة منح الفرصة لكل من لم يتمكن من مواصلة تعليمه ، لظروف ما، للحصول على شهادة الماجستير ومواصلة تعليمهم في إطار أكاديمي متطور ومهني .. وهو إبتكار دولي بمعايير علمية وبأسعار مناسبة ، كما أن البرنامج العربي هو نفس البرنامج الذي يدرس باللغة الفرنسية بالجامعة وهو يتمحور حول مناهج فريدة ومتميزة يقدمها أساتذة متعاونون أكفاء من أكبر الجامعات العربية .
لكم فروع في كل من تونس والمغرب باللغة الفرنسية ، لماذا لم تعتمدون كذلك البرنامج العربي في هذه البلدان العربية ؟ نعم لنا عدة فروع في المغرب وتونس وأيضاً تم توقيع مؤخرا إتفاقيات تعاون مع جامعات كبيرة ومعروفة بالجزائر ولبنان في إنتظار إعتمادها ، وبالتالي سنقدم في هذه الدول الفرنكوفونية برنامج الصحافة والتواصل باللغة العربية إلى جانب التدريس باللغة الفرنسية .. أيضاً لنا برنامج باللغتين العربية والفرنسية في دول الخليج سنعلن عنه في هذا العام 2023 .
- تنتهجون في سياق سياسة المدرسة عدم التطرق للدين والسياسة كقانون أساسي .. بالنسبة للدين هذا منطقي بما أن المدرسة فرنسية تخضع لقانون الدولة الفرنسية وهي دولة علمانية ، لكن بالنسبة للسياسة كيف لا يمكن إبداء الرأي في سياق مقررات دراسية التي كلها تتعلق بالسياسة ؟؟
أسمحي لي أن أصحح فهمكم .. نحن لا ننتهج العلمانية لكن نحن نفرض قانون أساسي بعدم التطرق للدين والسياسة لتجنب الدخول في الجدال والخلافات الفكرية والإيديولوجية، وفي هذا الأطار نوفر الدراسة في ظروف سلمية طيبة للحفاظ على التعايش السلمي ، خاصة أنه يوجد لدينا طلاب من 25 دولة من بينها دول تعيش حروب وأزمات مثل سوريا والعراق واليمن بحيث الجميع يختلف عن الآخر من كل النواحي .. وأيضا يوجد لدينا طلاب من مختلف الأطياف والأعراق، هناك مسلمون سنة وشيعة ومسيحيين وعدة مذاهب مثل المذهب المالكي والحنفي وغيرهم ، وبالتالي نفرض هذه القيم لكي نوفر بيئة سليمة للتوافق والإلتزام .
وفي هذا الإطار نحن متشددون ونطالب جميع الطلبة إحترام الأديان والفكر والرأي الآخر من أجل تنظيم بيئة سليمة للدراسة بعلاقات جيدة وبعيدا عن الإختلافات السياسية والدينية والخلافات الفكرية .
ماهي الصعوبات التي واجهتكم بعد 7 مجموعات درست ماجستير إعلام ومجموعة ماجستير علاقات دولية بالعربي .. وخاصة بعد تغيير الإدارة ؟ بدأت مع فريق عملي التجهيز لبرنامج ماجستير الإعلام منذ 2019 الذي تم تأسيسه في فبراير 2021 .. كان عملا أكاديميا ضخما شارك فيه أساتذة مهنيين وشركاء في البرنامج .. اليوم وصلنا إلى 7 مجموعات بمجموع 200 طالب من عدة دول عربية تخرجوا بشهادة الماجستير في الإعلام على إمتداد دراسة سنتين تخللها محاضرات ووظائف وتقييم سنوي .
وبعد سنتين قررنا إعادة النظر في بعض المسائل الجوهرية الهامة لكي نحافظ على المصداقية والإلتزام وقررنا تغيير الإدارة التي تتكون من السيد ابراهيم بن جلون وهو مغربي ، وأيضاً السيدة أميرة فرحاني وهي تونسية ، والسيدة سناء بن حامد وهي مغربية والسيد علي قربوسي وهو تونسي .
- كيف يتم التعريف بهذا البرنامج والتسويق له خاصة لدى النخبة العربية ، وماهي آفاق المستقبل ؟
طبعا أعددنا إستراتيجية عمل وخطة ترويجية ضخمة للتعريف ببرنامج الماجستير بالعربي “عن بعد” ، خاصة في الدول التي يعيش فيها العرب مثل بريطانيا وألمانيا وتركيا ، وقد شرع السيد إبراهيم بن جلون مع طاقم عمل للتواصل مع معظم السفارات بباريس وأيضا لدى كل النقابات الصحافية والمنظمات الدولية .. أيضاً أسسنا في القسم الفرنسي بالحضور بباريس ماجستير مفتوح لكل دول Mena في سياق برنامج التغيرات الجيوسياسية مخصص للتعريف بالعالم العربي لدى الفرنسيين وأيضاً موجه لكل الأجيال العربية الناشئة في المهجر بأوروبا .
إلى جانب الإعلام هناك إختصاص العلاقات الدولية .. هل مدة الدراسة المعتمدة عاما واحدة ، بمعدل ساعتين أسبوعيا ، تكون مفيدة لدراسة مقرر دراسي مهم يشكل النظام الدولي ؟؟ إعتمدنا مقرر دراسي لمدة سنتين لماجستير الصحافة والتواصل والعلاقات الدولية للطلاب الذين لم يلتحقوا بعد بالعمل المهني ، وفي السنة الثانية قدمنا للطالب ثلاث خيارات في هذه المقررات يعني يختار مقرر واحد كتخصص لمدة ساعتين أسبوعيا تكون كافية للمحاضرات .. وبالتالي يبذل الطالب عمل وجهد فردي في البحوث وإنتاج البرامج بمهنية ، وهذا يتطلب عمل طويل ومكثف لمدة 8 إلى 10 ساعات يوميا ، لذلك تعتبر السنة الثانية تقريبا تطبيقية .
“لأنني نصير القضية الفلسطينية وكل القضايا العادلة
قدمت عدة منح دراسية لطلاب بفلسطين وبدول تعيش حروبا ونزاعات”
- ماهي معايير إختيار الأساتذة المحاضرين ، وهل تقنية الجيتسي Jetssy التي تعتمدونها كانت مناسبة ؟
حتما إختيار الأساتذة المحاضرين يتم وفق معايير رفيعة مثل ما يقال نختار ” لآلى نادرة “، طبعا يتوجب إتقان العربية
الفصحى وأصحاب مستويات عالية وخبرة في التخصص لتقديم المحاضرات بطريقة علمية وسلسة .. نريد أستاذة لهم شغف بالتعليم ويتقاسمون هذا الشغف مع الطلبة .. نحن فتحنا المجال لكل من تتوفر فيه الشروط المهنية من المغرب إلى طهران مرورا بالسودان والعراق …
للعلم كل المقررات الدراسية والتنسيق مع الأساتذة تشرف عليهم الصحفية إلهام مجاهد .
بالنسبة للتقنيات التي إعتمدناها للدراسة عن بعد كانت متعددة للوصول إلى أفضل وسيلة تعليم ، من بينها تقنية “الجيتسي” التي عملنا بها والتي كانت موفقة ..الآن يتولى مديرنا الفني الصحفي التونسي علي القربوسي ، وهو خريج المدرسة العليا للصحافة، العمل على إختيار أفضل تقنية لإعتمادها للسنة الدراسية القادمة .
بالنسبة للشهادة لاحظنا أنه يتم إعتماد في بعض الحالات برنامج VAE الذي يتطلب سنوات مهنية وخبرة ، والذي أصبح معتمدا بأوروبا وخاصة بفرنسا لو نتحدث عن ذلك ؟ يتم إعتماد نظام يسمى VAE في بعض الحالات ، يعني المعادلة لمنح الشهادة وهذا يسمى “بالماجستير المهني” الذي يمنح لكل من تتوفر فيه شروط الخبرة المهنية في ذات المجال والتي تفوق الخمسة سنوات، لكن خيارنا لهذا التقييم هو ضئيل وفي المقابل نحن نقوم بمعادلة كل شهادات جامعية سابقة مثل البكالوريوس للسماح للطالب الإلتحاق ببرنامج الماجستير بالعربي .. وفي هذا السياق لنا نوعان من الطلبة وهم طلبة مهنيين يعني يعملون في مجال الإعلام وطلبة مبتدئون يسعون لتعلم أساسيات المهنة ويخططون للعمل في هذا المجال .
- لاحظنا توقيعكم لعدة إتفاقيات تعاون مع عدة جامعات في الوطن العربي .. لو نتعرف عن ذلك ؟؟
نعم وقعنا إتفاقيات تعاون مع بعض جامعات عربية معروفة ، أهمها مع جامعات معروفة بفلسطين والأردن ولبنان والعراق ، لكن هذه الشراكات بطيئة نظرا للظروف السائدة وسيتولى الأستاذ ابراهيم بن جلون المدير الحالي ، وهو صحفي ومدير سابق في قناة Medi 1 بطنجة بالمغرب ، العمل على تطويرها …
كما نعمل على تطوير الشراكة مع النقابات الصحفية والمنظمات المهنية كما سبق لنا مع تونس وسوريا وفلسطين وتركيا (بالنسبة للناطقين باللغة العربية ).
- الإعلام كسلطة رابعة .. بالنسبة لكم هل أدى وظيفته ، في ظل الفوضى الرقمية ، التي تتطلب المصداقية والأمانة والإلتزام بمعايير المهنة وميثاق الشرف ؟؟ وكيف يمكن تطبيقها في جامعة ESJ بباريس التي تعتبر من أقدم وأعرق الجامعات للإعلام في أوروبا ؟
مصداقية الإعلام ،الذي يعتبر السلطة الرابعة ، أصبحت في تراجع خاصة بالدول العربية لعدة إعتبارات وعوامل .. وفي هذا
السياق نحن ملتزمون في المدرسة العليا للصحافة بمعايير المهنية التي تجعل من الصحفي صوت صادق ومستقل ومصدر للمعلومة الصحيحة والدقيقة وذات مصداقية .
الإعلام التقليدي مازال يناضل من أجل مواكبة التحول الرقمي والإنتقال إلى المنصات الإلكترونية في ظل الفوضى التي تشهدها مواقع التواصل الإجتماعي وصحافة المواطن التي تسوق وتنشر الأخبار الزائفة ، والتي لا تحظى إلى أي رقابة وأصبحت خطيرة على المجتمعات .
- أخيرا كلمة حرة لكم ؟
أختم حديثي بقليل من الفكاهة في ظل هذه الظروف التعيسة التي يمر بها العالم ، حيث قالت لي مرة أستاذة لدينا وهي صحفية جزائرية نبيلة علام حاموش ” أن بعد رحيل الرئيس جاك شيراك لم يعد هناك سياسة عربية بفرنسا ،، فقد أصبحت المدرسة العليا للصحافة هي مركز إستقطاب للسياسة العربية في باريس .”
” Depuis la disparition du président Jaques Chirac , la politique arabe de la France , c’est L’ESJ Paris “
ولأني أعشق العالم العربي أرى أن العرب إبتكروا أجمل صيغ السلام التي يجب أن تكون شعار سلام للإنسانية .. لذلك أقول لكم في الختام :” أترككم بالسلام وإلى لقاء بسلام .. وشكرًا جزيلا لبثينة على هذا الحوار الشيق” .