أكثر من شهرين على الحرب الروسية في أوكرانيا التي غيرت بعض المفاهيم الدولية .. لن أتحدث عن من ربح ومن خسر لأن الحرب بمفهومها العسكري لا يوجد فيها رابح ، هي حرب بكل أركانها المدمرة والتي تغيب فيها كل القيم الإنسانية والمعاهدات والإتفاقيات الدولية .. حتما لست من دعاة الحروب لكنني سأتحدث عن النفاق الدولي الذي شهدناه خلال هذه الحرب …
يوميًا تكشف تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية مدى تورط القوى الدولية بالنفاق السياسي وإزدواجية المعايير إزاء الصراعات الدولية والحروب الإقليمية، وقضايا الإحتلال الأخرى والصراعات في العالم.. فمفهوم الحرب والسلم يتغير حسب مصالح القوى العظمى …
فقد فضحت الأزمة الأوكرانية إزدواجية المعايير والقيم التي تستخدمها الدول العظمى في سياساتها الخارجية، خصوصاً من قبل الدول الغربية حول أهمية إلتزام الدول قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ودفاعها في علاقاتها الخارجية وأهمية تبني الدول النظام الديمقراطي ، ولكن تلك المبادئ والقيم في واقع الأمر تجعل تلك الدول تتغاضى عنها حين تتطلب مصالحها الجيوسياسية والإقتصادية …
ومنذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تتجه أنظار جميع دول العالم إلى حيث البقعة المشتعلة بالأحداث ودوي المدافع وطلقات الرصاص، والتي بات لها تأثيرا كبيرا وإرتدادات على معظم دول العالم على مختلف الأصعدة.. تلك الحرب التي كشفت الكثير من الحقائق والخفايا وأظهرت الوجه الحقيقي القبيح لهذا الغرب الديمقراطي ، ومن أهم تلك الحقائق أن الغرب يطبق معايير مزدوجة ويتعامل مع الشعوب بتحيز وعنصرية ويكيل بمكيالين في التعامل مع أي أزمة وفق مصلحته فقط، فقوة المبادئ تتجلى في تطبيقها على الجميع دون تمييز، والغرب يضعف تلك المبادئ عندما يطبقها بشكل متحيز طبقا لمصالحه.
وقد شهد شاهد من أهلها، فقد كتب الصحفي والكاتب البريطاني المعروف بيتر أوبورن مقالًا قال فيه إن الغرب إندفع لمساعدة أوكرانيا ضد روسيا، لكن لم تكن لديه رحمة على فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وميانمار … وغيرها من بقاع العالم التي شهدت النزاعات والحروب الدامية ووصف الكاتب الغرب بالنفاق، فإدانة حرب روسيا على أوكرانيا من الغرب تتطلب في الوقت نفسه إدانة كل أشكال العدوان على الشعوب ورفض إنتهاك حقوقها في الحرية والديمقراطية وحق العيش بسلام ، وقد لاحظ الرئيس الروسي بوتين ذلك النفاق الغربي وإستغله في الهجوم على الغرب وعلى وسائل الإعلام الغربية، فقال إن الغرب يهتم بالأوكرانيين لأنهم ذو بشرة بيضاء، مشيرًا إلى تعليق قناة “سي بي إس”الأميركية بأن أوكرانيا دولة أوروبية متحضرة ليست مثل العراق وسوريا…!!!!!!
وما يؤكد تحيز الغرب وتعاملهم بعنصرية، ما فعلته الدبلوماسية السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سابقًا سامانثا باور، حينما ذهبت لتوزيع المعونات الأميركية على اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا من الحرب إلى الحدود البولندية، حيث قالت إنهم يشبهوننا وهذا ما يسبب لنا صدمة، فالحرب لم تعد تستهدف الشعوب البعيدة الفقيرة، مع العلم أن “سامنثا باور”حينما كانت تعمل سفيرة بالأمم المتحدة كان بإمكانها المساعدة في وقف الحروب في عدة دول، لكنها لم تعبر عن أي تعاطف مع شعوب بائسة لا تعتبرهم من ملتها ولا من لونها كما عبرت …
حتما أن إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين لدى الغرب معروفًا تاريخيا ويعتبر من الأمور”الكلاسيكية”وليس جديدًا عليهم ولا يدعو للتعجب، والأمثلة على ذلك كثيرة والتاريخ حافل بمثل هذه المواقف، وليس هناك أي عجب من أن يدعي الغرب أمورًا ويدعو إليها في الوقت الذي لا يطبقها على نفسه ويخالفها في شتى المواقف …
ومن أمثلة إزدواجية المعايير لدى الغرب عبر التاريخ وتعاملهم بهذا “النفاق الغربي”موقفهم الغير عادل خلال إحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وقيام الكيان الصهيوني على أرض مغتصبة، أيضاً خلال الغزو الأمريكي لكلًا من أفغانستان وللعراق، وتدخل “الناتو” في ليبيا وسوريا ودخول القوات الأجنبية لأراضيهم ، وطبعا فكرة “الدهس” على القانون والأعراف الدولية يتبعها الغرب منذ قديم الأزل ، وأن عدم الإنصياع لأحكام القانون الدولي يتجلى بوضوح مثلا في القضية الفلسطينية، حيث يضرب الغرب عرض الحائط بكل مقررات الشرعية الدولية .. فالغرب ليس لديه مكيال واحد بل يتبع مكاييل كثيرة حسب المصلحة، وفكرة وجود خمسة دول كبار فقط لهم حق النقض”الفيتو” هي أيضًا ضد مبدأ المساواة وضد الديمقراطية والعدالة، خاصة أن تلك الدول الخمسة الكبار متخصصين في خرق ميثاق الأمم المتحدة، والقانون لا يطبق إلا على الضعفاء والدول الفقيرة .
حتما الدول العظمى لا تتحدث عن الشرعية والمساواة إلا حينما تتعارض المواقف مع مصالحها، وما نراه اليوم في الأزمة الأوكرانية الروسية من إزدواجية في المواقف أدى إلى عدم تعاطف رجل الشارع العادي مع “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية التي تقود هذا التحالف، بل بالعكس نجده مؤيدا لوجهة نظر روسيا، رغم عدم شرعيتها، ولسان حاله يتمنى أن يتجرع الغرب مرارة نفس الكأس، وبالمطلق كشفت تلك الأزمة كذب إدعاءات الغرب حول حرية التعبير والرأي وحرية الإعلام بعد أن أخرسوا وسائل الإعلام الروسية، وهو ما يؤكد أنهم كاذبون ولا يعترفون بالديمقراطية طالما تعارضت مع مصالحهم ، مما يؤكد عدم تطبيق القانون إلا على الضعفاء فقط، أيضًا فكرة إستخدام “المرتزقة” وتسليح أوكرانيا يعد خرقًا للقانون الدولي العام و”دهسًا” وتدخلا في شؤونها الداخلية ، وجعلوها شرعية واقعية.. وهذا يكذب إدعاءات الغرب بالحيادية أو إلتزام القانون، وفضح دور مجلس الأمن الذي فقد مصداقيته ودوره في إحلال السلم والسلام .. لذلك من الغباء ومن المضحك المبكي أن نصدق أن الأمم المتحدة مازالت هيئة أممية لها ميثاق وأن هُناك ما يسمى قانون دولي عادل وضامن .. هذا عالم يموت ضعيف الحال فيه والبقاء للأقوى ومن يملك القوة يكسب الشرعية ، وعلى الدنيا السلام !!!!!