الوزير السابق وديع نمر الخازن مفكر وسياسي لبناني بارز من عائلة مسيحية مارونية عريقة، يتولى رئاسة المجلس الماروني العام، وشغل منصب وزير السياحة في حكومة عمر كرامي عام 2005، يتبنى خط فلسفي وسياسي مبني على الثبات على السيادة الوطنية واحترام التعددية اللبنانية.
يُعرف بكونه مرجعاً للمسيحيين اللبنانيين، وله دور كبير في الدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في المحافل السياسية، ويحظى باحترام واسع بين مختلف الأطراف اللبنانية لمواقفه الوطنية المعتدلة وحكمته السياسية .
ساهم في تعزيز التعليم والثقافة والرياضة من أجل بناء مجتمع مستقر، وحمل شعار ” العمل من أجل لبنان أولا” بعيدا عن كل المصالح الخارجية والأجندات الدولية ، ويعمل من أجل التوافق الوطني بلبنان .
تشرفنا بلقائه لإجراء حوارا شاملا، نسلط الضوء من خلاله على سيرة ومسيرة رجل من رجالات لبنان الوطنيين المميزين ، حيث الهوية والإنتماء إلى الأرض والوطن جزء من حياته …
- لنبدأ الحديث عن نشأتكم ومسيرتكم الشخصية .. كيف أثرت البيئة العائلية على تكوينكم الشخصي والقيمي؟
ولدت في 14 آب 1945 في بلدة بعبدات، في أسرة عريقة ذات جذور وطنية ومسيحية ، في فترة حرجة من تاريخ لبنان، بعد أيام قليلة من استقلاله.. عائلة جمعت بين العراقة التاريخية والالتزام الوطني والمسيحي. والدي، الشيخ نمر نجيب الخازن، كان نموذجًا للقائد المسؤول، حيث كان يزرع فينا منذ الصغر قيم الوطنية، الصدق، الانتماء للمجتمع، والالتزام بالمبادئ. أما والدتي، الشيخة لولو شهيد فضول، فقد كانت نموذجًا للرعاية الاجتماعية والحس الأخلاقي، فقد علمتنا أهمية الاحترام، الرحمة، والوعي بالمسؤولية تجاه الآخرين.
هذا المزج بين التربية الأسرية الصارمة والمرونة الاجتماعية علمنا أن نكون متوازنين بين الالتزام بالقيم والانفتاح على المحيط.
فمنذ الصغر، كنت أشعر أن الأسرة ليست مجرد مأوى، بل مدرسة تعلّم الصبر، التحمل، وحكمة المراقبة، وهي الصفات التي شكلت لاحقًا شخصيتي السياسية والاجتماعية.
كما أن البيئة الريفية لعبت دورًا في صقل شخصيتي؛ فقد كان الوعي بالهوية والانتماء إلى الأرض والوطن جزءًا من كل نشاط عائلي، من الاحتفالات الدينية إلى المناسبات الاجتماعية.. وكان هذا الوعي يزرع فينا إحساسًا بالمسؤولية تجاه لبنان بأسره، وليس فقط تجاه مجتمعنا المحلي.
- تنقلتم بين مدارس الفرنسيسكان، اليسوعية، ومعهد فرير في الجميزة.. كيف شكلت هذه المدارس شخصيتكم؟
مدرسة الفرنسيسكان علمتني الانضباط وروح المسؤولية منذ الصغر.. كنت أتعلم أن لكل فعل أثر، وأن احترام الآخرين يبدأ من احترام الذات، وهذه المبادئ أصبحت أساسًا في تكويني الشخصي.
اليسوعية فتحت أمامي آفاق الفكر النقدي والتحليل المنطقي، حيث شجعتنا على التساؤل، البحث عن الحقائق، وعدم الاكتفاء بالمظاهر.. هذه المدرسة زرعت في نفسي القدرة على قراءة الواقع السياسي والاجتماعي بدقة، وتحليل الأحداث بموضوعية، وهي مهارة لازمتني طوال حياتي السياسية.
معهد فرير الجميزة كان له دور مهم في صقل مهاراتي الاجتماعية والتواصلية، حيث تفاعلنا مع طلاب من خلفيات مختلفة، وشاركنا في أنشطة متعددة تتطلب العمل الجماعي، التعاون، وحل النزاعات.. هذه التجربة المبكرة في العمل الجماعي أعدتني لاحقًا على كيفية التعامل مع المشهد السياسي اللبناني المعقد، حيث تتقاطع المصالح وتتصادم وجهات النظر باستمرار.
“الوزير السابق وديع الخازن : شخصيًا، لا أبحث عن الترشح للرئاسية بلبنان من أجل السلطة.. ولكن إذا توفرت الظروف الوطنية والتوافق السياسي سأدرس إمكانية الترشح”

- التحقتم بجامعة جورج واشنطن عام 1964 وتخرجتم عام 1968 بشهادة الماجستير في إدارة الأعمال.. كيف كانت الظروف في ذلك الزمن بالنسبة للطالب اللبناني؟
الدراسة في الولايات المتحدة خلال الستينات كانت تجربة فريدة ومعقدة في الوقت نفسه.. تلك الفترة كانت مليئة بالتحولات الاجتماعية والسياسية، حيث كان المجتمع الأمريكي يشهد حركات احتجاجية واسعة، كالحركة المدنية لمناهضة التمييز العنصري، وتوسع النقاشات حول الحرية الفردية والسياسة الدولية.. كطالب لبناني، كان عليّ أن أوازن بين هويتي الثقافية اللبنانية والانفتاح على الأفكار الأمريكية الحديثة.
جامعة جورج واشنطن زودتني بمعرفة أكاديمية متقدمة في إدارة الأعمال، وشجعتني على تطوير قدرات استراتيجية وتحليلية، وهو ما كان مهمًا لاحقًا عند العودة إلى لبنان وإدارة العمل السياسي والمؤسسي.
أكثر من ذلك، ساعدتني تلك الفترة على بناء شبكة علاقات دولية وفهم أفضل للسياسات الاقتصادية والإدارية، مع تعزيز القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة.
تجربة الدراسة في الخارج أكسبتني أيضًا صفة المرونة، والقدرة على التكيف مع ظروف غير مألوفة، وهو أمر أساسي في السياسة، حيث الظروف تتغير بسرعة وتتطلب القدرة على التكيف واتخاذ القرارات في وقتها المناسب.
“ترعرت في أسرة عريقة ذات جذور وطنية ومسيحية .. جمعت بين العراقة التاريخية والالتزام الوطني”

- كانت لكم أنشطة رياضية، حيث ترأستم نادي الراسينغ الرياضي اللبناني عام 1969.. ماهي الأهداف التي سعيتم لتحقيقها؟
الرياضة كانت بالنسبة لي أكثر من نشاط بدني؛ كانت مدرسة للقيم والتنشئة الصحيحة .. الهدف من ترؤسي لنادي الراسينغ لم يكن فقط تعزيز المنافسة الرياضية، بل بناء مجتمع شاب يتميز بالانضباط، العمل الجماعي، وتحمل المسؤولية.
فقد أعدت تنظيم النادي على أسس حديثة وطورت البنية التحتية، وعملت على تشجيع الشباب على المشاركة في جميع الأنشطة، مع التركيز على القيم الإنسانية، الصداقة، والتعاون.
من خلال مجال الرياضة، كنت أؤمن بإمكانية بناء جيل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية، سواء في الحياة المدنية أو في السياسة، مع الحفاظ على الروح الوطنية والانتماء للوطن.
- لنتحدث عن بداية انخراطكم السياسي، حيث انضممتم إلى الكتلة الوطنية اللبنانية عام 1968، في فترة غلب عليها الغموض السياسي.. ما الذي جذبكم لهذا الحزب؟
اختياري للكتلة الوطنية كان نابعًا من قناعة عميقة بقيم الحزب ورؤيته الوطنية.. كنت أبحث عن إطار سياسي يتيح لي العمل من أجل لبنان بطريقة منظمة، بعيدًا عن التجاذبات الضيقة، ولديه رؤية واضحة للسيادة الوطنية، حماية الحقوق، وتعزيز الاستقرار الداخلي.
الانضمام للحزب في تلك المرحلة لم يكن مجرد انتماء حزبي، بل كان خيارًا مبنيًا على التزام بالمبادئ الوطنية. خلال الحرب اللبنانية، اكتسبت خبرة كبيرة في إدارة النزاعات، التعامل مع الضغوط، وصياغة حلول وسط، وهو ما ساعدني لاحقًا في العمل كمستقل بعد استقالتي من اللجنة التنفيذية للحزب عام 1996، دون أن أفقد العلاقة الجيدة مع قيادات الحزب أو المساهمة في مسيرة الحزب بالطرق الممكنة.
“تخرجت من جامعة جورج واشنطن عام 1968 بشهادة الماجستير في إدارة الأعمال، التي زودتني بمعرفة أكاديمية متقدمة في إدارة الأعمال ومنحتني الفرصة من بناء شبكة علاقات دولية”

- كيف عايشتم الحرب اللبنانية .. وكيف كانت تداعياتها على السياسة والمجتمع؟
الحرب اللبنانية كانت اختبارًا حقيقيًا للثبات على المبادئ.. الكتلة الوطنية رفضت الانخراط في النزاعات المسلحة المباشرة، لكن الحرب أثرت على الجميع.
تعلمت أن الصبر والحكمة في قراءة الأحداث هما السبيل للحفاظ على وحدة الوطن، وأن التضحية أحيانًا ضرورية لحماية لبنان وسلامة أراضيه.
المسألة الأهم كانت كيفية الحفاظ على التوازن بين المبادئ الوطنية والضرورات العملية، خاصة أن بعض القرارات كانت قد تؤثر على حياة المواطنين والمجتمع.. أدركت أن الحلول الوسط والتواصل المستمر مع المرجعيات السياسية والدينية أمر ضروري لتجنب الانهيار الكامل للمؤسسات الوطنية، ولضمان استمرار الحياة المدنية رغم الحرب.
- تم تعيينكم وزيرًا للسياحة عام 2005 في حكومة الرئيس عمر كرامي بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري.. كيف كانت التحديات، وما أبرز الإنجازات؟
تولي حقيبة السياحة جاء في فترة حرجة للغاية بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، الذي ترك فراغًا سياسيًا وأزمة ثقة عميقة بين اللبنانيين والدولة.. كان التحدي الأكبر هو إعادة الثقة بالمؤسسات العامة، وتحفيز القطاع السياحي الذي عانى سنوات الحرب والاضطرابات، وأصبح بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة استقطاب السياح الداخليين والخارجيين.
ركزنا على عدة محاور: تطوير البنية التحتية للقطاع السياحي، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتنشيط الثقافة اللبنانية والفنون كمكون أساسي لجذب السياح.. كما سعينا لإعادة دمج المناطق اللبنانية كافة في خارطة السياحة، بما فيها المناطق التي عانت التهميش بسبب الحرب، مؤكدين أن لبنان بلد واحد لا يُقسَّم.
لقد عملت على تعزيز التفاعل بين القطاع العام والخاص، وبناء شراكات استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني. كما كانت هناك جهود لإعادة إحياء الفعاليات الثقافية، والمعارض، والمهرجانات التي تعكس تراث لبنان الغني وتاريخه المتنوع، إذ كان الهدف ليس السياحة فقط، بل تعزيز الهوية الوطنية وروح الانتماء.
“انضمامي للكتلة الوطنية كان نابعًا من قناعة عميقة بقيم الحزب ورؤيته الوطنية .. رفضنا الانخراط في النزاعات المسلحة المباشرة خلال الحرب اللبنانية ، لكن الحرب أثرت على الجميع”

- تم انتخابكم رئيسًا للمجلس العام الماروني عام 2006.. ماهو الدور الأساسي للمجلس، وكيف ساهمتم في توحيد الصف المسيحي؟
المجلس العام الماروني هو الهيئة التي تمثل الطائفة المارونية على مستوى لبنان والعالم، ويسعى إلى تعزيز الوحدة، التواصل، والدفاع عن المصالح الوطنية للطائفة.
عند انتخابي رئيسًا للمجلس، ركزنا على عدة محاور أساسية:
توحيد الصف المسيحي: كان هدفنا الأساسي معالجة الانقسامات الداخلية وإعادة الثقة بين مختلف مكونات الطائفة، بحيث تصبح المارونية قوة فاعلة ومؤثرة في الحياة الوطنية والسياسية.
دعم المجتمع الماروني المنتشر: التواصل مع الانتشار اللبناني كان من الأولويات، لضمان بقاء الهوية والثقافة اللبنانية حية في الخارج.
برامج عصرية للشباب والمجتمع المدني: تطوير مبادرات تعليمية وثقافية واجتماعية تدعم التماسك الاجتماعي، وتحافظ على الهوية الوطنية والمسيحية.
الحوار مع الأطراف السياسية والدينية: عملت على بناء قنوات تواصل مع مختلف المرجعيات السياسية والدينية، لتعزيز الوحدة الوطنية وتجنب الصراعات الداخلية.
من خلال هذه الخطوات، أصبح المجلس العام الماروني ليس مجرد هيئة استشارية، بل عنصرًا فاعلًا في صياغة السياسة الوطنية وتوجيه المجتمع الماروني نحو التوازن والاستقرار، مع التأكيد على دور المارونية في الحياة العامة اللبنانية.
- ماهي المبادئ الفكرية والسياسية التي شكلت محور عملكم السياسي والفكري؟
الخط الفلسفي والسياسي الذي تبنيته مبني على الثبات على السيادة الوطنية واحترام التعددية اللبنانية، والحوار المستمر بين جميع الأطراف..فقد ركزت على عدة قيم أساسية:
التمسك بالمبادئ الوطنية: حماية سيادة لبنان، والدفاع عن حقوق جميع المواطنين، والتأكيد على أن أي حل يجب أن يكون لبنانيًا أولًا.
المرونة في التفاوض: القدرة على التكيف مع الأحداث دون التنازل عن المبادئ، وتدوير الزوايا السياسية بحكمة لتجنب التصعيد الداخلي.
تطوير المجتمع المدني: العمل على تعزيز التعليم، الثقافة، والرياضة، باعتبارها عناصر أساسية في بناء مجتمع مستقر ومتوازن.
الاستقلالية الفكرية: رفض الانحياز لمصالح خارجية، والعمل دائمًا لصالح لبنان والمجتمع اللبناني.
هذه المبادئ شكلت الأساس لكل قرار اتخذته في مسيرتي، سواء في العمل الحزبي أو العام، أو أثناء إدارة المؤسسات، أو في المواقف الوطنية الكبرى، مثل تعييني وزيرًا للسياحة ورئاستي للمجلس العام الماروني.
- كيف تقيّمون زيارة البابا ليون الرابع عشر للبنان.. وماهي الرسائل الداخلية والخارجية لهذه الزيارة؟
زيارة البابا للبنان كانت حدثًا ذا بعدين: روحي وسياسي.
من الناحية الروحية: أعادت الأمل إلى اللبنانيين، وشجعت على التعايش بين الطوائف المختلفة، مؤكدة على أهمية القيم المسيحية، والمحبة، والسلام، كركائز أساسية للحياة الوطنية.
من الناحية السياسية: حملت رسالة واضحة للعالم، مفادها أن لبنان ما زال قادرًا على الصمود، وأن المسيحيين في لبنان يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والسياسي.
توقيت الزيارة كان حساسًا للغاية، بعد سنوات من الأزمات السياسية والاغتيالات، وكانت الرسالة واضحة: لبنان لا يزال مهمًا في السياسة الإقليمية، ويجب دعمه للحفاظ على التوازن في المنطقة.
هذه الزيارة أعادت التركيز على ضرورة الحوار الداخلي، وعلى دور المارونية في الحياة السياسية اللبنانية، وعلى تعزيز الوحدة الوطنية بين جميع المكونات.
“انضمامي للكتلة الوطنية كان نابعًا من قناعة عميقة بقيم الحزب ورؤيته الوطنية .. رفضنا الانخراط في النزاعات المسلحة المباشرة خلال الحرب اللبنانية ، لكن الحرب أثرت على الجميع”

- الأحداث الإقليمية وتأثيرها على لبنان .. كيف أثرت “طوفان الأقصى” وحرب الإسناد التي خاضها حزب الله بغزة على الوضع الداخلي في لبنان؟
الأحداث الإقليمية كان لها تأثير مباشر على الوضع اللبناني، نظرًا لتشابك المصالح والتحالفات.
حرب غزة وأحداث “طوفان الأقصى” وضعت لبنان أمام تحديات كبيرة:
تأثير أمني: زيادة التوتر على الحدود، وتعزيز أهمية الاستعداد العسكري للحفاظ على السيادة.
تأثير سياسي: توترات حول سلاح المقاومة، والضغط على الحكومة للتدخل أو الموقف تجاه الصراعات الإقليمية.
تأثير اجتماعي: خلق توترات بين الفئات المختلفة، مما استدعى ضرورة تعزيز الحوار والتفاهم بين المكونات اللبنانية لتجنب الانقسامات الداخلية.
هذه التجربة أكدت أن لبنان بحاجة إلى مؤسسات قوية، وقدرة على اتخاذ قرارات متوازنة تضمن حماية مصالحه، وعدم الانجرار إلى صراعات إقليمية تهدد الاستقرار الداخلي.
ماهو موقفكم من سلاح حزب، وكيف تقيّمون الدعوات لسحب سلاح حزب الله رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني؟
سلاح حزب الله يمثل عنصرًا رئيسيًا في التوازن العسكري في لبنان، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الأراضي اللبنانية.. أي نقاش حول نزع السلاح يجب أن يأخذ في الاعتبار هذا الواقع، وإلا ستكون القرارات بلا جدوى وطنية حقيقية.
من وجهة نظري، الموقف الوطني يجب أن يحمي السيادة اللبنانية، ويوازن بين علاقات لبنان الدولية والقدرة على الدفاع عن النفس.
وأي محاولة لإزالة هذا التوازن ستؤدي إلى ضعف لبنان أمام تهديدات خارجية، وستزعزع الأمن الداخلي، وتخلق فراغًا يصعب ملؤه.
- تبني حكومة نواف سلام لموضوع سحب السلاح، هل هو في إطار اتفاق الطائف أم نتيجة ضغوط خارجية؟
اتفاق الطائف ينص على أن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة، لكن هذا مشروط بضمان قدرة الدولة على حماية نفسها.. أي خطوة تجاه سلاح حزب الله يجب أن تكون ضمن استراتيجية وطنية شاملة، وليست نتيجة لضغوط خارجية فحسب.
الحكومة تعرضت لضغوط، لكنها مسؤولة أمام اللبنانيين أولًا.. أي قرار أحادي نابع عن ضغوط خارجية سيؤدي إلى توتر داخلي وتعقيدات سياسية لا نهاية لها. على لبنان أن يوازن بين التزامه بالاتفاقيات الدولية وحماية أمنه وسيادته.
- في ظل الانقسامات الفكرية والسياسية العميقة، كيف يمكن تحقيق وفاق وطني مستدام في لبنان؟
تحقيق الوفاق الوطني في لبنان، في ظل الانقسامات الفكرية والطائفية العميقة، يتطلب جهودًا مستمرة وحكيمة على مستويات عدة.
أولا، يجب أن يكون الحوار بين جميع القوى السياسية المبنية على احترام التعددية اللبنانية، وليس مجرد تفاوض تقني.. الحوار يجب أن يكون صريحًا وواضحًا حول القضايا الجوهرية، من الحقوق الدستورية إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يشعر كل طرف بأن مصالحه محفوظة ولا يتم تهميشه.
ثانيًا، يجب تعزيز مؤسسات الدولة بشكل يضمن استقلالية القرار الوطني، وعدم الانجرار وراء مصالح خارجية. لبنان بحاجة إلى آليات واضحة لإدارة الخلافات، سواء عبر البرلمان أو عبر هيئات مستقلة، بحيث تصبح الدولة الضامن للتوازن بين القوى الداخلية.
ثالثًا، يجب اعتماد برامج لإعادة بناء الثقة بين اللبنانيين، خاصة بين المسيحيين والمسلمين، وبين المناطق المختلفة.. هذا يشمل التعليم، الإعلام، والشباب، لضمان أن الأجيال الجديدة تتبنى ثقافة الحوار والوحدة الوطنية.
رابعًا، الإقتصاد عامل أساسي لتحقيق الوفاق الوطني. الأزمات الاقتصادية تزيد الانقسامات، وتضعف قدرة الدولة على حماية حقوق المواطنين.. بناء خطة اقتصادية واضحة ومستدامة يعزز الثقة بين اللبنانيين، ويخفف من الاحتقان السياسي والاجتماعي.
في النهاية، الوفاق الوطني ليس هدفًا يمكن تحقيقه مرة واحدة، بل عملية مستمرة تحتاج إلى إرادة وطنية حقيقية من كل الأطراف، مع وضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبارات حزبية أو طائفية ضيقة.
“سلاح حزب الله يمثل عنصرًا رئيسيًا في التوازن العسكري في لبنان، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الأراضي اللبنانية.. وأي نقاش حول نزع السلاح يجب أن يأخذ في الإعتبار هذا الواقع”

- كيف تقرأون التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، خاصة بعد اغتيالات قادة الصف الأول لحزب الله، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحرب الإسرائيلية على غزة، والصراع مع إيران؟
المنطقة العربية والشرق الأوسط شهدت تغييرات جذرية منذ بداية الألفية، وأكثرها تأثيرًا على لبنان هو التوترات العسكرية والسياسية في محيطه المباشر.
اغتيالات القادة السياسيين والعسكريين أعادت تشكيل التحالفات، وأثرت على استقرار المؤسسات اللبنانية، لأن أي فراغ في القيادة ينعكس مباشرة على قدرة الدولة على اتخاذ القرارات الصعبة.
سوريا كانت دائمًا اللاعب الإقليمي الرئيسي، وسقوط نظام بشار الأسد كان له تداعيات كبيرة على لبنان، خصوصًا في مجالات الهجرة والنزوح، وتأمين الحدود، والعلاقات مع مختلف القوى الإقليمية.
الحرب الإسرائيلية على غزة أعادت تأكيد أن لبنان جزء من المعادلة الإقليمية، وأن أي صراع في فلسطين له انعكاسات مباشرة على لبنان، سواء على صعيد الأمن أو على صعيد العلاقات الطائفية الداخلية.
أما الصراع مع إيران، فقد خلق توترات إضافية في لبنان، بسبب ارتباط حزب الله بالسياسة الإقليمية، وهذا يؤثر بدوره على القدرة اللبنانية على اتخاذ قرارات مستقلة دون ضغوط خارجية.
هذه التحولات الجيوسياسية تؤكد أن لبنان يجب أن يحافظ على استقلالية القرار الوطني، ويكون مستعدًا لإدارة تأثيرات الأزمات الإقليمية، دون أن يفقد توازنه الداخلي أو يقوض مؤسساته.
- بما أنكم تستوفون شروط الترشح كمسيحي ماروني.. هل تفكرون في الترشح للرئاسة بلبنان يومًا ما؟
الرئاسة ليست هدفًا شخصيًا، بل مسؤولية وطنية كبيرة، تفرض القدرة على جمع اللبنانيين وتحقيق التوازن بين القوى السياسية المختلفة.. شخصيًا، لا أبحث عن المنصب من أجل السلطة، ولكن إذا توافرت الظروف الوطنية، وكان هناك توافق واسع حول ضرورة قيادة مستقلة تحفظ سيادة الدولة واستقرارها، سأدرس إمكانية الترشح.
الترشح يجب أن يكون مدفوعًا بمصلحة الوطن العليا، وليس بالمصالح الحزبية أو الشخصية.
الرئيس يجب أن يكون قادرًا على قيادة لبنان في مرحلة صعبة مليئة بالتحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأن يكون مرجعًا موثوقًا لجميع الأطراف، قادرًا على اتخاذ قرارات تحمي الدولة والمواطنين وتعزز الثقة بمؤسساتها.
- لكم اهتمامات أدبية وفكرية من خلال إصدار دراسات ونشر مقالات.. لو نتعرف عن أبرز مساهماتكم في هذا المجال؟
لقد ركزت في كتاباتي ومقالاتي على قضايا لبنانية وعربية مهمة، من بينها:
السياسة اللبنانية: تحليل النظام السياسي، تحديثه بما يتماشى مع تحديات العصر، ودراسة سبل تعزيز الدولة المدنية والمواطنة.
الوضع المسيحي في لبنان: أهمية الحفاظ على الهوية المارونية وتعزيز الحوار بين المكونات اللبنانية المختلفة، وإيجاد حلول للصراعات الطائفية.
القضايا الإقليمية: موقف لبنان من القضية الفلسطينية، الصراعات في سوريا، لبنان وإيران، ودور لبنان في الشرق الأوسط.
التنمية والثقافة: دعم الشباب والمجتمع المدني، تعزيز التعليم والثقافة، ودراسة تأثير السياسة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذه المساهمات الفكرية تهدف إلى تقديم رؤية متوازنة وواقعية، تساعد صناع القرار والمواطنين على فهم الأحداث، واتخاذ خيارات وطنية مدروسة، بعيدًا عن الانفعالات أو الحسابات الضيقة.
حصلتم على عدة أوسمة وجوائز دولية، منها وسام الأرز الوطني اللبناني، وسام جوقة الشرف الفرنسي ، ووسام بابوي رفيع … ماذا تعني لكم هذه التكريمات ؟
حتما كل وسام هو تكريم للجهد الوطني، لكنه يمثل أيضًا مسؤولية إضافية.
وسام الأرز الوطني يعكس تقدير الدولة لمساهماتي في خدمة لبنان والمجتمع، كما أن الوسامين الفرنسيين يعكسان اعترافًا دوليًا بالمستوى الذي وصلت إليه التجربة اللبنانية في خدمة الوطن والمجتمع.
هذه الجوائز تشكل دافعًا للاستمرار في خدمة لبنان والعمل دائمًا بروح المسؤولية، مع التركيز على أن أي إنجاز شخصي يجب أن يُستثمر دائمًا لمصلحة الوطن والمواطنين، وليس للاعتزاز الشخصي.
“أدعو المجتمع الدولي لدعم لبنان وأدعو اللبنانيين جميعًا إلى التمسك بوحدتهم وتعزيز التضامن الوطني والتضحية من أجل مستقبل أفضل”

- بعيدًا عن السياسة، ما هي اهتماماتكم اليومية؟
بعيدًا عن النشاط السياسي، أهتم بالقراءة المكثفة في التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية، فهي تساعدني على تحليل الواقع وفهم الأحداث بعمق.
أحب المشي والتأمل في الطبيعة، وهو يساعدني على التوازن النفسي والذهني.
كما أخصص وقتًا للعائلة، حيث أرى أن دعم الأسرة ومواكبة حياة الأبناء أمر أساسي للحفاظ على استقرار الشخصية.. كذلك أحرص على التواصل مع الأصدقاء والزملاء، خاصة في المجالات الفكرية والثقافية، لأن النقاش البناء يعزز القدرة على التفكير النقدي واتخاذ القرارات الحكيمة.
لبنان أكبر من أزماته، وشعبه قادر على النهوض من أصعب الظروف.. أدعو اللبنانيين جميعًا إلى التمسك بوحدتهم، وتعزيز التضامن الوطني، والعمل بروح المسؤولية والتضحية من أجل مستقبل أفضل.
علينا أن نضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار ضيق، وأن نعمل معًا من أجل مؤسسات قوية، سيادة فعالة، وحماية للتعددية الثقافية والدينية التي تجعل لبنان فريدًا في المنطقة.
كما أدعو المجتمع الدولي إلى دعم لبنان ليس عبر ضغوط أحادية الجانب، بل عبر تشجيع الحوار الداخلي، تعزيز السيادة، ومساعدة الدولة على تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بما يعكس الاحترام الكامل للشعب اللبناني وتاريخه وثقافته.

