عامًا على استيلاء أبو محمد الجولاني على الحكم بسوريا منذ يوم 8 ديسمبر 2024، في عملية سميت ب”ردع العدوان”.. تاريخ مفصلي أسقط مفهوم الشرعية الدولية والمواثيق القانونية من خلال شرعنة الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، وساهم في تغيير جيوسياسي جذري إقليميا كانت له ارتدادات كبيرة في كل المنطقة…
مجموعة مليشاوية انتقلت من معسكرات ادلب إلى القصر الجمهوري بالشام تحمل أيديولوجية سلفية تكفيرية وفكر جهادي يتزعمها قيادي معروف باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني “، الذي كان مدرجا على لائحة الإرهاب ومطلوبا دوليا ، لتتحول إلى سلطة أمر واقع تحكم بدون أي شرعية أو آلية دستورية .. ورغم ذلك تم تزكيتها من القوى الدولية التي قررت تنفيذ المشروع لإسقاط نظام الأسد بعد أربعة عشر عاما من ثورة مزعومة مدعومة من الخارج ، دفعت من أجلها المليارات ..حينها ذهب نظام الأسد في المواجهة من خلال محاربة الارهابيين الذين دخلوا من كل بقاع الأرض للحفاظ على وحدة سوريا ، تحت عناوين وطنية وبدعم من بعض القوى الرديفة التي كانت تحارب على الميدان مع الجيش العربي السوري، ولم تكن الحرب تحت شعارات مذهبية أو طائفية كما فعلت سلطة دمشق بأمرة قائدها الجولاني الذين قاموا بمجازر مروعة في حق الأقليات العرقية بسوريا بالقتل والتنكيل والخطف ، بداية بأحداث الساحل ثم السويداء وأيضا بدمشق الذين راح ضحيتها الآلاف من الطائفة العلوية والدرزية وحتى المسيحيين، تترجم رواية المظلومية السنية سابقا التي استخدمت فيها كل مبررات الانتقام وتحولت إلى برنامج سياسي بدون أي مسار للعدالة الانتقالية.
فقد بررت سلطة الشام التي تقوم على الإقصاء والتمييز كل أنواع التطرف وممارسات العنف ، وسوقت لخطاب فكري جديد يؤدي إلى صراع ديني ومذهبي بعيد عن الحس بالمواطنة والعدالة الاجتماعية ، لتغطي فشلها في إدارة البلاد لأنها ليس لديها أساسا مشروع لبناء الدولة ، وعجزها عن تحقيق الاستقرار والأمان في ظل قوات تتكون من مليشيات إرهابية من المرتزقة الأجانب الذين يحملون عقيدة جهادية من أجل أجندة كلفوا بها .
في غياب مشروع سياسي يتجاوز كل هذه الممارسات وسلطة أمر واقع تعيش على استمرار الانقسام وبدون إطار وطني جامع ، أثبتت فشلها رغم ما منح لها من فرص وتوفر لها من دعم خارجي ووقت كاف لإحداث تغيير حقيقي لصالح البلاد والعباد … ماذا تغير بسوريا؟؟؟
فقد زار الجولاني باريس وأنقرة وموسكو وواشنطن والرياض والدوحة وأبوظبي وتحدث من منبر الأمم المتحدة ، وشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لتغيير المناخ في مدينة بيليم بالبرازيل ، وصفقوا وهللوا له وتصوروا معه وقدمت له الهدايا وتم رشه بعطر ترامب ، لكن بعد كل هذه الزيارات المكوكية ماذا تغير بسوريا وهل نفذ وعوده … ؟؟؟ هل توقف القتل والسحل، هل عاد الموظفون المبعدون إلى مناصبهم ، هل ازدهر الإقتصاد بعدما كانت سورية الدولة الوحيدة التي كان لها اكتفاء ذاتي، هل عادت الخدمات مثل الكهرباء والأساسيات متوفرة للمواطن يوميا ، هل عاد اللاجئون من دول الشتات، هل أصبحت السلطة تسيطر على كل شبر بسوريا … الإجابة بالمطلق لا .. الإنجازات الوحيدة هي احتلال اسرائيل لبعض الأراضي السورية بجبل الشيخ وأصبحت لها قواعد عسكرية ومناطق عازلة بسوريا ، إلى جانب الوجود التركي بالشمال وبقاء الروسي بالساحل والحديث عن إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في قلب الشام، وحل الجيش السوري وتفكيكه وخسارة كل ترسانة الجيش العربي السوري…
سلطة الأمر الواقع ، حيث يستحوذ فيها الجولاني على كل السلطات التنفيذية والتشريعية و القضائية ، لم تنجز أي شيء ، بل ساهمت في تفتيت وتقسيم الأرض والعباد.. تمارس القمع وخطاب الانقسامات وتفسح المجال لصعود المتطرفون وتدفع الأقليات لصراع لا ينتهي وبلد يساق للهاوية والخراب من أجل أن يظلوا يحكموا إلى “يوم القيامة “، مثل ما صرح وزير الثقافة “دمشق لنا حتى يوم القيامة”…
الجولاني لم يكن يوما بمشروع وطني ولم يأت لبناء دولة ولا أن يحمي الأرض ويحرر القدس ويواجه اسرائيل – كما سبق أن صرح – بل هو صناعة استخباراتية غيروا مظهره وألبسوه البدلة وربطة العنق لتنفيذ مشروع وتحقيق أجندة دولية من أجل تقسيم سوريا في سياق فيدراليات طائفية وعرقية لا مركزية .. فمن تدرب على أيادي أجهزة استخبارات أجنبية ومن يجلس على طاولة الأجهزة الدولية لا يعرف معنى السيادة ولا مفهوم الدولة والوطن ، ولا يمكن أن يحمي الأرض والعرض وشرف أمته .. الجولاني فرض من الخارج وهاهو ينفذ ببراغماتية ما يطلب منه…
من يريد أن يعرف الحقيقة ويراها كما هي فليقرأ ما حصل من مجازر منذ أول يوم لاستيلائه على الحكم لا أن يسمعها من المطبلين الجدد الذين أصبحنا نراهم على شاشات بعض المحطات التلفزيونية يتباهون بما ” أنجز” من منطلق طائفي بحت أن الحكم عاد للدولة الأموية بسوريا .. هذا هو بيت القصيد !
وحتما لا يمكن أن تبنى سوريا الجديدة بهذه الممارسات والأحقاد والطائفية وهذه العقلية .. هذه “المنظومة” تفتقر إلى بعد وطني وغير مؤهلة لبناء وإدارة الدولة لأن أغلب أعضاؤها يفتقرون للخبرة والكفاءة والوطنية ، رغم طبيعة التحولات الجذرية الجارية والدعم الخارجي الذي منح لهم بدون قيد وشرط .. الأهم أن الجميع صفق وهلل لسقوط بشار الأسد ، وفي الحقيقة لم يدركوا أن سوريا بتاريخها وحضارتها وسيادتها وأرضها هي التي سقطت ، والإنفجار ، أن وقع ، لن يبقي ولن يذر!





