أول مرة منذ تأسيس موسم أصيلة الثقافي قبل سبع وأربعين سنة غاب عن منصته مؤسّسه الراحل محمد بن عيسى، الذي أدار أحد أبرز المواعيد الثقافية وجمع طيلة عقود مفكرين ورؤساء دول وإستراتيجيين وأكاديميين وإعلاميين وفنانين وأدباء من قارات العالم، مع تركيز على أسئلة إفريقيا والعالم العربي والثقافة والفنون بوصفها جسرا بين الناس والحضارات.
محمد بن عيسى، الذي شغل مناصب مغربيّا وأمميا من بينها مسؤوليته عن وزارة الثقافة ووزارة الخارجية وسفارة المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية، كرم في هذه الدورة حيث افتتحت مؤسسة منتدى أصيلة، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان بالمدينة، دورة موسمها السادسة والأربعين بندوة عنوانها “محمد بن عيسى.. رجل الدولة وأيقونة الثقافة”.
وقد شارك في جلسة تكريمه أسماء بارزة من ثلاث قارات، من بينها رئيس السنغال السابق، ومستشار ملك البحرين، ووزراء ومسؤولون مغاربة حاليون وسابقون، ووزراء خارجية سابقون لدول من بينها إسبانيا، اليمن، كاب فيردي، مصر، السنغال، والبرتغال، حيث أشادوا بدور المرحوم محمد بنعيسى في جعل المنتدى منارة ثقافية فريدة وإشعاع للمدينة .
وبعد تلاوة آيات من القرآن قُرئت في افتتاح الموعد الرسالة الملكية إلى أسرة الراحل محمد بن عيسى، حيث تحدث فيها الملك محمد السادس عن “مسيرة مديدة من العطاء الوطني المثمر سيظل أثره حيا كرجل دولة مقتدر ودبلوماسي محنك، أبان عن كفاءة عالية في مختلف المناصب السامية التي تقلدها ما كان يتحلى به من خصال إنسانية رفيعة، ومن سعة الأفق والفكر وشغف بالثقافة، إذ أخذ على عاتقه همّ الإشعاع الثقافي والفني لمدينة أصيلة، مسقط رأسه، التي سخر نشاطه وجهوده في خدمة تنميتها، وفرض إشعاعها الثقافي والجمالي وطنيا ودوليا، ولاسيما من خلال تأسيسه وتسييره لمؤسسة ‘منتدى أصيلة’، مجسدا بذلك مثالا يحتذى على الأخذ الصادق بمفهوم المواطنة المسؤولة”.
وفي كلمة لحاتم بطيوي، الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، الذي تسلّم مشعل القيادة من مؤسس “الموسم الثقافي” محمد بن عيسى، فتحدث عن “جرح غياب المؤسس والأمين العام”، الذي كانت سمته “الانفتاح، والقلب السليم الذي ليست فيه كراهية للآخر”، مردفا: “يشهد القريب والبعيد أن أصيلة ومنتداها الثقافي كانا معا يشغلان مساحة لا حد لها في وعيه وكيانه وانشغلاته اليومية، تماما بقدر انشغاله بمسؤولياته الوزارية ومهامه الدبلوماسية واهتمامه بقضايا وطنه وأمته العربية، وتفاعله العميق أيضا مع قضايا الإنسانية”.
وفي ظل “هذا الظرف الانتقالي الصعب” ذكر البطيوي أنه “بُذلت جهود مضنية لسد بعض الفراغ الذي خلفه غياب المؤسس، وبتلاحم الأعضاء وتضامن المثقفين، ودعم كامل من مؤسسات وطننا”، تنظم الدورة الجديدة التي تشارك فيها 350 شخصية من عوالم الفكر والفن والدبلوماسية والإبداع؛ ما يعني أن “مدرسة محمد بن عيسى أثمرت خيرا بأصيلة، وتستمر مساهمتها الفعالة في الإشعاع الثقافي للمملكة”.