لا يزال حلم الفوز بجائزة نوبل للسلام يراود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الحلم الذي يسعى لتحقيقه بشغف لا يقل عن سعيه خلال السنوات الماضية للعودة إلى البيت الأبيض رئيسًا لولاية ثانية خاض من أجلها سباق الانتخابات.
ولكن الطريق إلى نوبل ليس سهلًا، وليس مفروشًا بالورود، خاصة في ظل المنافسة الشرسة والتحولات الجيوسياسية المعقدة.
لم يخف دونالد ترامب طموحاته في الحصول على جائزة نوبل للسلام ويذكر دائما أنه يستحقها، ويدعي أنه أنهى ”سبع “حروب وصراعات نجح في حلها منذ بداية ولايته الثانية .. بدءًا من الحرب بين إيران وإسرائيل، إلى باكستان والهند، وأيضًا كمبوديا وتايلاند ، وأذربيجان وأرمينيا، وروندا وجمهورية الكونجو الديمقراطية ،وصربيا وكوسوفو، والنزاع بين مصر وأثيوبيا، وأشار أيضًا إلى جهوده لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية كسبب لحصوله على الجائزة.
حتما لا يخفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب هوسه بالفوز بجائزة نوبل للسلام لأسباب كثيرة قد يعود أبرزها إلى تعطّشه لنيل مكانة عالمية ، ويريد أن ينهي ولايته الثانية بهذا الاستحقاق أسوة برؤساء سابقين أمريكيين، تيودور روزفلت وودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما، وأن سعيه الحثيث للحصول على الجائزة ينبع من تأثره بجائزة نوبل التي حصل عليها الرئيس الأميركي السابق ثيودور روزفلت (1901-1909)، المعروضة في البيت الأبيض، تقديرا لإنهائه الحرب الروسية اليابانية عام 1905.
وقد “حان الوقت كي ينال دونالد ترامب نوبل السلام”، حسب ما قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت في 31 يوليو الماضي خلال إحاطتها الإعلامية الدورية، مثيرة ردود فعل تراوحت بين الاستغراب والاستهزاء في أوساط معارضي الرئيس الجمهوري، لكن أيضا العديد من الرؤساء طالبوا بترشيحه لهذا الاستحقاق وذلك توددا له وتقربا منه .
فقد سبق أن رشح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، وهي أرفع جائزة دولية تُمنح لفرد أو منظمة تعد الأكثر إسهاما في “تعزيز أواصر الإخاء بين الأمم”، حيث قال في رسالته إلى لجنة نوبل، التي نشرها على الإنترنت، “إن ترامب أظهر تفانيا ثابتا واستثنائيا في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم”.. طبعا ليس غريبا أن يرشحه نتنياهو ، بما أنه حليفه الأبرز والداعم المطلق لإسرائيل ماديًا وأمنيًا ولوجستيا وعلى كل الأصعدة …
وسبق أن صرحت إدارة ترامب إن الوقت قد حان منذ فترة طويلة لمنح “صانع السلام الأول” جائزة نوبل للسلام، كما أعدت قائمة “بالحروب” التي تزعم أن ترامب أنهاها.
لكن هل أنهى كل الحروب التي وعد بايقافها ؟؟؟ هناك نزاعات استمرت لبضعة أيام فقط، رغم أنها كانت نتاج توترات مزمنة.. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت بعض اتفاقيات السلام ستصمد على المدى الطويل، مثل الحرب الاسرائيلية – الايرانية ، والنزاع التاريخي بين باكستان والهند .. لكن انسانيا لماذا لم ينهي الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة التي تصنف ضمن الإبادة الجماعية ، رغم أنه الوحيد القادر في العالم، التي راح ضحيتها أكثر من من 200 ألف من الشهداء والمصابين أغلبهم من الأطفال والنساء ، ومليوني في الشتات والتهجير القسري بدون مأوى وتغذية ودواء ورعاية … هذه الحرب الدموية التي جعلت من غزة قطاعا محاصرا وغير صالح للعيش ودمار شامل منذ أكثر من سنتين لشعب يرضخ تحت الاحتلال منذ 1948 ؟؟؟
إذا هو يعتبر نفسه رجل سلام، لماذا لم ينهي الحرب الدموية على هذا الشعب الأعزل الذي يعيش تحت القصف والنار والموت والجوع ، وسيتم تهجيرهم من أرضهم بمباركته حيث ينوي تحويلها إلى “ريفيرا ” الشرق الأوسط …!!!
للتذكير فقد شدد السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، في وصيته على ضرورة أن تذهب الجائزة إلى الشخص “الذي قام بأكثر أو أفضل ما يمكن أن يقدمه لتعزيز أواصر الإخاء بين الأمم وإلغاء الجيوش النظامية أو تخفيض أعدادها وإنشاء هيئات أو مؤتمرات تروّج للسلام” وجميع الأشخاص الأحياء أو المؤسسات النشطة مؤهلون للحصول على الجائزة.. حتما الجائزة ستفقد رمزيتها وقيمتها في حال تسند لشخصيات لا تستحقها .
فرغم أن هذه الجائزة مسيسة وليست شفافة، فمن البديهي أن ترامب لم يكن ولن يكون رجل سلام ولا يستحق في تقديري جائزة “نوبل للسلام” بسبب ما أنجزه من تغيير للنظام العالمي ودعمه للحروب والنزاعات في الشرق الأوسط ومساهمته في تغيير الخارطة الجيوسياسية ، وفرض العقوبات الاقتصادية على عديد الدول وتغيير قانون الهجرة الذي استهدف حتى الطلاب الأجانب بأمريكا، وعدم إلتزامه بالقانون الدولي والإنساني، وخاصة عدم ايفائه بوعوده خلال حملته الرئاسية بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ، وتدخله في تقرير مصير الشعوب المضطهدة …
ترامب ، المولع بالتكريمات ، بعد كل هذه الإنجازات هل يستحق هذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها 11مليون كرونة سويدية ( أي نحو مليون ونصف مليون دولار ) إلى جانب ميدالية وإشعاع دولي كبير، وماذا قدم لتعزيز السلام في العالم ؟؟؟
حتما ترامب شخصيته وتصرفاته و سياساته وماضيه وحاضره لا تنسجم مع القيم التي ارتبطت تقليديا بجائزة نوبل للسلام .
وفي يوم 10 اكتوبر سيعلن معهد نوبل بأوسلو اسم الفائز بالجائزة ، فيما سيقام حفل التسليم في العاشر من ديسمبر تزامنا مع ذكرى وفاة ألفريد نوبل ..وإحساسي يقول” لن يكون دونالد ترامب” !