ربما لا يتمكن أحد من توقع ما سيحدث في ليبيا، في ظل محاولة أطراف وفرقاء سياسيون تجييش الشارع وإشعال فتيل الحرب مجدداً في البلاد ..لكن حتما ثمة رغبة شعبية وجماهيرية بالإحتكام إلى صندوق الإنتخابات في 24 ديسمبر الحالي لإختيار من يقود البلاد، بعد عشرية سوداء دمرت فيها البلاد من بنية تحتية ومؤسسات الدولة وهجرت العباد، في ظل حرب طاحنة تديرها قوى عظمى ، لتكون بدلاً من اللجوء لصناديق الذخيرة التي ستؤدي لمزيد من إراقة الدماء والخراب لا سمح الله .ويأمل الليبيون بعقد الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها ، وأن يتمكنوا من تجاوز فترة عصيبة إستغرقت عقداً كاملاً، عقب إندلاع أحداث 17 فبراير 2011 التي أسقطت نظام الزعيم الراحل معمر القذافي.
وفي حال أجريت الإنتخابات الرئاسية الليبية ستكون الأولى في تاريخ البلاد، وهو ما يعني أن المواطنين الليبيين سينتخبون لأول مرة منذ 71 عاماً رئيساً للبلاد.
فمنذ ان أصدر مجلس النواب الليبي قانون الإنتخابات، وحدّد الشروط التي يجب توفرها في كل مترشح، وفصل بين الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية شهد الوضع السياسي الليبي إرتباكاً ملحوظا ً، وسيطرت عليه حالة من التوجس والجدل وعدم الثقة بين الأطراف السياسية، الذي ألقى بظلال من الشك والريبة في كون هذا القانون مفصلا على مقاس البعض على حساب الاخرين ، قانون شابه الكثير من الهفوات ، ناهيك عن إصداره دون التنسيق أو التشاور مع مجلس الدولة حسب ما نصت عليه جميع الإتفاقيات السياسية من الصخيرات إلى تونس مرورا بجنيف وبرلين وغيرها …
فقد أثار قانون الإنتخابات جدلا واسعا ، خاصة فيما يتعلق بالمواد التي أجازت لرئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة الترشح وهو الذي تعهد في مؤتمر جنيف بعدم الترشح وإحترام خارطة الطريق وخاصة أنه مازال على رأس عمله ولم يستقيل قبل المدة المحددة ، أيضاً التي أجازت للعسكري ولحاملي الجنسية الأجنبية الترشح للرئاسة .. وهي المواد التي رأى الكثيرون إنها تعطي فرصة أوفر ومجال أوسع لقبول شخصيات بعينها .
الملفت للنظر أنه وبالرغم من هذه الثغرات التي لازمت هذا القانون إلا أن المجتمع الدولي يمارس ضغوطا ومساع لإجراء الإنتخابات في موعدها ، موقف عززه مؤتمر باريس الأخير الذي لوح بفرض عقوبات على كل من يعرقل هذا الإستحقاق ، إضافة إلى مجلس الأمن الذي أخد نفس المسار ملوحا بإمكانية فرض عقوبات على من أسماهم بمعرقلي الإنتخابات ، حيث دعا في جلسته الأخيرة جميع الأطراف إلى الإلتزام بقبول نتائج الإنتخابات وطالبها بإحترام الخصوم السياسيين قيل الإنتخابات وخلالها وبعدها .. ومن جهة آخرى والمفارقة أن مجلس الأمن والأمم المتحدة لا يقومان بأي مجهود جدي لفرض السلم في البلاد وفرض آلية لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية حسب تعهدات المجتمع الدولي لضمان سير الإنتخابات في ظروف آمنة …
ورغم ذلك ، تواصلت التهديدات والتصريحات التي تحرض على شخصيات مترشحة تحت قوة السلاح والمليشيات ، في الوقت الذي شكك الكثيرون في الإلتزام بموعد الإنتخابات ، ويعتبرون مواقف المجتمع الدولي التي تلزم جميع الأطراف بالإلتزام بموعد الإنتخابات في ظروف نزيهة هي مجرد تصريحات لحفظ ماء وجه هذه الدول ، التي تتدخل في الملف الليبي بما يحقق مصالحها …
وعلى كل حال ، وفي الوقت التي تعتبر الإنتخابات المرتقبة إستحقاقا ينتظره الليبيون ، بإعتباره الأمل في إنهاء مسلسل المراحل الإنتقالية والخروج من نفق مظلم ومشهد دموي يسوده الإنقسام والإقتتال ، وبداية العلاج لشرخ إجتماعي طال معظم مكونات المجتمع الليبي .. إلا أنه ورغم هذا التفاؤل ، فالواقع العملي على الأرض يطرح أسئلة ملحة لا مناص من طرحها ، حتى وأن حاول الكثيرون عدم مواجهتها وتأجيلها إلى حين حدوثها ، حتى لا تفسد عليهم آمالهم وتحبط من معنوياتهم التي إرتبطت بإستحقاق يعد الأول في تاريخ ليبيا ..فعلا أسئلة لا توحي بأي إجابات جلية … قد يكون أهمها وأكثرها إلحاحا ذلك الذي يتعلق بمدى قبول الأطراف المتصارعة بنتائج هذه الإنتخابات ، ومن سيعترف بمن ومن سيسلم السلطة لمن ، في ظل عدم وجود أي آلية تفرض وتضمن قبولها ، وحتما سيلجأ الطرف الخاسر الى تعليق ذلك الإخفاق على شماعة تزوير الإنتخابات وشراء الأصوات وعدم النزاهة ، خاصة وأن الكثير من هذه الأطراف أستبقت النتائج بالتلويح بالتشكيك في نزاهة اللجنة العليا للإنتخابات تارة ، ولجنة مكافحة الفساد تارة أخرى ، بل وصلت التشكيكات الى نزاهة المجلس الأعلى للقضاء وحرب الطعون التي حصلت في محاولة إستبعاد شخصيات معينة …
خلاصة القول، هناك الكثير من العراقيل والصعوبات التي تواجه عملية الإنتخابات المنتظرة، بل والتخوف من عدم إنجاز هذا الإستحقاق أصلا، في ظل تجاذبات لم يستطع السيد كوبيتش الصمود أمامها ، ليلتحق بمن سبقوه من مبعوثي الأمم المتحدة ، مفضلا وبصورة مفاجئة الإستقالة من منصبه كمبعوث أممي إلى ليبيا بعد أقل من عام من تعيينه …
في ظل هذا المشهد الخطير والمعقد للملف الليبي الذي تقوده قوى دولية .. هل ستعقد الإنتخابات في موعدها ، وهل سيتمكن الناخب من الإدلاء بصوته بحرية ، وهل يصمد رئيس لجنة الإنتخابات العليا ورئيس المجلس الأعلى للقضاء أمام هذه الصعوبات والتدخلات والضغوطات ، خاصة بعدما طرد مسلحون بعض القضاة واقفلوا بعض المحاكم ومنعوا الطاعنين من الوصول إليها ، أم إنهما سيلتحقان أيضا بكوبيتش وسلامة ، مرددين ” خلص الكلام .. للبيت رب يحميه .. الله غالب “.
الله المستعان والله ولي التوفيق