كتب الصحفي فريد زكريا أن عقيدة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياستها الخارجية تختزل دور الولايات المتحدة من قوة عالمية إلى مجرد قوة إقليمية، في توجه يمكن تلخيصه في شعار “لنجعل أميركا أصغر مرة أخرى”.
وأوضح الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية -في عموده بصحيفة واشنطن بوست- أن إستراتيجية الأمن القومي الجديدة تنتقد عقودا من الانخراط الأميركي العالمي، وتدعو إلى تضييق تعريف المصالح الأميركية وحصرها أساسا في نصف الكرة الغربي، مستحضرة عقيدة مونرو بصيغة حديثة.
ويرى زكريا أن هذا المنطق يبدو ظاهريا معقولا، ولكنه يتجاهل كون الولايات المتحدة اليوم هي أقوى دولة في التاريخ، وأن نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري يجعل انكفاءها على “فنائها الخلفي” أمرا مستحيلا إلا بكلفة باهظة عليها وعلى النظام الدولي.
وذلك -كما يرى الكاتب- لأن الظروف التي نشأ فيها مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر كانت تخص دولة صغيرة محدودة الإمكانات، لا عملاقا عالميا مترابط المصالح مع أوروبا وآسيا أكثر بكثير من أميركا اللاتينية.
ويشير الكاتب إلى أن التركيز على نصف الكرة الغربي يضع السياسة الأميركية في منطقة هامشية اقتصاديا مقارنة بالمراكز الكبرى للقوة العالمية، مؤكدا أن الإستراتيجية التقليدية الناجحة للولايات المتحدة كانت تقوم على الحفاظ على علاقات وثيقة مع أهم مراكز القوة الاقتصادية في العالم.
وانتقد زكريا وثيقة إستراتيجية الأمن القومي نفسها، ووصفها بالمفككة والمتناقضة والمشحونة بالشعارات الفضفاضة، وحذر من أن هذا التوجه يعيد إحياء النزعة الانعزالية التي سادت الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، والتي اقترنت آنذاك بمعاداة الهجرة والتخوف من “عدم الاندماج”.
ويرى الكاتب أن المبالغة في تصوير الهجرة كتهديد وجودي يعكس عقلية انكفائية خطيرة، وأن العالم اليوم كما كان قبل قرن، يحتاج إلى دور أميركي فاعل للحفاظ على الاستقرار الدولي.
وخلص زكريا إلى أن انسحاب الولايات المتحدة سيخلق فراغات في القوة تملؤها أطراف أقل مسؤولية، مما قد يقود إلى فوضى وعدم استقرار عالميين، وحذر من تكرار أخطاء الماضي، مؤكدا أن أميركا المنغلقة على ذاتها ستترك عالما بلا قيادة واضحة.







