كان ياما كان وفي مثل هذه الأيام ،كان هناك وطناً إسمه سوريا وعاصمته دمشق / الشام ..وطناً كان يترنح بين الموت والحياة، تُرفع له القبعات كما الأعلام ..وتُكتب عنه في الصحافة الأقلام..والشمس تشرق تارة على جبينه وتغرب تارة أخرى في أحشائه، لكنها لا تنام ..أما القمر والكواكب فكانوا كما في الأحلام تعيش معه العشق والهيام ، على أمل القادم خيراً وسعادة وإستقراراً وتطوراً وتحريراً ونصراً مؤكداً ، ستحمله لنا الأيام القادمة والأعوام.. وهناك هناك كانت الدولة ، حيث الهياكل والمؤسسات فيها متآكلة منخورة حتى العظام.. فالدولة لم تكن دولة كما كنّا نراها باليقين ونؤمن بها، حيث الأمن والأمان والسلام.. وحيث السيادة والكرامة والكل في آنٍ وأوان ومقام ..وأن هناك جيشاً قوياً وحماة ديار وقائداً إمام.. لكننا وللأسف كنّا بهكذا رؤية وقناعة عمياء، كما التائهين لا بصيرة لنا ولا بصر ولا بالوضع إيلام ..نعم كنا حمقى بل جهلة ، لا نرى كيف يُكتب لهكذا حالة الختام .. الراعي مغلوباً على أمره والذئاب والضباع من حوله يفتكون به وبشعبه قطعاناً وأسراباً وأغنام…
هذا ما كان ..هذا ما كان منذ أكثر من أربعة عشر عام ..الدولة وكيف تحولت إلى نظام، حيث الفساد صار علامة فارقة طُبعت على جبهات الناس كل الناس كما الأختام ، من الرأس حتى الأقدام .. هو الحصار القاتل وكل ما له من أدواتٍ وألغام .. هو الحصار المميت الذي صنعه الحاخام وباركه العم سام ، ونفذه السلجوقي أردوغان مع جوقته السلفية بإسم الحرية والعدالة والديموقراطية، وتثبيت التعاليم الخاطئة عن الإسلام ..هو الحصار الذي لم يبقي على شيء في البلاد والعباد ، إلا الفساد والفقر والحاجة والجوع والظلمة والظلام…
هكذا بدأت الحكاية بعد أن إكتملت الحلقات ، وكان القرار والشرارة الأولى في غزة العزة والسابع من أكتوبر وإنتفاضة الأقصى بقيادة السنوار ، وبالمقابل جاءت المساندة من لبنان بقيادة حزب الله وحَسنهُ المختار ، فإنقضى الأمر بالموت له وقادته والبيوت التي آلت بالخراب والدمار .. فقضى من كان صمّام الأمان في حلقات النار.. وهناك في الضفة الأخرى كان التلميذ النجيب والصبي البار في الإنتظار، والمتأهب لبدء المسار في عملية مدروسة سمّوها “ردع العدوان” بمسمياتهم الثورية الغير حقيقية ، والتي بانت خلفيتها السلفية والكراهية وضوح النهار والأخذ بالثأر.. ومِن ْ مَنْ…؟؟؟ من حماة الديار وكل من يسكن في الديار.. بينما في وراء الستار وبعيداً هناك ، حيث واشنطن وموسكو وتل أبيب واللذين كانوا قد أكملوا الخطة وأغلقوا الحوار ، وأخذوا في هذه القضية القرار.. وهناك وفي دوحة الأخوان المسلمين دوحة الشؤم والعار، حيث إجتمع الأتراك والروس وممثلين عن أرباب هذا الكون من أوغادٍ وأشرار…
فلقد وجب أن يبدأ من إدلب إلى حلب فحمص وحماة ودمشق واللاذقية مشوار الخزي والعار ..هكذا باتت الطريق سالكة والقصر خالٍ من الأنصار .. أما العسكر فكان لابد لهم إلا أن يرموا أسلحتهم وثيابهم ويلوذوا بالفرار…
هكذا بدأت فيالق ما يسمى بالثوار بالزحف على المدن والقرى والمؤسسات في كل مفرقٍ وعلى كل دوّار ، فإحتلوا وأخذو وإستولوا وسبوا وقتلوا وأجرموا بالشيوخ والنساء والأطفال الصغار، ليعيدوا لنا في الذاكرة بحملة ( حمورابي ) عندما غزى بغداد ودمشق وأغرقهما بالدماء وأحرقهما بالجمر والنار، وبالتوازي أظهروا لنا الرجل الجديد ، وقد هذب لحيته ونظم حديثه وهندامه بما يليق بقائدٍ مختار.. هي البرغماتية عنوان الخيارات أجمع ، بل هي الخيار .. فالعالم ( اللا حُرْ ) هو من يقرر هذا المنطق الأعوج بإصرار ما بعده إصرار ، وكل ذلك لإرضاء أربابه الأبرار الذين يتحكمون في إنقضاء كل ليلٍ وإنبثاق كل نهار.. يهود في الصفة العلنية ، لكنهم في الباطن كما المغول وكما التَتَر… إرهابيون لا يخافون الله ولا كتبه ولا رسله ولا قيمه ، لأن القيمة الإنسانية تقاس عندهم بالأصفار…
لقد سبق السيف العزل.. فلا سيادة ولا حرية ولا عدالة ولا إستقرار، في وطن كان إسمه سوريا وعاصمته الشام ، حيث كنا البارحة على وسادته برغم سوادها مطمأنين ننام .. وطناً واحداً موحداً ، أقل ما فيه بأن الحديث عن الأديان والمذاهب والأعراق يُحاسب عليه القانون ، لأنه حرامٌ وعيبٌ وعار ..ناهيك عن الأمن والأمان ، والمواطنة التي كنّا نتغنى بها على كل لسان وفي كل منطقٍ وحوار…
كان ياما كان وطناً جميلاً إسمه سوريا وعاصمته الشام .. ونتسائل أيا ترى هل سيبقى موحدًا كما عرفناه وتربينا فيه على المحبة والمواطنة والإقدام …؟؟؟ أم سيتحول إلى دويلات أو كانتونات أو كيانات لا صوم فيها ولا عبادة ولا صيام ، وبإنتظار يوم القيامة نلعن قعوداً ونعلن قيام…
ولشاعر الياسمين نزار نعتذر بأبياتٍ من تيتمٍ وحسرةٍ وإيلام :
هذي دمشق فأين الكأس والراح شامي تموتُ و العرب مرتاحُ
دك المدافع لا يُخفى على أذنٍ وتراب أرضي على الشهداء نوّاحُ
يأتي الليل علينا والطلقات تُطربنا في الفجر نصحوا وصوت النار صدّاحُ
والسماءُ شرارٌ مكفهرٌ لا يغادرنا وفي الشوارع موج الموت يجتاحُ
لجأ العزيز إلى اللئيم فذلّه وذُل الأهل للأهلين ذبّاحُ
دموع العين تحفر في ضمائرنا وللقلوب صراخٌ حين تنزاحُ
يا ياسمين الشام عذراً فلتسامحني فليس في الدار بعد اليوم أفراحُ





