توقفت الحرب على غزة لكن لم يتوقف وقف إطلاق النار والعدوان .. اختراق للهدنة ولبنودها يتم من الجانب الاسرائيلي الذي يتعلل بأي أعذار ليواصل حرب الإبادة على الشعب الذي يعيش في العراء بقطاع منكوب أصبح دمارا شاملا لا يصلح للعيش فيه بتاتا .. نهاية حرب مشروطة في جوهرها ، هدفها تحقيق الأهداف الإسرائيلية بالوسائل السياسية ، عبر مفهوم الوصاية الدولية وبقيادة أمريكية مباشرة.
من الطوفان إلى خطة ترامب .. ومن ميدان الحرب التي كانت مفتوحة على كل الجبهات إلى طاولة المفاوضات، تبدو المنطقة أمام لحظة تاريخيّة مفصلية يعاد فيها رسم خرائط القوة وتوازنات النفوذ، حيث يبدو أن التاريخ يتهيأ لمشهد جيوسياسي جديد بالمنطقة على مشارف العام 2026.
تتجاوز هدنة غزة حدود الجغرافيا الفلسطينية لتتحول إلى اختبار سياسي واسع لمستقبل الشرق الأوسط، حيث تتقاطع فيها حسابات واشنطن السياسية وطموحات تل أبيب البراغماتية التوسعية والمواقف العربية الساعية إلى ترسيخ معادلة سلام مستدامة تبنى على الأنقاض ، كل ذلك في إطار “سلام ” غير عادل خطط له رجل الصفقات الرئيس ترامب مع حلفائه باسرائيل وبعض القوى الدولية…
فعودة النازحين تكشف عمق الكارثة الإنسانية والابادة الجماعية التي يشهدها قطاع غزة بعد إتفاق السلام الذي لا يعني انتهاء المأساة التي ظلت عامان كاملان واستهدفت البشر والحجر وكل دابة على الأرض ، حيث وجدوا آلاف النازحين أنفسهم بلا مأوى فوق أنقاض منازلهم وفي ظروف إنسانية قاهرة ، بينما لا تزال رفات أهاليهم تحت الأنقاض…
كما سبق أن ذكرت قد تكون الحرب الشعواء الدموية على أهل غزة قد توقفت مع بعض الخروقات، وانتهت الغارات اليومية العنيفة وتوقفت قافلة الشهداء والجرحى ، لكن الحرب سوف تستمر بأشكال معارك مترابطة في السياسة عبر الحصار والإبتزاز وبالذات في موضوع الإعمار وإدخال المساعدات وآلية إدارة القطاع .. أيضا لا يمكن أن تذكر حصيلة الإبادة الإسرائيلية دون تسليط الضوء على تعداد قوافل الشهداء الذين قضوا بهذه الحرب اللا إنسانية والذي بلغ عددهم أكثر من 70 ألف أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال ، ومن بينهم مئتي وأربع وخمسون صحفيا كانوا ينقلون للعالم الحقيقة من الميادين ، و أكثر من مئتي من الجرحى والآلاف ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض ، علاوة على دمار 90% من مساحة القطاع … علاوة أن الجيش الاسرائيلي لا زال موجودا بكامل آلياته العسكرية خلف الخط الأصفر في نصف مساحة قطاع غزة ، حيث يواصل الجيش الهمجي عمليات النسف المنظم والتدمير الممنهج والتجريف والتخريب لما تبقى من البيوت والمدارس والمحال التجارية تمهيدا للبدء في مشاريع الإعمار ، التي ستخضع لقوانين وضوابط أمنية صارمة يشرف عليها الكيان مع قوات دولية تم قبول تواجدها ويشعرون بارتياح حيالهم – حسب قولهم – والتي ستراعي المصالح الاسرائيلية وتفقد الفلسطينيين كل حقوقهم في أرضهم وعلى تراب وطنهم المدمر.
وفي هذا السياق يتم الترويج لمشروع “السلام “.. سلام بالقوة وبطعم الذل والهوان وكل أشكال الإستبداد والظلم ، بدون التطرق إلى مسائل جوهرية أهمها حل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني ومحاسبة الكيان الصهيوني على كل الجرائم التي اقترفها في حق الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948!
حتما المأساة متواصلة ، تذكّر بأن الحرب لم تنته فعلا ، ما دامت مقومات الحياة معدومة وما دام سكان غزة ما زالوا يناشدون العالم لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة ، ومجتمع دولي لم يستجب لصرخاتهم خلال الحرب اللا إنسانية ولم يطبق الأعراف والمواثيق الدولية ، والقانون الدولي الإنساني …
وبعد كل الإبادة الجماعية والحرب الدامية والتهجير القسري ، التي ستظل وصمة عار في تاريخ البشرية، كيف ومتى وأين سيحاسب الكيان الصهويني على كل الجرائم التي ارتكبها في حق أهل غزة ؟؟؟
أختم بمقولة شهيرة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ، تعبر عن المشهد المأساوي بعد كل الحروب ، تقول : “ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل .. لا أعلم من باع الوطن ولكني رأيت من دفع الثمن “.



