د. حسين الديك / كاتب ومحلل سياسي
في ظل الانتهاكات والاختراقات الاسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، فإن الادارة الامريكية تركز جهودها نحو تذليل كافة العقبات التي تواجه فشل وانهيار هذا الاتفاق واصبحت تظهر بعض التسريبات حول احتمالية تقسيم القطاع بين حماس واسرائيل ، وربما تصبح نقاط ما يعرف بالخط الاصفر حدود دائمة بين أماكن سيطرة كل من اسرائيل وحماس .. ونظرا للهشاشة البنيوية التي يعاني منها الاتفاق منذ صياغته واقراره، وشموله على العديد من النقاط الغامضة والمفخخة والتي قد تنفجر في أي لحظة ، وأهمها عدم وضوح الآليات التنفيذية لهذا الاتفاق إضافة إلى افتقاره إلى الجداول الزمنية اللازمة للتنفيذ وخلوه من ملاحق تفسيرية واضحة للقضايا الخلافية التي قد تظهر مستقبلا، إضافة إلى ذلك فأن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان مجبرًا ومكرهًا على توقيع هذا الاتفاق ، إضافة إلى المعارضة الواسعة للاتفاق من قبل اليمين الاسرائيلي ، ولكن نتنياهو ما زال يعمل على كسب مزيد من الوقت والمناورة السياسية مع الإدارة الأمريكية، وربما يكون خيار قطاع غزة بين حماس واسرائيل خيارا ورادا وربما الذهاب الى نموذج اتفاق اسلو الموقع في العام 1993م بتقسيم القطاع إلى مناطق (أ، ب، ج) ، بحيث تحتفظ اسرائيل بسيطرة أمنية وعسكرية وادارية في المناطق الواقعة خلف ما بات يعرف بالخط الأصفر، ويترك لحماس السيطرة في مراكز التجمعات السكانية.
وقد يمنح الامريكيون الضوء الأخضر لإسرائيل بإسقاط الحالة اللبنانية على قطاع غزة ولكن بأدوات أكثر حدة، مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على نحو 52% من مساحة القطاع، ورسم ما يُعرف بالخط الأصفر الذي يمنع الفلسطينيين من الاقتراب منه، وربما تسعى إسرائيل إلى أن تُضم هذا المنطقة أو تجعلها كمنطقة عازلة تحت السيطرة الإسرائيلية، وعند الحديث عن المرحلة الثانية والتي تبدو بانها اكثر تعقيدا فإن سمة التعقيد والغموض تلقي بظلالها على تلك المرحلة مع غياب وضوح حول تفاصيل المرحلة الثانية، خاصة مسألتَي الحكم ونزع السلاح.
ولكن هذا الحجيج الأمريكي إلى تل ابيب من نائب الرئيس ووزير الخارجية والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، جاء لإجبار نتنياهو على تنفيذ كل ما جاء في هذا الاتفاق، وفقا للرؤية الامريكية ومؤشر على الحضور الأمريكي والتدخل الواضح في صنع القرار السياسي في تل ابيب .
وفي ظل تلك التحركات الدبلوماسية فإن العودة إلى القتال بشكل واسع غير محتملة، إلا أن الحرب لم تتوقف فعليًا، فهي لم تنتهِ، لكنها لن تعود كما كانت خلال السنتين الماضيتين.. فالخروقات تتواصل يوميًا، مع سقوط ضحايا مدنيين، ولكن الذي حصل هو أن أدوات الحرب قد تغيرت، وأن استمرارها يأتي ضمن إطار التكيف الأمريكي الجديد لرؤية الشرق الأوسط، التي لا تسمح بعودة الحرب الشاملة في غزة.
أن تفسير كل طرف لهذه القضايا مختلف؛ فالجانب الأمريكي والإسرائيلي ينظر إلى نزع السلاح باعتباره هدفًا رئيسيًا، بينما التفسير الفلسطيني والعربي مختلف تمامًا، ما قد يؤخر أو يعقد تطبيق المرحلة الثانية، إضافة إلى أن مسألة إعادة رفات الأسرى الإسرائيليين والتي لم تنتهي حتى الآن قد تُشكل عائقًا رئيسيًا أمام الانتقال للمرحلة التالية.
ولازالت مسألة الحكم وانتقال السلطة تشكل معضلة أساسية في تنفيذ هذا الاتفاق ، وخاصة كل ما يتعلق بحكومة التكنوقراط وأعضائها وصلاحياتها واستقلاليتها المالية والسياسية وتبعيتها لمجلس السلام أم للسلطة الفلسطينية ، وقوة حفظ النظام ضمن خطة ترامب.. إضافة إلى الترتيبات التي تتعلق بانتشار القوى الأمنية أو قوات حفظ السلام، هل هي قوات فض اشتياك أو أنها قوات شرطية مساندة لقوى الأمن في قطاع غزة ، اذ تم تدريب نحو 5 آلاف إلى 10 آلاف شرطي فلسطيني في العاصمة المصرية القاهرة، بالإضافة إلى وجود قوات دولية لمراقبة الأمن ونزع السلاح داخل غزة، مع تساؤلات حول جنسياتها وصلاحياتها، وما إذا كان القرار سيصدر تحت الفصل السادس أم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة…؟؟؟






