غيّب الموت الثلاثاء عملاقة سينما ستينات القرن العشرين الممثلة الفرنسية الإيطالية كلوديا كاردينالي التي رحلت “عن 87 عاما محاطةً بأبنائها” في مقر إقامتها في نيمور بضواحي باريس، على ما أفاد مدير أعمالها لوكالة فرانس برس.
وُلدت كاردينالي في تونس أثناء حقبة ما يسمى بـ”الحماية الفرنسية في تونس”، لأبوين صقليين في أبريل/نيسان من عام 1938، وفازت بمسابقة جمال عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها حيث اختيرت كـ”أجمل امرأة إيطالية في تونس”.
وكانت جائزة فوزها بالمسابقة عبارة عن رحلة إلى مهرجان البندقية السينمائي، حيث تواصل معها المخرجون والمنتجون للمشاركة في صناعة الأفلام.
وقالت لاحقاً إنها ترددت في التخلي عن آمالها في أن تصبح معلمة “لتجرب هذا الشيء السينمائي”، على حد تعبير والدها.
اتسمت مسيرتها المهنية المبكرة بالتحديات. وكانت تلعب أدواراً صغيرة في مراهقتها عندما اغتصبها رجل لا تعرفه. وعندما علمت أنها حامل في شهرها السابع أثناء التصوير، أقنعها مرشدها بالولادة سراً في لندن، بعيداً عن معارفها.
عرّفت ابنها باتريك على الناس لعدة سنوات بعدها، باعتباره شقيقها الأصغر.
وفي عام 2017، صرّحت لصحيفة “لوموند” الفرنسية أنّ ابنها كان سبب مسيرتها السينمائية، لأنها أرادت “كسب عيشها بنفسها وأن تكون مستقلة”.

وقال مدير أعمالها لوران سافري في رسالة نصية إلى فرانس برس “إنها تترك لنا إرث امرأة حرة وملهَمة، في مسيرتها كفنانة وكامرأة على السواء”.
ونعى وزير الثقافة الإيطالي أليساندرو جولي “واحدة من أعظم الممثّلات الإيطاليات على مرّ العصور”.
وقال الوزير في بيان إنّ “كاردينالي جسّدت الرقي الإيطالي الأصيل وجمالا فريدا، وشاركت في أكثر من 150 فيلما على مدار مسيرتها الفنية الطويلة، بعضها يُعتبر من روائع سينما المؤلف”.

وقد أدّت كلوديا كاردينالي أدوارا في أفلام لعدد من أبرز المخرجين مثل لوكينو فيسكونتي وفيديريكو فيليني وريتشارد بروكس وهنري فيرنوي وسيرجيو ليوني.
وبما أنها نشأت وهي تتحدث الفرنسية والعربية واللهجة الصقلية لوالديها، فقد كان يُنظر إلى لهجتها الإيطالية على أنها غير مقبولة، وكان صوتها يدبلج من قبل ممثلات إيطاليات أخريات.
اكتسبت شهرة واسعة في عام 1963 عندما ظهرت في فيلم “½8” لفيليني الذي حاز على جائزة الأوسكار، إضافة إلى فيلم الدراما التاريخية الملحمية “الفهد”، الذي أصبح من أفلام فيسكونتي الكلاسيكية.
عملت في هوليوود في ستينيات القرن الماضي، حيث لعبت دور البطولة في فيلم “النمر الوردي” للمخرج بليك إدواردز، وفيلم “ذات مرة في الغرب” للمخرج سيرجيو ليون، وظهرت مع ممثلين من بينهم هنري فوندا وتشارلز برونسون.
أشاد النقاد بكاردينالي ووصفوها بأنها “تجسيد للسحر الأوروبي في فترة ما بعد الحرب”.
وفي حديثها عن مسيرتها المهنية لاحقاً، قالت كاردينالي إنّ: “أفضل مجاملة تلقيتها على الإطلاق كانت من الممثل ديفيد نيفن أثناء تصوير فيلم النمر الوردي”، وتضيف: “حيث قال لي: كلوديا، إلى جانب السباغيتي، أنتِ أعظم اختراع في إيطاليا”.
بعد انفصالها عن المنتج السينمائي فرانكو كريستالدي في أوائل السبعينيات، بدأت كاردينالي علاقة استمرت مدى الحياة مع المخرج النابولي باسكوالي سكويتيري، الذي أنجبت منه ابنة، سمّتها أيضاً كلوديا.
استمرت كلوديا كاردينالي في التمثيل حتى بلغت الثمانينيات من عمرها، وظهرت في المسلسل التلفزيوني السويسري “بولل” في عام 2020.
وفي عام 2000، اختيرت كاردينالي سفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) تقديراً لدفاعها عن حقوق النساء.
وقد منحت جائزة “إنجاز العمر ” في عام 2002 بمهرجان برلين السينمائي .
واستمرت في تقديم أفلام بلغات أوروبية متنوعة حتى أواخر حياتها، وقالت إن التمثيل كان مهنة عظيمة.
وقالت عن مسيرتها في عالم التمثيل :”لقد عشت أكثر من 150 حياة، عاهرة وقديسة ورومانسية، وكل أنواع النساء، وإنه لمن الرائع أن تتاح لك هذه الفرصة لتغيير نفسك”.. وأردفت “لقد عملت مع أهم المخرجين، لقد منحوني كل شيء”.