تُخاض حربا دبلوماسية رفيعة في شأن مستقبل سوريا، ليست بالرصاص بل من خلال تشكيل مستقبل سوريا الجديدة بالتحالفات الجديدة والصفقات المخفية والصرعات الإقليمية والدولية على أرضها …
رواية مثيرة للجدل انتشرت إعلاميا مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي كيف تم تأهيل أبو محمد الجولاني، الذي أصبح بقدرة قادر أحمد الشرع، لينتقل من ارهابي يقود فصيل سلفي جهادي “جبهة النصرة ” ثم ” تحرير الشام ” إلى سياسي يحكم سوريا .. رواية صادمة أفشى البعض منها السفير السابق بسوريا روبرت فورد خلال محاضرة ألقاها بجامعة بالتيمور الأمريكية ، وتحدث عن تفاصيلها بالزمان والمكان ، حيث قال “في عام 2023 دعتني منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات لمساعدتها على إخراج هذا الرجل من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة العادية.. في البداية، كنت مترددا جداً، كانت لدي صور في ذهني لي وأنا أرتدي بدلة برتقالية وسكينا على رقبتي.. ولكن بعد التحدث مع عدة أشخاص ذهبوا هناك، وأحدهم التقى به، قررت أن أغامر.. في أول لقاء بيني وبينه – اسمه الحركي كان أبو محمد الجولاني، لكن اسمه الحقيقي هو أحمد الشرع، وقد كشف عنه فقط بعد أن سيطر على دمشق في هجوم خاطف في ديسمبر 2024، أي قبل حوالي خمسة أشهر فقط”.
ونقل فورد على لسان الشرع قوله: “ أنا أعلم أن الحكم يتطلب تقديم تنازلات..” وكان هذا اللقاء في مارس 2023. وفي يناير 2024، ذهبت إلى سوريا مرة أخرى. التقيت بأحمد الشرع،” الرئيس” بقصر الشعب بدمشق ، وعندما رأيته في القصر الرئاسي، قلت له: ” لم أتخيل أبداً في حياتي أنني سأراك هنا..” ابتسم وقال لي: “أنا أحب أن أستمر في مفاجأتك يا سعادة السفير.”
وفقا لهذا السرد، الجولاني كانت لديه ارتباطات دولية خفية وسرية وقوية مكنته من الوصول للشام ليس فاتحا كما يتصور الأغلبية ، ولكن ضمن مخطط دولي ممنهج .. خطة محبكة منذ سنوات، اقتضت قرار اسقاط واستبدال الأسد بشخص مقاتل له جيش منظم بمعسكرات ادلب بدعم دولي ، في خضم تشرذم المعارضة السورية بالخارج ، هذه الخطة تُعرف بالرمز”11″ المعروفة لدى ضباط المخابرات الإقليمية والدولية ، والرقم “11” هو إشارة للجولاني وفق اللائحة.
أبرز ما جاء في رواية السفير فورد أنه فضح جزء من المخطط الدولي وأظهر حقيقة الجولاني الذي تحول من قائد فصيل ارهابي مدرج على لائحة الإرهاب دوليا لحاكم سوريا الجديدة ، وإنهم بالتعاون من الاستخبارات البريطانية نجحوا في إعادة تصنيع الجولاني كشخصية “معتدلة”، وهذا بحد ذاته مقدمة لكل الاتفاقيات التي تظهر في العلن من خلال تصريحات الشرع والشيباني في سياق التطبيع مع اسرائيل …
كما يكمن ذلك في إعطاء الشرعية الدينية والشعبية للتوقيع على الإتفاق بما أن الحكم انتقل من الطائفة العلوية إلى الطائفة السنية التي تحظى بالأغلبية الدينية بسوريا، لذلك من البديهي أن كل اتفاق يتحول إلى ترحيب وإلى مكسب شعبي، في سياق ما شهدته المنطقة من تحولات جيوسياسية جذرية بعد سقوط محور المقاومة ونهاية النفوذ الإيراني .
حتما ، بعد دخول سوريا في اتفاقية ابراهم ، ستدخل الدولة في مرحلة “التحول الاقتصادي”، بلد منكوب ظل تحت لائحة العقوبات الدولية عشرات السنين ، سوف يُعاد بناؤه من جديد ليصبح جاذبا للاستثمار ولا يشكل أي خطر على جيرانه.. وسيتم رسميا التخلي عن الجولان وقد تُمنح أراض مثل جبل الشيخ والقنيطرة لتكون جزءا من مشروع تطبيع شامل، وستقسم سوريا إلى كونفدراليات طائفية وعرقية، ويظل الشرع رئيسا ممكن للأبد بما أنه أجاد وأتقن اللعبة !
ما فهمته أنا شخصيا .. خلاصة المخطط أن الثورة لم تسقط بشار الأسد ، وأن الأسد كان يحارب في منظمات إرهابية دخلت من كل صوب وحدب برعاية تركيا وقوى دولية ، في سياق قانون الطوارىء ، وأن الأسد -كما كان يصرح -أفاد بأن سوريا تتعرض لمؤامرة كونية شارك فيها كل العالم من أجل اسقاطه وتدمير وتقسيم الجمهورية العربية السورية ، وأن البديل أبو محمد الجولاني أصبح أمرًا واقعا يستقبل من دول العالم ، في إطار مخطط دولي ممنهج …
وختاما ” أرفع رأسك فوق أنت سوري حر “.