محكمة باريسية تحاول الكشف عن خفايا لقاء ساركوزي والقذافي في طرابلس عام 2005، وسط اتهامات للرئيس الفرنسي الأسبق بتلقي دعم مالي غير مشروع لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي الراحل.
ماذا حدث تحت خيمة معمّر القذافي في طرابلس عام 2005 عندما زاره نيكولا ساركوزي الذي كان يومئذ وزيرا للداخلية الفرنسية ومرشّحا للرئاسة ؟؟؟
خبايا هذا اللقاء حاولت كشفها، الأربعاء، محكمة باريسية تنظر بالاتهامات الموجّهة للرئيس الفرنسي الأسبق بتلقّي تمويل سرّي غير مشروع لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي الراحل.
وخلال المحاكمة التي انطلقت في السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، ويفترض أن تنتهي في العاشر من نيسان/ أبريل المقبل، يحاكم الرئيس الفرنسي الأسبق مع 11 متهما آخر للاشتباه بضلوعهم في عملية تمويل غير مشروعة لحملة ساركوزي الانتخابية في 2007 من قبل القذافي .
والرئيس الفرنسي الأسبق متّهم بأنه عقد بمساعدة قريبين منه هما مدير مكتبه آنذاك كلود غايان والوزير السابق بريس أورتوفو، اتفاقا مع القذافي ” يتعهّد بموجبه الزعيم الليبي توفير دعم مالي لساكوزي لكي يصل إلى قصر الإليزيه”.
لكنّ الرئيس الفرنسي الأسبق ينفي كلّ الاتهامات الموجّهة إليه، مدعيا أنّ القضية برمّتها يقف خلفها بعض الليبيين الراغبين بـ”الانتقام” منه، بسبب دعمه لثورة فبراير التي أطاحت بالراحل معمر القذافي في تشرين الأول/أكتوبر 2011.
والأربعاء، مثُل أمام المحكمة شاهد رئيسي في هذه القضية هو جان-لوك سيبيود الذي كان سفيرا لفرنسا في ليبيا حين زارها ساركوزي، حيث استدعت النيابة العامة سيبيود الذي كان سفيرا في طرابلس بين عامي 2004 و2007 للإدلاء بشهادته عن تلك الفترة التي يقول إنّها شهدت “عودة ليبيا إلى الأسرة الدولية” بعد أن رُفع الحظر عنها في 2003.
وفي شهادته أكّد السفير السابق أنّ انتخاب ساركوزي في 2007 رئيسا أعطى “دفعة جديدة” للعلاقات الفرنسية-الليبية من خلال “استكمال الديناميكية” التي بدأتها زيارة سلفه جاك شيراك لليبيا في 2004.
وردّا على سؤال عمّا إذا كان يتذكّر الزيارة التي قام بها إلى ليبيا بين 30 أيلول/ سبتمبر و2 تشرين الأول/ أكتوبر 2005 كلود غايان الذي كان مديرا لمكتب وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، أجاب سيبيود “كلا، لم تترك أثراً عليّ كما فعلت زيارات أخرى، على سبيل المثال تلك التي قام بها نيكولا ساركوزي” في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2005.
وأضاف أنّ “السلطات الليبية كانت تنتظره (ساركوزي) بفارغ الصبر، وقد قيل لي إنّها زيارة مهمّة للغاية بالنسبة لليبيا.. لقد كان نيكولا ساركوزي مرشحا للرئاسة بالفعل.. لا أعلم ما إذا كان قد ترشّح رسميا أم لا، لكنّهم (الليبيون) كانوا يريدون الترحيب برئيس جمهورية مستقبلي محتمل”.
وأوضح أنّ تلك الزيارة “أُعِدّ لها بشكل جيّد للغاية على المستوى الرسمي” بما في ذلك نزهة “في الحدائق، مع الإبل وكل الفولكلور”.
وعن تفاصيل لقاء وزير الداخلية الفرنسي يومئذ بالقذافي، قال السفير السابق إنّه بمجرد وصوله، دخل الوفد بأكمله “تحت الخيمة” وفقا “للتقاليد البدوية” و”دارت مناقشات عامة إلى حدّ ما لمدة ربع ساعة أو عشرين دقيقة”.
وأوضح السفير السابق أنّه بعد انتهاء الاجتماع غادر القذافي وساركوزي الخيمة ثم “اختفيا”.. وسألت القاضية ناتالي غافارينو الشاهد “هل تظنّ أنّهما ابتعدا لفترة طويلة؟” فأجاب “نعم.. نصف ساعة أو أكثر بقليل”.. وبينما كان السفير السابق يدلي بشهادته كان ساركوزي الذي جلس على بُعد متر واحد منه مكتّف اليدين يحدّق به، ولا يرفع ناظريه عنه.
كما استذكر سيبيود أمام المحكمة كيف أنّه مازح يومها المترجم قائلا له “لا بدّ أنّهما قالا بعض الأشياء لبعضهما البعض!”.. وردّا على سؤال عمّا إذا كان يعتقد أنّ المترجم قد حضر تلك المحادثة “الخاصة” بين ساركوزي والقذافي، ردّ السفير السابق بالقول إنّ “هذا الأمر لا يغيّر كثيرا”.
لكنّ القاضية ردّت على جوابه بالقول “بل إنّه يفعل، لأنّه بحسب النيابة العامّة، فإنّ (وجود المترجم) يعني أنّه كان بإمكان ساركوزي أن يطلب من القذافي تمويلا”.. وأضافت “المسألة التي تطرح هي معرفة ما إذا كان بوسعهما أن يقضيا بضع دقائق منفردين”.
وردّ الشاهد قائلا “لوحدهما؟ يبدو لي هذا الأمر مستبعدا للغاية إذ لا علم لي أنّ رئيس الدولة الليبية كان يتحدّث الإنجليزية أو الفرنسية”. وجادلت القاضية الشاهد بأن عرضت عليه شهادات تفيد بأنّ القذافي كان قادرا على التحدّث قليلا بالإنجليزية فردّ السفير السابق قائلا إنّه “غير قادر على تأكيد أو نفي” هذا الأمر.
أما ساركوزي الذي لطالما نفى بشدّة أن يكون قد دار بينه وبين القذافي أيّ نقاش بهذا الشأن، فكان جالسا في مقعده يستمع إلى أقوال الشاهد وأعصابه مشدودة.. كما استمعت المحكمة أيضا إلى أقوال الملحق الأمني في السفارة الفرنسية في ليبيا يومذاك جان-غي بيريه، لكنّ إجاباته أتت أكثر غموضا من إجابات سيبيود.
وإذ بدا واضحا عليه أنّه لم يكن سعيدا بإدلائه بشهادته أمام المحكمة، أكد بيريه أنّه لم يكن حين قد مضى عليه في منصبه سوى “عشرة أيام” حين زار ساركوزي ليبيا.. ووصف الملحق الأمني السابق الخيمة الشهيرة بأنّها كانت “مفتوحة على الخارج” من جانب واحد و”بالكاد كنّا نستطيع سماع ما يقال” بداخلها.
وسُئل الشاهد عمّا إذا كان قد رأى ساركوزي والقذافي يتحدثان على انفراد، على سبيل المثال في نهاية الاجتماع، أو في الطريق إلى السيارات؟ فأجاب “كنت خلفهما بمسافة بعيدة…”. وسألته القاضية مجددا عمّا إذا كان القذافي وساركوزي قد تمكّنا من إجراء حوار سرّي؟ فأجاب الشاهد “يبدو لي ذلك مستبعدا… لا أعرف”.
وكان ساركوزي قال في 9 كانون الثاني/ يناير أمام المحكمة “لن تجدوا أبدا يورو واحدا، ولا حتى سنتا ليبيا واحدا حتى، في حملتي”، مؤكّدا أّنه ضحية “عشر سنوات من التشهير، و48 ساعة من الاحتجاز، و60 ساعة من الاستجواب”.