متى ستنتهي هذه الحروب .. السؤال الذي أصبح أكثر طرحا ولم يعد له إجابة شافية بعد كل الجرائم والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني منذ أكثر من عام على قطاع غزة ، هذا القطاع الذي أصبح منسيا ، وهذه الإبادة التي أصبحت أخطر أزمة انسانية يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، وبعد توسع الحرب في لبنان منذ 23 سبتمبر بجنوبه وضاحيته وكل قراه وعاصمته …
سأتحدث في البدء من الناحية الإنسانية وبعيدا عن الأسباب السياسية والايديولوجية وعن محطات وثقت في التاريخ مثل ” طوفان الأقصى ” ، لأنه بالنسبة لي هذه ليست الأسباب الحقيقية والتي يركز عليها الإعلام الدولي وبعض الإعلام العربي أيضا، لأن السبب الرئيسي والجوهري والواقعي هو إحتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من سبعين عاما والتنكيل بالشعب من خلال القتل والقصف والتجويع والحصار، بما في ذلك قصف الأبرياء الذين يتحصنون في المدارس والمرضى بالمستشفيات وإخلاء المستشفيات من الطواقم الطبية …
لذلك بعد كل هذه الجرائم الدموية والعدوان الغاشم الذي تمارسه الدولة المحتلة على شعب أعزل أمام مرأى المجتمع الدولي، الذي فقد إنسانيته وانتهك القانون الدولي وفق مصالح القوى العظمى التي تدير اللعبة ، لا يتوجب الخروج عن لب القضية الرئيسية وايجاد مبررات لهذه الحروب ، التي يسوق لها الكيان الصهيوني ويعتبرها “مسألة وجود” بدون أي وجه حق وشرعية ….
ولكن أيضا من منطلق أسباب الحرب الإستراتيجية ، المعروف أبعادها وأهدافها لإنهاء حماس ، حيث بعد تدمير اسرائيل لقطاع غزة وقتل السنوار الذي تعتبره العقبة في كل الأزمة ، فتحت جبهة أخرى لنفس الأسباب وهو إنهاء حزب الله بقتل حسن نصرالله وكبار قادته.. وبالتالي الهدف هو إنهاء المقاومة في بلاد الشام الذي أصبح شرطا من شروط إيقاف الحروب بغزة ولبنان ، وأصلا أصبح من بعض الشروط للتفاوض …
من جهة أخرى ، وبغض النظر عن أهداف حزب الله التي تتمثل في مساندة الحرب على غزة ، يمكن القول أن هذه العملية لم تكن مدروسة من كل الجوانب ومغامرة لم تكن محسوبة ، بما أنها جرت لبنان إلى هذه الحرب الدامية بكل تداعياتها الداخلية والخارجية، حيث يسير لبنان بوضعه الهش على كل المستويات إلى المجهول وصارت بقاع من أرضه غزّة أخرى وأهله في الشتات في دول الجوار وفي الداخل في ظل ظروف لا تتوفر فيها أدنى متطلبات المأوى والأكل والدواء والأمان ، خاصة وأن فصل الشتاء على الأبواب …
فهذه الحرب الشعواء التي بدأت عقب شن إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعدها سعت تل أبيب منذ 23 سبتمبر الماضي تغيير المعادلة ونقل الحرب إلى الجبهة اللبنانية من خلال توسيع نطاق الإبادة لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية مستمرة أردت بعض القرى والمناطق ركاما، حيث أسفر العدوان على لبنان إجمالا عن 2574 قتيلا و12 ألف جريح، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فضلا عن أكثر من مليون و340 ألف نازح، وفق رصد لبيانات رسمية لبنانية لحد كتابة هذا المقال ، لم تتوفر فيها حتى قواعد الحرب بما أن الجيش الصهويني أصبح يقصف في مناطق كاملة تعج بالسكان بعد إعلانه لمخططات البنايات على منصة X التي يحددها وفق معلومات استخباراتية وتقنية ثابتة ودقيقة .
كما طالت جرائم اسرائيل حتى الصحفيين من ميادين الحرب الذين ينقلون للعالم مشاهد فظائع عدوانها على المدنيين في لبنان والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين بقطاع غزة، بعد استشهاد مؤخرا ل3 صحفيين لبنانيين وجرح 3 آخرين بقصف إسرائيلي استهدف مقر إقامتهم في بلدة حاصبيا جنوب لبنان ، ليرتفع عدد الصحفيين الذي قضوا جراء القصف الإسرائيلي إلى 11 صحافيا منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وينضموا إلى قافلة شهداء الإعلام والكلمة الحرة .
حتما في حرب الإبادة المستمرة التي تمارسها إسرائيل ضد غزة ولبنان، يرسم التفاوت بين موقف العالم العربي وموقف الغرب صورة مأساوية للعجز، أو ما هو أسوأ من ذلك، التواطؤ الصامت.
ففي حين تزود الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إسرائيل بلا خجل ولا مواربة بالأسلحة والأموال والدعم اللوجستي والاستخباراتي والدبلوماسي، فإن الدول العربية، على الرغم من امتلاكها لأدوات سياسية واقتصادية هائلة تحت تصرفها، لم تفعل سوى القليل لمواجهة جرائم إسرائيل أو الضغط على داعميها الدوليين، مع تقديم بعض الدول مساعدات إغاثية للشعوب المنكوبة في غزة ولبنان .
ووفقا لذلك، فإننا نشهد مقاربة غير مقبولة بين المواقف الإنسانية والتقاعس من خلال توحيد موقف عربي فاعل ، بعيدا عن الإدانة والاستنكار، وهي المعضلة التي تسود في ضوء الخسائر البشرية المتزايدة لهذه الشعوب ، التي أصبحت تطالب بإرسال أكفان لدفن أمواتهم بكرامة ، ولم تعد تطالب بالمساعدات الإغاثية .. كما لم تعد تطالب بالمواقف الواهية، بقدر مطالبتهم بالحق في العيش الكريم بسلام وأمان على أرضهم كسائر البشرية في العالم .
وبعد كل هذه الجرائم اللانسانية والإبادة الجماعية والنزيف الدموي والدمار الشامل .. هل يمكن تسميتها بغير “الهولوكوست “أو فيه تسمية أخرى ممكن تروق للبعض ؟؟؟!!!