لأول مرة أشعر أنني غير قادرة على كتابة مقالتي عن الشأن التونسي ، وذلك لسبب أن دورية صدور المجلة شهريا ، يعني تصدر كل أول الشهر والاستحقاقات الإنتخابية الرئاسية بتونس ستجرى يوم 6 أكتوبر الحالي، وهذا ما يجعلني عاجزة عن استشراف الوضع بشكل واضح .. ولكن ما يمكن استخلاصه أن الرئيس المنتهية عهدته قيس سعيد فعل كل التجاوزات لتجديد عهدته بقوة السلطة لترسيخ حكمه الاستبدادي ، وجعل من مؤسسات الدولة تابعة له ، ومنح الامتيازات لمقربيه وعائلته بدون وجه حق ، وبدد أموال الدولة في استحداث المؤسسات الأهلية التي كان هدفها خدمته خلال الإستحقاق الانتخابي ، وعبث بالبلاد والعباد بشعبويته المقيتة وانعدام أي رؤية واستراتيجية وبرامج لإصلاح البلاد …
لنعود إلى الأحداث التي ستظل وصمة عار في تاريخ رجل مستبد فشل فشلا ذريعا في إدارة البلاد على كل المستويات وفي كل المجالات …
في الثاني من يوليو/تموز الماضي، أصدر قيس سعيد أمرا يدعو لانتخابات رئاسية مقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول .
وبعدها بيومين، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فتح باب الترشح، وقدم 17 مرشحا ملفاتهم رسميا، لكن الهيئة قبلت 3 فقط ورفضت 14، مما دفع 6 من المرفوضين، بينهم المرشح الأبرز المنذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي إلى الطعن أمام المحكمة الإدارية، التي أصدرت حكما باتا لإعادة المرشحين للسباق الرئاسي قانونيا ، حتى ولو تغيرت الرزنامة الانتخابية .
ورغم قرارات المحكمة الإدارية، تمسكت هيئة الانتخابات بالقائمة الأولية للمترشحين، وهو ما اعتبر سابقة قانونية أثارت جدلا سياسيا وقانونيا واسعا في البلاد، مما جعل الطعن في مصداقية ونزاهة واستقلالية الهيئة التي يترأسها فاروق بوعسكر الخادم المطيع لرئيسه المباشر الذي أكد رفض واستحالة تنفيذ القرارات المعلن عنها من قبل المحكمة الإدارية، وأعضاء الهيئة الذين أختارهم بنفسه قيس سعيد، والذين لا تتوفر فيهم مواصفات الاستقلالية والحياد والكفاءة ، حيث عملوا بشتى الطرق لقطع الطريق أمام المترشحين خاصة الجديين مثل المترشح المنذر الزنايدي ، رغم أن هذه القرارات نهائية ولا يمكن الطعن فيها بما أنها تصدر من أعلى سلطة بالبلاد .
وسعيا من بوعسكر إلى خدمة قيس سعيد واعطائه الفرصة لتجديد عهدته الثانية بكل أريحية، تم فرض مجموعة من القواعد التعسفية على الحملة الانتخابية مثل عدم السماح للصحفيين والملاحظين لمراقبة الاستحقاقات .
كل هذه المؤشرات أثبتت عدم نزاهة المسار الانتخابي بتونس ، حيث يسعى قيس سعيد للتجديد بقوة السلطة، بعدما وظف كل مؤسسات الدولة لخدمة حملته الانتخابية بالتخويف والترهيب تحت المراقبة الأمنية ، وبعدما صعدت السلطات حملات الاعتقالات القمعية ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان وكل من يخالف فكريا توجهات قيس سعيد، وقيدت عمل الصحفيين حتى في الإعلام العمومي، واتخذت خطوات لتقويض استقلال القضاء ، ووصل به الأمر إلى مطالبة مجلس نواب الشعب بتقديم مبادرة تشريعية لتنقيح القانون الإنتخابي ، وذلك قبل اسبوعين فقط من موعد الانتخابات الرئاسية ، تم تشريعها لإبطال قرارات المحكمة الإدارية واستبدالها بمحكمة الإستئناف كسلطة قضائية مضمونة للحاكم …
كيف يمكن لنا كشعب أن نقبل بإنتخابات شكلية صورية مزيفة ، معرروف نتيجتها مسبقا، في ظل منظومة لا تحترم ركائز الديمقراطية وسيادة القانون وتقوض المبادىء الأساسية للعدالة، وحاكم يتعامل مع شعبه بالاحتقار والتهميش وبث الفتنة والتفرقة ، في حال يتوجب عليه أن يكون جامعا لكل فئات الشعب .. ورغم ذلك فقد توحد الشعب ونزل للشارع في مسيرات متتالية بالآلاف ، قبل الاستحقاقات الانتخابية للمطالبة بحقهم في الحريات وفي انتخابات نزيهة وشفافة، ورفضهم للقمع والظلم واقصاء المنافسين السياسيين ، وذلك في قلب العاصمة التونسية وحتى في الخارج، وحملوا شعارات “ارحل يا دكتاتور”.. حقوق يرونها شرعية ويعتبرها نظام قيس سعيد خيانة وتآمر على الأمن القومي وممولة من جهات أجنبية …
حصيلة حكم قيس سعيد بالأصفار في كل المجالات .. نسبة نمو صفر فاصل .. مديونية ضخمة، ودولة على حافة الإفلاس .. الشعب جاع ولم يعد قادرا على العيش الكريم .. المواد الأساسية غير متوفرة في الأسواق ، وحتى الخبز( الباقات ) أصبح الحصول عليه بالصفوف أمام المخابز .. الماء والكهرباء يظلان غير متاحان للشعب فى بعض المناطق من الجمهورية، وخاصة المناطق النائية التي تعيش في ظروف مناخية قاهرة في فصل الصيف .. اتفاقيات مجهولة مع دول الإتحاد الأوروبي تجعل أكثر من مائة ألف من أفارقة جنوب الصحراء مستوطنين بتونس ، وهذا يمس بالأمن القومي .. تمرد على مؤسسات الجمهورية وقوانين الدولة من أستاذ سابق في القانون الدستوري جعل من تونس” دولة خارجة عن القانون “، كان يتوجب عليه أن يكون الضامن لوحدة شعبه وللدستور الذي حاكه على قياسه ومنحه كل الصلاحيات للعبث بالبلاد …
ومن هذا المنطلق واعتبارا لكل هذه الحقائق ووصولا لكل هذه الخروقات والتجاوزات ، سيكون قيس سعيد فاقدا للشرعية والمشروعية حتى ولو فاز بعهدة جديدة ، وسيترتب عن ذلك إدخال البلاد في منعرج خطير -لا سمح الله- بما أنه اعتبرها قضية ” بقاء أو فناء ” …
تونس ليست حقل تجارب .. وقصر قرطاج يستحق الأفضل
الكراسي زائلة والوطن باق .. الله يحفظ تونس