رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دأب خلال الأشهر الأخيرة على التمسك ببقاء الجيش في محور “فيلادلفيا” الفاصل بين قطاع غزة ومصر، وطرح ذلك كإستحقاق حاسم لضمان أمن تل أبيب، زاعما أن المحور يمثل “أنبوب أكسجين لحركة حماس التي توظفه لتهريب الأسلحة”.
مواقف نتنياهو الأخيرة أظهرت تشددا متصاعدا إزاء البقاء في محور فيلادلفيا، متحديا بذلك الموقف الأمريكي والإقليمي خاصة مصر التي رفضت الوجود الإسرائيلي هناك، فضلا عن معارضة الموقف الداخلي الذي يرى أن التمسك بهذا الشرط يأتي على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس” في غزة.
ووفق مراقبين، يشير موقف نتنياهو لوجود قناعة راسخة لديه بأهمية التواجد في هذه المنطقة، حيث عارض عام 2005 خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بما فيها “فيلادلفيا”، وقال الاثنين في مؤتمر صحفي إن خروجهم من المحور في ذلك العام كان “بمثابة فتح الطريق لدخول الأسلحة لحركة حماس”.
ويعتبر “فيلادلفيا” أحد أبرز نقاط الخلاف الراهنة، حيث يتمسك نتنياهو ببقاء الجيش الإسرائيلي فيه، بينما تصر حماس على انسحابه بشكل كامل من قطاع غزة.
ومساء الاثنين، زعم نتنياهو أن تحقيق أهداف الحرب في غزة “يمر عبر محور فيلادلفيا”، وشدد على أن الجيش لن ينسحب منه “على الإطلاق”.
ويتهم مسؤولون أمنيون والمعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى نتنياهو منذ أشهر بعرقلة إبرام إتفاق مع حماس، خشية انهيار ائتلافه الحاكم وفقدانه منصبه.
وبالمقابل، يهدد وزراء اليمين المتطرف، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها إذا قبلت باتفاق ينهي الحرب.
ومنذ مايو/ أيار الماضي شهد موقف نتنياهو إزاء مسألة “فيلادلفيا” تغيرات متواترة ارتبطت بالوضع الميداني بغزة ودخول الجيش إلى مدينة رفح (جنوب) وزعمه اكتشاف منظومة أنفاق في المنطقة ، حيث رصدت المواقف التالية :
– 27 مايو: صحيفة “يديعوت أحرنوت” قالت إن مقترح إسرائيل تضمن انسحاب قواتها من قطاع غزة بالكامل بما فيه محور فيلادلفيا وفق ما أوضحه الوسطاء لـ”حماس”، ولم يكن الجيش آنذاك يسيطر على المحور بالكامل بل على جزء منه يضم معبر رفح.
– 27 يوليو/ تموز: إعلام عبري قال إن نتنياهو قدم آنذاك ما يسمى “وثيقة التغييرات” حملت تحولا بالموقف الإسرائيلي في كافة قضايا المفاوضات وعلى رأسها “محور فيلادلفيا”، وأظهرت خرائط أرفقت بالمقترح “أنه في حين سيتم تقليص الوجود الإسرائيلي على طول محور فيلادلفيا، فإن القوات لن تنسحب بالكامل”، وفق ما نقله موقع “تايمز أوف إسرائيل” عن موقع “واينت”.
– 30 أغسطس/ آب: المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت” صادق على بقاء قوات الجيش في فيلادلفيا ضمن أي إتفاق مزمع لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ليتبنى بذلك رؤية نتنياهو التي أكد عليها في مؤتمر عقده الاثنين.
وكانت صحيفة “هآرتس” العبرية، قالت الثلاثاء إن نتنياهو أبلغ الوسطاء بإمكانية الانسحاب من محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر، قبل أن يتراجع بهدف “تعطيل الصفقة لأسباب سياسية”، ودون توضيح الزمن وحيثيات الحدث.
** موقف الأطراف من “فيلادلفيا”
يصر نتنياهو على تشبثه بالمحور، رغم رفض أطراف داخلية لذلك، فضلا عن معارضة الإدارة الأمريكية ومصر وقطر.
الأطراف الداخلية تطالب بالانسحاب من المحور من أجل الوصول لصفقة تبادل أسرى وليس وقف إطلاق نار نهائي، باعتقادهم أن الانسحاب يعرقل حدوث الصفقة.
فعلى المستوى السياسي قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن “الانسحاب من محور فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى من الصفقة لن يمثل مشكلة أمنية لإسرائيل.. ولا إتفاق لتبادل الأسرى دون الانسحاب منه”.
فيما قال رئيس حزب “معسكر الدولة” المعارض بيني غانتس، في تصريح الثلاثاء، إن المحور “لا يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل، ويمكننا الانسحاب منه والعودة إن اقتضت الضرورة”، لإعادة الأسرى أحياء.
وعلى مستوى المنظومة الأمنية المتمثلة بالجيش وجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” وجهاز المخابرات “الموساد”، ترى أن لا ضرورة ماسة للاحتفاظ بمحور فيلادلفيا بما يشكل عقبة أمام صفقة تعيد الأسرى أحياء.
وعلى صعيد مصر، فإنها ترفض تواجد إسرائيل بمعبر رفح و”فيلادلفيا”، قائلة إنها تدير الوساطة بما يتوافق مع أمنها القومي، وفق ما نقلته قناة “القاهرة الإخبارية” نقلا عن مصدر “رفيع المستوى” في 26 أغسطس.
وعن الموقف الأمريكي، قال متحدث مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي الثلاثاء إن “الرئيس (جو) بايدن يشارك شخصيا في العمل مع الفريق لتأمين الصفقة.. لن نتجادل مع نتنياهو حول ما قاله عن محور فيلادلفيا”.
وأردف كيربي بالقول: “الاقتراح والوساطة يشملان إخراج قوات الجيش الإسرائيلي من المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك محور فيلادلفيا، وإسرائيل وافقت على ذلك”.