الإنتخابات الرئاسية التونسية المزمع إجرائها في نهاية أكتوبر 2024 ، مع نهاية عهدة الرئيس قيس سعيد ، هي الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في تونس والثالثة بعد ثورة يناير ، سيتم فيها إنتخاب رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها 5 سنوات حسب ما ذكره الفصل التسعون من الدستور.. هذا الإجراء الدستوري المعمول به ، لكن ما هو معروف أنها ستكون إنتخابات في ظروف غير طبيعية ، وفي ظل تمسك قيس سعيد بالسلطة بما أنه ينوي تجديد عهدته .
حتما من حقه أن يترشح لكن ليس من حقه توظيف كل مؤسسات الدولة في خدمته لتعزيز موقعه ، وحتى أن الهيئة المستقلة للانتخابات التي ستشرف على تنظيم هذا الإستحقاق الرئاسي أصبحت غير مستقلة وتعمل تحت أمرته وبالتحديد من قصر قرطاج ، ولم يعد هناك أي فصل بين السلطات …
تنتهي عهدة الرئيس الحالي قيس سعيد في نهاية أكتوبر 2024 ، في ظل عهد حصلت فيه عدة محطات مفصلية بتاريخ تونس منها مسار 25 جويلية الذي من خلاله تم تجميد البرلمان وإجراء إستفتاء على تغيير الدستور ومحاسبة الأغلبية تحت بند تطهير البلاد .. كل ذلك كان مطلب أغلبية الشعب ، ولكن في المسار الموازي لم يحصل أي إنجازات وإصلاحات لإنقاذ البلاد التي تمر بظروف صعبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيًا ، خاصة بعد تسلل المهاجرين غير الشرعيين من جنوب صحراء افريقيا والذين أصبحوا يهددون الأمن القومي والسلم الأهلي لتونس ، بعد كل الجرائم والتجاوزات والأوبئة التي انتشرت في أغلب المدن التونسية وخاصة بالجنوب التونسي.
تميزت هذه الفترة في ظل حكم الرئيس قيس سعيد بالخطاب المتشنج والاتهامات بالعمالة والخيانة لمعظم الخصوم السياسيين له المتمسك بمشروعه السياسي المبهم ، والذي لا يمت بأي صلة بالديمقراطية ولا بحرية الرأي التي أصبحت مكبلة بمرسوم 54.
ومن الواضح جليا أن قيس سعيد بدأ في محاولة ايجاد ثغرات لتعطيل مسار الاستحقاقات الانتخابية ولإقصاء خصومه السياسيين ، وحتى يوم زيارته لضريح الزعيم الحبيب بورقيبة -رحمه الله – بمناسبة ذكرى وفاته صرح تصريحا موجه لكل الخصوم إنه لن يسلم الدولة إلا للوطنيين ، وكشعب لم نفهم ما هو مقياس الوطنية بالنسبة له، حيث نرى أنه موقفا حاسما من كل الطبقة السياسية التي نعتها بالفاشلة والفاسدة والمرتمية في أحضان القوى الدولية والمتآمرة على أمن الدولة ، وبالتالي أعتبرها حرب بقاء أو فناء …
فالمسألة بالنسبة لقيس سعيد تتجاوز كونها محطة إستحقاقات انتخابية تتم في كنف الديمقراطية وبمفهوم التداول على السلطة ، بل أصبحت حرب وجود لشخصه المتمسك في البقاء بقصر قرطاج بكل الوسائل والأساليب رغم فشله خلال الخماسية للحكم بسبب إفتقاره لمشروع سياسي واقتصادي وإستراتيجية عمل ورؤية لإيجاد حلول لإنقاذ البلاد المفلسة التي سجلت معدل ديونها الخارجية ارتفاعا بنسبة 163 % أي بتوقعات وصولها إلى مبلغ 140 مليار دينار تونسي ، حسب بيانات البنك المركزي ، في عام 2024 ، علاوة على ارتفاع نسبة التضخم وغلاء المعيشة وضعف النمو الاقتصادي وانعدام التنمية والإصلاحات …
الوصول إلى قصر قرطاج وإدارة البلاد ليس مثل ما يقال بلهجتنا التونسية ” تعلم الحجامة في رؤوس اليتامى” وتونس ليست حقل تجارب .. والقيادة ليست نزهة وكلام وخيال وشعبوية رخيصة لا تسمن ولا تغني عن جوع .. القيادة هي إنجازات وأرقام ملموسة .. ومن يتأهل لهذا الإستحقاق يتوجب عليه أن يتوفر فيه عدة معايير تمكنه من حسن الإدارة والحوكمة الرشيدة ، وكما يجب أن يكون رئيسا لكل التونسيين ، يجمع ولا يفرق ، وأن لا يشيطن تاريخ تونس بما له وما عليه …
من الواضح أن قناعة قيس سعيد وتصوره للمعركة السياسية أن يكون متمسكا بكرسي قرطاج ، وهذا خارج تقاليد السياسة والفلسفة الديمقراطية ، والذي يحظى من خلاله على راتب قدره ثلاثون ألف دينار شهريا في دولة مفلسة ، وحتى في عهده وصلت ميزانية رئاسة الجمهورية ل200 مليون دينار تونسي ، بعدما كانت في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي- رحمة الله عليه- 63 مليون دينار تونسي فقط ، علاوة على كل الإمتيازات التي يحظى بها وكل السلطات التي تفرد بها .
لقد بات واضحا أن البلاد دخلت في منعطف خطير لا يمكن تخيل مساره وتداعياته ، لكن من الواضح أيضا أن البلاد دخلت في مرحلة الترتيبات لمرحلة مقبلة مع قيس سعيد أو بدونه ، تخضع لموازين القوى في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم ..
وردا على ما قاله الأستاذ قيس سعيد” إما بقاء أو فناء “، نقول إما انتخابات في ظروف طبيعية تجرى في كنف الديمقراطية والحرية والشفافية وتحت مراقبة المنظمات الدولية من خلال ممارسة حقنا الدستوري ، وإما فلا إنتخابات صورية ولا لتبذير المال العام …
ولا عاش في تونس من خانها
وتحيا تونس