في مواقف نادرة، إنتقد مسؤولون غربيون حاليون وسابقون المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين بقطاع غزة، بل وطالب بعضهم بفرض عقوبات على تل أبيب، ما يعكس بداية تآكل الدعم الغربي المطلق لإسرائيل أمام فظاعة مشاهد آلاف الأطفال الذين يقتلون بلا رادع في غزة.
أكثر المواقف الغربية جرأة في إنتقاد تل أبيب جاء من عاصمة الإتحاد الأوروبي بروكسل، حيث طالب رئيس الحكومة البلجيكية ألكسندر دي كرو، وقبله نائبته بيترا دي سوتر، بفرض عقوبات على إسرائيل.
وتعتبر بلجيكا أول دولة في الإتحاد الأوروبي تبدي رغبتها في فرض عقوبات على إسرائيل، لكنها ليست الوحيدة.
رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستور، وجه إنتقادات شديدة لإسرائيل دون أن يطالب بفرض عقوبات عليها، وقال إنها انتهكت “بشكل واضح قواعد الحرب أو القانون الإنساني”.
لكن أول مسؤولة أوروبية كانت لها الشجاعة لطلب فرض عقوبات دولية على إسرائيل كانت وزيرة الحقوق الإجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا.
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، وتحت ضغط المعارضة في البرلمان، أعرب عن قلقه من الهجوم الإسرائيلي على مخيم جباليا، وإعتبر أن “حياة كل فلسطيني مهمة بنفس قدر حياة كل إسرائيلي”.
كما إنضم لهؤلاء المسؤولين الأوروبيين، شخصيات أخرى تولت مناصب قيادية في دول غربية على غرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيليبان، اللذان إنتقدا القصف الإسرائيلي المروع على سكان غزة.
ورغم أن هذه الشخصيات داعمة لإسرائيل، وتعتقد بأن لتل أبيب حق الدفاع عن النفس ضد هجوم حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنها تعتقد أن “الرد الإسرائيلي تجاوز الحدود بكثير”.
ـ بلجيكا تقود حراكا أوروبيا
ما كان يقال همسا وفي غرف مغلقة، أصبح مطلبا معروضا للنقاش على طاولة الإتحاد الأوروبي، في إجتماع لوزراء خارجية أعضائه المرتقب في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لبحث “الحرب بين إسرائيل وحماس”.
وحث رئيس الوزراء البلجيكي الدول العضوة في الإتحاد الأوروبي بفرض عقوبات مشتركة لمنع الإسرائيليين “المتطرفين” الذين يدعون إلى العنف ضد الفلسطينيين من زيارة أوروبا.
وقال دي كرو، في كلمة أمام البرلمان، “يجب على بلادنا ضمان منع أولئك الذين يرتكبون جرائم خطيرة، على سبيل المثال أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف في الضفة الغربية، من دخول بلادنا ودول الاتحاد الأوروبي”.
ولوح المسؤول البلجيكي بفرض عقوبات على وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي دعا لإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، قائلا “وزير يدعو إلى إستخدام الأسلحة النووية ضد شعب لا يستطيع فعل أي شيء، ويعيش اليوم في ظروف مروعة”.
لكن نائبة رئيس الوزراء البلجيكي حثت في تصريح صحفي على فرض عقوبات أشد تتجاوز ما إقترحه دي كرو أمام البرلمان، حيث دعت دي ستور الإتحاد الأوروبي إلى تعليق إتفاق الشراكة مع إسرائيل فورا”، وفرض حظر على إستيراد المنتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى منع المستوطنين الذين ينتهجون العنف، وكذلك السياسيين والجنود المسؤولين عن جرائم الحرب، من دخول الإتحاد الأوروبي.
ولم تنس المسؤولة البلجيكية التأكيد على ضرورة التحقيق في قصف إسرائيل للمستشفيات ومخيمات اللاجئين في غزة، وقالت إن ذلك “يشكل جريمة حرب وهو أمر غير مقبول إطلاقا”.
لم يكن أي تصريح لمسؤول أوروبي قاسيا على تل أبيب، أكثر من تصريحات وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، التي دعت الدول الأوروبية إلى فرض أربع عقوبات على إسرائيل.
وتتمثل هذه العقوبات، في “قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب”، و”فرض العقوبات الإقتصادية بشكل حاسم”، و”حظر الأسلحة” و”تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
الوزيرة الإسبانية، التي تنتمي لحزب بوديموس (أقصى اليسار)، لم تكن الوحيد في حكومة تصريف الأعمال التي يقودها بيدرو سانشيز (يسار)، في إنتقادها لما وصفته “محاولة الإبادة الجماعية” لسكان غزة، بل إنضم إليها وزير حماية المستهلكين، ألبرتو غارزون، من حزب اليسار المتّحد، الذي وصف القصف الإسرائيلي على غزة بأنه “همجية محضة”.
وقال غارزون، إن “الهجوم العنيف والعشوائي ضد السكان المدنيين هو عقاب جماعي ينتهك بوضوح القانون الدولي. وما تفعله حكومة إسرائيل هو همجية محضة”، حيث إعتبر أنه من “الخطير أن هذا يصدر عن دولة تسمي نفسها ديمقراطية وتحتل أراضي فلسطين دون عقاب منذ عقود”.
سانشيز، ورغم دعمه الصريح لتل أبيب، إلا أنه دافع عن حق أعضاء بحكومته في التعبير بحرية عن أرائهم، بعدما دعته السفارة الإسرائيلية لدى مدريد، في بيان رسمي، للتنديد وإدانة “بشكل لا لبس فيه هذه التصريحات المخزية”، ملوحة بورقة “معاداة السامية”.
ورفضت الحكومة الإسبانية “بشكل قاطع مجافاة الحقيقة في بيان السفارة الإسرائيلية فيما يتعلق ببعض من أعضائها، ولا تقبل تلميحات إليهم لا أساس لها”.
وأوضحت الحكومة “في ديموقراطية كاملة على غرار إسبانيا، يمكن لأي مسؤول سياسي أن يعبر بحرية عن مواقفه بصفته ممثلا لحزب سياسي”.
لكن هذا النقاش، يشكل ضغطا إضافيا على سانشيز، لدعم مواقف أكثر صرامة من إسرائيل ضمن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنه رفض علانية تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، وصوتت حكومته لصالح وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن دعمه لإقامة دولة فلسطين.
بعد أن كان أغلب الزعماء الأوروبيين لا يتجرؤون على إنتقاد إسرائيل في العلن، أصبح أكثر من مسؤول يعبر من موقفه من قتل الأطفال في غزة، وبينهم الرئيس النرويجي يوناس غار ستور.
ففي مقابلة إذاعية، إعتبر الرئيس النرويجي، أن إسرائيل تجاوزت قواعد القانون الدولي الإنساني في حربها عبر ردها “غير المتكافئ” على هجوم حماس.
لكن رغم ذلك لم يطالب الرئيس النرويجي بفرض أي عقوبات على تل أبيب، وركز إهتمامه على كيفية إيصال المساعدات الطارئة إلى قطاع غزة المحاصر، قائلا إن “عدم وصول المساعدات “ينتهك بشكل واضح قواعد الحرب أو القانون الإنساني”.
والمفارقة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعم القوي لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، بدأ يتراجع عن مواقفه المتشددة ويوجه إنتقادات لاذعة لتل أبيب عندما طالبها بالتوقف عن قتل النساء والأطفال في غزة، وحث قادة الولايات المتحدة وبريطانيا للإنضمام لدعوات وقف إطلاق النار في غزة، دون أن يجرؤ على طلب معاقبتها.
رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان، المعروف بدعمه هو الآخر لتل أبيب، إعتبر في تصريح صحفي أن رد الفعل الإسرائيلي “غير متناسب” مع هجوم حماس، حيث قال إن “الدفاع عن النفس ليس حقاً عشوائياً للقتل”.
دوفيلبان، الذي شغل أيضا منصب وزير الخارجية، شدد على أن “سياسة القصف المكثف للسكان المدنيين تتعارض مع القانون الدولي.. ولن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وإنعدام الأمن”.
وتصاعد الإنتقادات الغربية لإسرائيل من أقرب حلفائها يهدد بفقدانها الدعم المطلق ولا محدود لحربها ضد الفلسطينيين بمن فيهم سكان الضفة الغربية، وهذا ما حذر منه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
إذ يرى أوباما أن “إجراءات من قبيل قطع إمدادات الغذاء والماء عن قطاع غزة، قد تقود إلى تصلب المواقف الفلسطينية على مدى أجيال، وتضعف الدعم الدولي لإسرائيل.
لكن إسرائيل فعليا بدأت تفقد الدعم الدولي لسياساتها، ويتجلى ذلك من خلال تصويت 120 دولة لصالح وقف إطلاق النار مقابل رفض 14 دولة بينها الولايات المتحدة.
وإستدعاء كل من كولومبيا وتشيلي سفيريهما من تل أبيب، وقطع بوليفيا علاقاتها معها، يعكس المأزق الدولي الذي وقعت فيه، مع إستمرارها في قصف المدنيين وقتل الأطفال وقصف المستشفيات .