كشفت الجلسة القضائية المخصصة للنظر في ملف إغتيال القيادي اليساري التونسي شكري بلعيد عن تطورات جديدة، أهمها إتهام القاضي المعزول بشير العكرمي بالتأثير على سير القضية، والتستر على متهمين رئيسيين في هذا الملف، وهو ما عبّرت عنه هيئة الدفاع عن بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين تعرضا للإغتيال سنة 2013، عندما كانت حركة النهضة تتزعم المشهد السياسي التونسي.
ودارت الجلسة القضائية مؤخرا بمقر المحكمة الإبتدائية بالعاصمة التونسية تحت حراسة أمنية مشددة، وتم إحضار 4 متهمين في قضية الإغتيال، التي جرت في السادس من فبراير (شباط) 2013، من بينهم محمد العوادي قائد الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة المحظور، في حين لم يحضر بقية المتهمين للرد على الإتهامات الموجهة لهم، بعد أن رفضوا مغادرة غرفة التوقيف بالمحكمة، والمثول أمام القضاء التونسي.
وقدّم ممثل النيابة العامة مطلبين إلى هيئة المحكمة، الأول يتعلق بأحد المتهمين تبين أنه توفي، والثاني يتعلق بمتهم آخر يدعى قيس الظاهري تبين أنه غادر السجن، وبالمناداة على المتهمين المحالين بحال سراح حضروا جميعاً. غير أن المحكمة قررت تأجيل النظر في ملف القضية إلى 15 من ديسمبر المقبل، بعد أن تبين أن تركيبة المحكمة غير مكتملة، بسبب الحركة القضائية الأخيرة، وإنتقال عدد من القضاة للعمل في محاكم أخرى.
وقالت صبيحة بالطوزية، عضو هيئة الدفاع عن بلعيد، إن القضاء أنجز معظم الطلبات التحضيرية التي طلبتها الهيئة، ومنها إجراء جميع الإختبارات الباليستية على السلاح المستعمل في عملية الإغتيال، والإستماع لقيادات أمنية عليا بوزارة الداخلية، ومعاينة الغرفة السوداء التي تتهم قيادات من حركة النهضة بإتلاف وثائق عدة مؤثرة على سير هذا الملف القضائي.
تونس .. فرار خمسة سجناء مصنفين “خطرين” بينهم مدان في قضية إغتيال شكري بلعيد
يذكر أن شقيق شكري بلعيد قد إستبق هذه الجلسة القضائية بتوجيه إتهام إلى بشير العكرمي، القاضي المعزول والموقوف في السجن، أكد من خلاله وجود إتفاق بين سائق الدراجة النارية التي أقلت منفذ عملية الإغتيال، كمال القضقاضي، مشيراً إلى إعتراف السائق بوجود إتفاق بينه وبين القاضي المعزول بأن يتحمل كل إتهامات القضية، مقابل إخراجه من السجن، وهو إتهام لم يؤكده أي مصدر مستقل.
لكن حمادي الزعفراني، محامي بشير العكرمي، قال إنه سيقدم شكوى قضائية ضد شقيق شكري بلعيد، بتهمة نشر معلومات زائفة للتأثير على سير القضاء، مؤكداً أنها إتهامات لا يمكن تصديقها لأن أي قاضٍ تونسي لا يعقل أن يعقد صفقات مع المتهمين، على حد تعبيره.
وكان شقيق الضحية قد أكد أن سائق الدراجة النارية التي نُفذت بواسطتها عملية الإغتيال، لاحظ دخول أغلب قيادات النهضة للسجن، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، إضافة للقاضي بشير العكرمي الذي وعده بالإفراج عنه، فقرر تغيير موقفه والكشف عن معطيات جديدة في هذه القضية.
ويقبع القاضي بشير العكرمي، الذي تعهد سابقاً بالكثير من الملفات الإرهابية، بما فيها ملفات الإغتيال، في سجن المرناقية (غربي العاصمة)، وقد أثار توقيفه جدلاً واسعاً في تونس، بعد أن دخل حينها في نوبة هستيرية فرضت نقله لمستشفى الرازي للأمراض العقلية قبل إعادته للسجن.
وكان الرئيس قيس سعيد قد اتهم العكرمي بالتستر على نحو 6 آلاف ملف على علاقة بالعمليات الإرهابية، وهو ما نفاه القاضي، قائلاً إن سجنه هو جزء من تصفية حسابات سياسية مع قيادات حركة النهضة.
من جهة آخرى ، وفي حادث نادر من نوعه بالنسبة للبلاد، أفاد بيان لوزارة الداخلية التونسية اليوم الثلاثاء أن خمسة سجناء مصنفين “خطرين” فروا من سجن قريب من العاصمة ، حيث نشرت الوزارة صور السجناء الهاربين، ودعت المواطنين إلى إبلاغ الشرطة عند رؤيتهم لمنع وقوع “أعمال إرهابية”.
في هذا السياق، أكدت الوزارة أنه تم إشعار جميع الوحدات الأمنية بضرورة تكثيف البحث والتقصي والتفتيش السريع قصد القبض على الفارين الذين يشكلون موضوع أحكام سجنية تتعلق بقضايا إرهابية في في أقرب الآجال.
من بين الخمسة الفارين أحمد المالكي الذي حكم عليه بالسجن 24 عاما في قضايا إغتيال السياسيين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.. والمالكي المعروف بإسم “الصومالي” تصنفه تونس على أنه “إرهابي خطير للغاية”.
أما رائد التواتي، أحد الفارين الآخرين، فهو متهم بذبح شرطي عام 2014 في جبال الشعانبي قرب الحدود الجزائرية.
وقد أصدرت محكمة تونسية هذا العام حكما بالإعدام على التواتي بعد إلقاء القبض عليه في 2019 ، وتقول مصادر أمنية إنه متورط أيضا في “أعنف الهجمات الإرهابية” التي هزت البلاد في العقد الماضي.
وتقول مصادر أمنية إن عناصر قليلة من فلول تنظيمي “الدولة الإسلامية” والقاعدة لا تزال تنشط في الجبال القريبة من الحدود مع الجزائر.
ويعد “السجن المدني بالمرناقية” من أهم وأكبر السجون في البلاد، ويضم أخطر المجرمين الضالعين في قضايا حق عام وجهاديين فضلا عن معتقلين سياسيين معارضين للرئيس قيس سعيّد.