لا تزال الأحداث الجسام التي تشهدها الدول الإفريقية -رفضا للهيمنة الاستعمارية القديمة- هي الحدث الأبرز ، وتبارى المحللون وأساتذة السياسة في الكشف عن مغزاه، وقراءة تداعياته على المشهد الدولي …
للعودة إلى الثورات العسكريّة التي إجتاحت إفريقيا خلال الأشهر الماضية والتي أطاحت برؤوس أنظمة الفساد والتبعيّة لفرنسا والغرب، وإنحازت إلى الشّعوب المسحوقة بهدف تعزيز سيادتها وحماية ثرواتها، وفق قمّة أولويّاتها .. هذه الثورات، لو أنها جاءت متأخرة ، فقد إلتفّت حول جنرالاتها مُعظم الشعوب، بإعتبارهم قادة إنقاذ وليسو إنقلابييون بسبب كراهيّتهم للمستعمر القديم الذي مازال له نفوذ على مدى عُقود في معظم الدول الإفريقية من خلال قواعدهم العسكرية وسرقة ثروات الأفارقة الذي يعيش معظم شعوبهم في الفقر والبؤس والتخلف …
حتما هذه الثورات التي حصلت تباعا في عدة دول إفريقية ستجتثّ بقايا الإستعمار وتعيد كرامة الشعوب والسيادة لأوطانهم ، وبذلك تُنهي التبعيّة وتُنقذ ثروات البِلاد من سرقاته .. وبالتالي تُطيح بأنظمة الفسَاد التي حظي مُعظمها بدعمه، تحت مُسمّى “حُكم الديمقراطيّات الناشئة “.
عدة إنقلابات عسكريّة تفجّرت في دُولٍ إفريقية في غُضون عامَين على الأكثر، في مالي، غينيا، النيجر، بوركينا فاسو، الغابون ، جاءت معظمها بهدف التّصحيح وليس لإستِيلاء من قِبَل قادتها على الحُكم ، رغم أنها إختلفت في تفاصيلها في سياق خصوصية كل بلد لكن توافقت على السعي لإكتمال الإستقلال الوطني ، وحتما المقصود بالتّصحيح هو إسقاط أنظمة فاسدة وصلت إلى سدّة الحُكم بالتّزوير والفساد والدّعم الخارجي والفرنسيّ على وجْه الخُصوص، وإلّا لما إنحاز الشعب لصفّها، ودعم تحرّكها بالصّورة التي شاهَدناها.
هذه التحركات العسكريّة الإفريقيّة التي قادها جِنرالات كانوا مقربون من رأس النظام ، تمكنوا من الإطاحة بالأنظمة العميلة لفرنسا في مالي وبوركينا فاسو، والنيجر، وأخيرًا في الغابون، هُم من أبناء الشعب ولم يتحرّكوا على ظهْر دبّاباتٍ أمريكيّة أو بريطانيّة أو فرنسيّة، تنفيذًا لأوامِر مُشغّليهم، وإنّما بدافعٍ من أنينِ وآلام شُعوبهم وجُوع أطفالهم والفقر المدقع التي تعيشه شعوبهم رغم ثرواتهم الهائلة ، تُجَسِّد “الربيع الإفريقي ” الوطنيّ المُسلّح، وليس مِثل “ربيعنا العربيّ” الزّائف المُزوّر الذي بَذرت بُذوره كونداليزا رايس وأشرفت على تنفيذه السيّدة الأُخرى هيلاري كلينتون بتعاونٍ مع بعض فصائل الإسلام السياسيّ ونفذته أدوات رخيصة من الداخل ، وبلغت نفقاته ترليونيّ دولار ومِئات آلاف الشّهداء والمشردين في كل أصقاع الأرض .. ولهذا جاءت النتائج كارثيّة، عُنوانها الأبرز الفوضى الخلاقة والتّجويع ونهبِ المالِ العام والثروات …
فما خسرته فرنسا في إفريقيا أكبر بكثير من مناجم الذهب واليورانيوم وغيرها من الثروات .. فقد خسرت فرنسا الكثير من هيبتها وتاريخها الإستعماري ونفوذها، بلا شك خسرت إستراتيجيا وعسكريا وسياسيا .. وحتما الأمور لن تعود أبدا كما كانت …
كلها مسألة وقت .. العالم يتغير بسرعة وعقارب الساعة لن تعود إلي الوراء والجميع فهموا الدرس .. أن فرنسا لازم أن تغير سياستها وتعاملها مع الدول الإفريقية التي لن تسامح أبدا مستقبلا في المس من سيادتها وإبتزازها بثرواتها مقابل علاقات دولية إستراتيجية ودية .
فمن يظن أن سقوط الأنظمة والإنقلابات ستنحصر في إفريقيا السوداء فهو واهم .. حتما نظام عالمي جديد يتشكل وتغييرات في التوازنات السياسية دوليا .. إنّها مرحلة التحرير الثانية والنهائيّة التي تعيشها القارّة الإفريقيّة .. التّحرر من التبعيّة وإعادة السّيادة والسّيطرة على ثروات القارّة، ووقف النّهب المُستمر مُنذ 70 عامًا لثرواتها تحتَ غِطاءٍ من الحُكومات اللمتواطئة وقادة الحكم من أجل الكرسي والإستمرار في الحكم ولو كان على حساب الإستقلالية والسيادة .