مع إقتراب موعد انعقاد القمة العربية في الرياض (19 مايو/ أيار المقبل) لا يزال التباين قائماً في مواقف الدول العربية تجاه مسألة عودة سوريا إلى الجامعة، وحضورها القمة المرتقبة بصورة تثير الشكوك في إمكانية عودة دمشق إلى الجامعة على الرغم من الجهود الكبيرة والتحركات المكثفة التي شهدتها الشهور والأسابيع القليلة الماضية من أجل تحقيق هذا الهدف .
إنطلقت الجهود لعودة سوريا إلى الجامعة العربية في سياق عام من الإدراك المتزايد لدى أشقائها العرب، وفي المنطقة عموماً لضرورة التوجه نحو حل الصراعات والخلافات البينية والإقليمية، وتركيز الجهود على مواجهة تحديات التنمية والبناء، في ظل الصراعات الدولية العاصفة المعروفة.. وفي هذا السياق رأينا تصفية الخلافات الخليجية – الخليجية، والتقارب العربي- التركي بعد سنوات من الخلاف، وأخيراً الإتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين، بما له من إنعكاسات إيجابية عربية، وعربية إيرانية .
وبعد سنوات من تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية والقطيعة العربية الواسعة معها، والدمار الشامل الذي لحق بها، بسبب الحرب الإرهابية الدولية ضدها، والحصار الأمريكي والعربي الشامل لها، بدأت الدول العربية تباعاً تدرك خطورة الثغرة التي ألحقها تدمير سوريا وحصارها بالأمن القومي العربي، وهول المعاناة التي تعرض لها شعبها ، وبدأت تتوالى زيارات المسؤولين العرب إلى دمشق، وعودة المسؤولين السوريين لزيارة البلدان العربية.. وكانت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وسوريا خطوة مهمة في هذا الصدد …
وبناء على التقدم الذي تحقق رأى عدد من الدول العربية في مقدمتها الإمارات الجزائر والعراق ضرورة دعوة سوريا لحضور حينها قمة الجزائر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لكن الإقتراح إصطدم بمعارضة دول عربية.. وكان واضحاً أن الظروف لم تنضج يومها بعد لعودة دمشق إلى الجامعة وحضور القمة .
والآن إنتعشت الآمال في عودة سوريا العاجلة إلى الجامعة العربية وحضور قمة الرياض، إستجابة لما يشبه الإجماع العربي الرسمي والشعبي، وتفاؤلاً بالتطور الذي طرأ على الموقف السعودي تجاه هذه القضية، وخصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق لأول مرة منذ 12 عاماً، وإجتماعه بالرئيس بشار الأسد، والحديث عن دعوته لزيارة الرياض بعد عيد الفطر .
إلا أنه كما هو معروفاً أن ثلاث دول عربية على الأقل تعارض عودة سوريا إلى الجامعة، وحضورها قمة الرياض، ولديها مواقف معلنة في هذا الصدد، وهي: قطر والكويت والمغرب .
وكان رئيس الوزراء القطري قد صرّح بأن الحديث عن عودة سوريا هو «مجرد تكهنات»، وأن «أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة» ولدى الكويت موقف مشابه.. أما المغرب فهي تعترض على عودة سوريا، نظراً لموقفها الداعم للبوليساريو.. وهي قضية شديدة الحساسية بالنسبة للرباط .
وبناء على كل ما سبق، فقد دعا وزير الخارجية السعودي وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن إلى إجتماع في جدة، للتشاور حول مسألة عودة سوريا للجامعة، وحضورها قمة الرياض إضافة إلى عدد من القضايا العربية الأخرى 14 إبريل/ نيسان الجاري، وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً بإسم إجتماع لم يتضمن أية إشارة إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولا إلى حضورها قمة الرياض. وإنما تحدث عن «تبادل الوزراء لوجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل حل سياسي للأزمة السورية».. وأكد البيان أنه لا حل للأزمة السورية إلا من خلال الحل السياسي. كما أكد أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، كما أكد الوزراء أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم وإنهاء معاناتهم .
كما شدد الوزراء على أهمية مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالمحافظة على سيادة سوريا على أراضيها، لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن السوري .
وقد علق وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على البيان بقوله : «إن سوريا لا تمانع في التضحية لبعض الوقت، لإعادة لم الشمل العربي، ولا يمكن لسوريا أن تكون مسؤولة عن التفرقة بين البلدان العربية»
وفي هذا السياق مؤكد أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليست وشيكة، وأنها لن تحضر قمة الرياض.. وأن الظروف العربية لم تنضج بعد لتحقيق هذا الهدف.