ضمن البرامج البحثية لمركز تريندز للبحوث والإستشارات في دراسات الإسلام السياسي، أصدر المركز دراسة جديدة بعنوان: «أوجه التشابه بين الإخوان المسلمين وإخوان الصفا.. تعاليم ورسائل سياسوية بإسم الدين»، تتناول أوجه التشابه بين الإخوان المسلمين وإخوان الصفا وترصد الأوجه في بعض مراحل الجماعتين.
وتندرج الدراسة ضمن ما نسميه في مركز تريندز للبحوث والإستشارات بإسم “الإسلامويات التطبيقية”، والتي تهدف إلى البحث عن “أوجه التشابه بين الإسلاموية، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، وبين التنظيمات والأفكار الإشكالية القديمة والمعاصرة؛ وذلك من أجل فَهْمٍ أفضل لتنظيمهم وخطابهم وسلوكياتهم على أرض الواقع ودينامياتهم الداخلية ومدى خطورتهم على المجتمعات، واستشراف مآلهم”.
وبينت الدراسة التي أعدها الدكتور وائل صالح، الخبير بإدارة دراسات الإسلام السياسي، أنه بالرغم من أن هناك أوجه تشابه، رغم أن هناك كثيرًا من الباحثين الذين يرون أنه شتان ما بين الجماعتين ، فإن فِكْر إخوان الصفا – بالنسبة إليهم – هو الأكثر إستنارة في التراث العربي، وأن إخوان الصفا لهم فلسفة ورؤية أكثر عمقًا من أيديولوجيا الإخوان المسلمين، وأن السياق له دور في إحداث فرق هائل قد يصل إلى درجة التعارض بين إخوان الصفا وبين إخوان العصر الحالي (الإخوان المسلمين).
وأضافت الدراسة أن أهم أوجه التشابه بين جماعتي الإخوان المسلمين، وإخوان الصفا تتمثل في أن كُلًا منهما إستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية، ولتحقيق ذلك جمع كُلٌّ منهما بين نظام المراتب لتصنيف منتسبيه من حيث درجة الأهمية والدور، وإعتبر كُلٌّ منهما – بطريقته – أن الإمامة أو الخلافة الشرعية أصل من أصول الدين، وليست فرعًا من فروعه.
وذكرت الدراسة أنه يتبيّن أن العقيدة الدينية لدى كُلٍّ منهما تلعب دورًا مثيلًا للدور الذي تلعبه الأيديولوجيا الثورية في الفكر السياسي المعاصر، حيث يسعى كُلٌّ منهما إلىمحاولة تغيير صورة المجتمع السياسي، وتكون البداية عن طريق عدم العنف، ثم تصل إليه مع مرور الوقت.. مشيرة إلى أن كُلا منهما إعتمدت على الدعوة السرية والتَّقِيَّة وصوْن الأسرار، بإعتبارها رُكْنًا أساسيًا في عملهما على الأرض.. كما أن كُلًّا منهما تؤثر بالأفكار التي كانت سائدة في عصرهما، وبالأفكار التي سبقتهما في التاريخ العربي الإسلامي.
وأوضحت الدراسة أن جماعة “الإخوان المسلمين” و” إخوان الصفا”عادة ما تُصنف كل منهما الفاعلين الآخرين في الحياة السياسية والدينية إلى شرعية وغير شرعية، وإلى إسلامية وغير إسلامية. وكُلٌّ منهما إعتمد على نظام الخلايا، وعلى فكرة الطاعة التي لا تقف عند التضحية بالمال والجهد فحسب، بل تمتد إلى التضحية بالنفس.
وبينت أن من أوجه الشبه كذلك شروط الدعوة للعضوية لدى كُلٍّ من الجماعتين، لا سيّما من حيث تفضيل ضم الشبان والفتيات، مع عدم غلق الباب أمام الشيوخ.. وغني عن الذكر أن كُلا من الجماعتين قد تعاونت مع الجماعات الأخرى – الأكثر تطرفًا – في فترة من فترات تطورها.
وذكرت الدراسة أن تسييس أي حركة فكرية – كُليانية أو شمولية – يؤدي مع مرور الوقت إلى تطرفها، وأن أكثر الأيديولوجيات تطرفًا هي الشمولية الكليانية منها، خصوصًا لو تمكنت من الحكم .. وهو ما تؤكده لنا الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت من خلال مصطلحهاIdéocratie أو ما يُسمى “حُكْم الفِكْر”، الذي تبدو فيه السلطة في خدمة فكرة واحدة كبيرة، وفي هذا النوع من نظام الحكم تصبح الإيديولوجيا أداة دعاية، ويصبح المجتمع تحت السيطرة المطلقة لوسائل الإعلام والدعاية لدى تلك الإيديولوجيا، كما تُختزل شرعية السلطة السياسية في سلطة قائد معين، أو جماعة معينة تحتكر النسق القيمي.
وخلصت الدراسة الإستكشافية إلى أنه ينبغي أن تكون هناك دراسات أخرى أكثر عمقًا حول هذا الموضوع، وحول أوجه التشابه بين الإسلاموية وبين التنظيمات والأفكار الإشكالية القديمة والمعاصرة بشكل عام.. مؤكدًا أن هذه الدراسات باتت ضرورة ملحة، إذا أردنا حقيقةً أن نفهم بشكل شموليّ ظاهرة الإسلام السياسي وخطاباته، وسلوكياته على أرض الواقع، وكذلك الديناميات الداخلية لجماعات الإسلام السياسي، ومدى خطورتها على المجتمعات، وإستشراف مآلها.