أصدر مركز تريندز للبحوث والإستشارات دراسة جديدة : تحت عنوان “الإسلاموية والذخيرة المتسكّعة.. تماهي الإيديولوجيا والسلاح”، تهدف إلى تحليل أسباب لجوء الإسلاموية إلى إمتلاك الطائرات المسيَّرة أو إمتلاك تكنولوجيا صناعتها، وفهم المدى الذي وصلت إليه خبرة الإسلاموية في مجال الذخيرة المتسكعة، وخصوصًا الطائرات بدون طيار الإنتحارية.
وبينت الدراسة، التي جاءت ضمن البرامج البحثية لتريندز في مجال دراسات الإسلام السياسي، أن تزايد الإستخدامات العسكرية للذخيرة المتسكّعة (الطائرات المسيرة الإنتحارية أو ما يسمى أيضًا بالذخيرة الجوالة)، لم يكن فقط من قبل الجهات الحكومية فقط، بل أيضًا من قبل الجماعات المتطرفة والتنظيمات المسلحة، والتي لجأت إلى هذه التقنية في عدد من أماكن الصراع كما هو الحال في نيجيريا، وإندونيسيا، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن.
وقد أشارت الدراسة التي أعدها الدكتور وائل صالح، الباحث الرئيسي بقسم دراسات الإسلام السياسي في “تريندز”، إلى أن هذا التزايد دفع الأمم المتحدة في منتصف عام 2019 إلى التأكيد على أهمية بذل مزيد من الجهود للتصدي للمخاطر والتهديدات، التي من الممكن أن تنتج عن وقوع ذلك السلاح في أيدي الإرهابيين والجماعات المسلحة، أو توظيفها من قبل دول لتحقيق أهدافها الإستراتيجية ودعمها، كما هو الحال بالنسبة إلى إيران التي تزود حزب الله والحوثيين بأنواع متطورة من الطائرات المسيرة الإنتحارية، وهو الأمر الذي يبرهن على تطبيق واسع لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار من قبل جماعات الإسلام السياسي، وخصوصًا الشيعية منها حتى الآن.
وذكرت الدراسة أن إستخدام مثل هذه الأسلحة في هجوم بمواد كيميائية أو بيولوجية يشكل السيناريو الأسوأ، مبينة أن ما يزيد الأمر سوءًا هو توقُّع شركة تحليل سوق صناعة الطيران والدفاع Teal Group إرتفاع الإنفاق على البحث والتطوير وشراء هذه الطائرات في جميع أنحاء العالم، إلى حوالي 14 مليار دولار بحلول العام 2029.
وأوضحت الدراسة أن الطائرات المسيرة الانتحارية تعتبر سلاحًا هجوميًا فعالًا يمكن أن يتم اللجوء إليه أو حتى يتمكن أكثر من تقنياته مزيد من جماعات الإسلام السياسي في المستقبل.
كما أشارت الدراسة إلى أن أبرز أسباب لجوء الإسلاموية إلى إمتلاك هذه الطائرات المسيرة تتمثل في؛ تكلفتها المنخفضة، وسهولة تصنيعها وإنتاجها، أو الحصول عليها، والقدرة على تشغيلها وإستخدامها مقارنة بالأنظمة الأخرى الأكثر تطورًا مثل الصواريخ.. كما أن هذه الطائرات آمنة من حيث المخاطرة والتضحية بالعنصر البشري الذي يوجهها عند بُعد.
كما تستطيع ضرب أهداف كان يصعب الوصول إليها في السابق، إضافة إلى أن إمتلاكها لا يتطلب السيطرة على مساحات جغرافية كبيرة للإيواء والتخزين، أو القدرة على تجهيز البنية التحتية الخاصة بها، إضافة إلى أنها تتمكن من تحقيق أهداف حيوية بطريقة سهلة في ذات الوقت، ومن الصعوبة مواجهتها مقارنة بالطائرات الكبيرة، ولا يتسنى رصدها وإستكشافها.
ونظرًا إلى حجمها الصغير، وطيرانها على إرتفاعات منخفضة، ومساراتها غير المنتظمة، وإمكانية تنقلها بسرعات متفاوتة، وبالنظر إلى المستوى المنخفض لطيفها الفيزيائي، فإنه يصعب رصدها بواسطة الرادارات والأجهزة الحرارية، وإستجابتها التكتيكية السريعة، ووجود دول منتجة لها ذات توجّهات إسلاموية مثل تركيا وإيران، وإمكانية إطلاقها من مسافة بعيدة، وسهولة إجراء عمليات تعديل وإبتكار عليها، إضافة إلى تمتع الطائرات الانتحارية المسيرة، على وجه الخصوص، بدقتها في إصابة الهدف، مقارنة بأنظمة المدفعية التقليدية.. ما يقلل من فرص سقوط الضحايا، ولاسيما المدنيين. كما أنها تتفوق على القنابل غير الموجّهة، من حيث الدقة.
وبينت الدراسة أنه نظرًا إلى الأسباب المذكورة آنفًا فإنه مما لا شك فيه أن تحسين خصائص الطائرات بدون طيار الانتحارية أو تطويرها من قبل جماعات الإسلام السياسي لخدمة أغراضهم، سيشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن العالمي في المستقبل القريب. ومن المتوقع أن يكون لذلك تداعيات على ساحة الصراعات المستقبلية، وعلى أمن وإستقرار المنطقة على حد سواء.
لكن الدراسة أوضحت أنه في المقابل تعتبر الطائرات المسيرة سلاحًا ذا حدين، وذلك لإمكانية توظيفها في عمليات مكافحة الإرهاب، فالطائرات بدون طيار هي بلا شك إحدى أبرز الأدوات الحديثة في مكافحة الإرهاب من قبل حكومات عدة دول، وتم إستخدامها بشكل مؤسسي ومنهجي في سياق الحرب على الإرهاب في أفغانستان والصومال وباكستان والعراق واليمن.
وخلصت الدراسة إلى أنه كان من المثير لفت النظر إلى مدى التماهي بين الإيديولوجيا والسلاح الذي من الممكن أن تصل إليه الإسلاموية. كما تعتبر هذه الدراسة بداية تفكير في هذا الموضوع وفي المدى الذي من الممكن أن تصل إليه الإسلاموية من خبرة في مجال “الذخيرة المتسكّعة”.