أكدت ندوة علمية سياسية لمركز تريندز للبحوث والإستشارات ضرورة تشجيع الحوار الداخلي وإجراءات بناء الثقة بين حكومات منطقة القرن الإفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الإقتصادي، ووضع آلية لتسوية النزاعات بين دول القرن الإفريقي وتقديم الدعم اللازم لضمان فاعليتها .
وأوصى خبراء وأكاديميون من عدة دول شاركوا في أعمال ندوة سياسية كبرى نظمها مركز تريندز مؤخرا بفندق فيرمونت باب البحر-أبوظبي تحت عنوان: «جهود ومبادرات السلام والإستقرار في منطقة القرن الإفريقي – تقييم الأدوار والمصالح» بضرورة المساعدة في بناء القدرات المؤسسية والفنية لتقوية سلطة الحكومات الوطنية، وتفضيل المناهج الوقائية التي تعالج مجموعة من الدوافع المحتملة لعدم الإستقرار، وتقديم الدعم السياسي لدور الإتحاد الإفريقي في حل النزاعات القائمة في القرن الإفريقي .
كما طالبوا في الندوة التي قدمت لها علياء الجنيبي رئيس قسم الإتصال الإستراتيجي بتريندز، بالحد من التنافسات بين الدول الثالثة، التي تؤدي إلى زعزعة الإستقرار في القرن الإفريقي من خلال زيادة التعددية وتنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، وأهمية تنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وتحقيق الأمن البحري في القرن الإفريقي وإعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف.. كما شددوا على ضرورة التصدي على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد).
أهمية جيواستراتيجية كبيرة لمنطقة القرن الإفريقي
بدأت أعمال الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لتريندز، حيث أشار إلى أن الندوة تناقش واحدة من القضايا التي تشغل إهتمام المفكرين والسياسيين على السواء، وهي تلك المتعلقة بكيفية تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في منطقة القرن الإفريقي ، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة لإفريقيا والشرق الأوسط والعالم ككل، وكيفية تنسيق الجهود والمبادرات والأدوار الخارجية الرامية لتحقيق هذا الهدف، وصولًا إلى أفضل النتائج الممكنة.. وقد شدد علىالأهمية الجيواستراتيجية الكبيرة التي تحظى بها منطقة القرن الإفريقي، وقال إن هذه الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي جعلت منها نقطة جذب دولية، وساحة للتنافس السياسي بين القوى الإقليمية والدولية على الحضور وإمتلاك النفوذ فيها حفاظًاعلى مصالحها.. بل وصل الأمر إلى حد قيام دول كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا، بإيفاد مبعوثين خاصين إلى منطقة القرن الإفريقي، تأكيدًا للأهمية التي تحظى بها، ضمن إستراتيجياتها العالمية.
وأوضح الدكتور محمد العلي أن هذه المنطقة، عانت ولاتزال العديد من الأزمات التي هددت وتهدد حالة الأمن والإستقرار فيها، مبينًا أن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي وتعدد الأزمات التي تعانيها، شكلا عاملين دافعين لكثير من الدول والأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، للقيام بتحركات وتقديم مبادرات وتصورات لحل أزمات هذه المنطقة الحيوية من العالم، وتعزيز الأمن والإستقرار فيها.
وأشار إلى أن بعض هذه الجهود حققت نجاحات مهمة، ولفت إلى أنه رغم أهمية هذه النجاحات، فإن زخم التنافس وتضارب المصالح أحيانًا، بين بعض القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في المنطقة، قد حدّ من النتائج المتوخاة من هذه الجهود الإقليمية والدولية، المتنوعة والرامية لتحقيق الإستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي ، بل قد ساهم أحيانًا في تعقيد حدة الأزمات القائمة. وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول كيفية التوفيق والتنسيق بين جهود الأطراف الخارجية ومبادراتهم، بما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الإستقرار والتنمية في هذه المنطقة المهمة من العالم.
وقال الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والإستشارات، إنطلاقًا من هذه النقاط والأفكار يأتي تنظيم مركز تريندز لهذه الندوة المهمة، ضمن رسالته وإستراتيجيته البحثية الرامية إلى تقديم فهم أفضل وتحليل أدقّ لمختلف القضايا والتطورات التي يشهدها العالم وإستشراف مستقبلها، معربًا عن أمله في أن تسهم هذه الندوة، بما تضمه من خبراء ومتخصصين رفيعي المستوى، في تحقيق الأهداف وتقديم تصورات ورؤى تستشرف مستقبل هذه المنطقة الحيوية، بما يعزز حالة الأمن فيها، ما سيسهم بدوره في تعزيز الإستقرار الإقليمي والعالمي.
التوصيات الختامية.. خريطة طريق مقترحة
وبعد إنتهاء الجلسات النقاشية ، عُقدت جلسة ضمت جميع متحدثي الجلسات الثلاث السابقة على مائدة مستديرة بإدارة الدكتور بنجامين ديفيس، الخبير الإقتصادي بمركز تريندز، حيت تمت مناقشة «الجهود والمبادرات المستقبلية لتأمين السلام والإستقرار في القرن الإفريقي.. خريطة طريق مقترحة»، وقدم الخبراء في ختام هذه الجلسة توصيات أكدت بالنسبة للموضوع الأول: “الإستقرار في القرن الإفريقي.. المحددات والأسباب والدوافع”، على المساعدة في بناء القدرات المؤسسية والفنية لتقوية سلطة الحكومات الوطنية وزيادة مرونتها وقدرتها على التعامل مع التحديات الخارجية، وتفضيل المناهج الوقائية التي تعالج مجموعة من الدوافع المحتملة لعدم الإستقرار، وضرورة الحد من التنافسات المزعزعة للإستقرار بين الدول الثالثة في القرن الإفريقي من خلال زيادة التعددية وتنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، وإقتراح إنشاء صندوق إقليمي للتنمية الاقتصادية بتمويل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز النمو الإقتصادي والإستقرار في منطقة القرن الإفريقي ، وسيركز هذا الصندوق على القطاعات التي توفر فرص العمل (مثل الزراعة والصناعة) ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ شبكات الكهرباء وشبكات النقل المتكاملة إقليميا.. إضافة إلى التصدي على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ بما في ذلك الجفاف وانعدام الأمن الغذائي والتصحر، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد).
وفي الموضوع الثاني: «الأمن البحري والقرصنة في القرن الأفريقي.. التحديات وكيفية المواجهة»، أوصى الخبراء بتنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وتحقيق الأمن البحري في القرن الإفريقي وإعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف، ورفع مستوى القدرات الفنية الوطنية في مجال الأمن البحري من خلال الدعم الفني من طرف ثالث والتعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز أمن الموانئ ، والتدريب على إنفاذ القانون وبناء القدرات.
أما فيما يتعلق بالموضوع الثالث الذي تمت مناقشته وهو «جهود ومبادرات السلام والإستقرار في القرن الأفريقي.. الأسس المنطقية والمصالح»، فأوصى الخبراء بوضع آلية لتسوية المنازعات بين دول القرن الإفريقي وتقديم الدعم اللازم لضمان فاعلية هذه الآلية، وأهمية تقديم الدعم السياسي لدور الإتحاد الإفريقي في حل النزاعات القائمة في القرن الإفريقي ، وربط مساعدات التنمية الأجنبية الجديدة (باستثناء المساعدات العاجلة والإنسانية) بالتحسينات في الشفافية والمساءلة وسيادة القانون والحكم الرشيد لتعزيز سلطة الحكومات الوطنية وشرعيتها .
وفي الموضوع الرابع: «الجهود والمبادرات المستقبلية لتأمين السلام والاستقرار في القرن الأفريقي .. خريطة طريق مقترحة »، فقد شدد الخبراء على ضرورة تشجيع الحوار الداخلي وإجراءات بناء الثقة بين حكومات القرن الإفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الإقتصادي، وتركيز الأطراف الثالثة على تحقيق الإستقرار في منطقة القرن الإفريقي من خلال زيادة التنسيق الدولي وتشجيع القوى الكبرى للحد من المنافسة الإستراتيجية الثنائية، وإقترحوا تشكيل تجمع أمني (على غرار مجموعة الساحل G5 على سبيل المثال) لإدارة التعاون بين دول المنطقة لمكافحة الإرهاب ومعالجة المسائل الأمنية الأخرى ، والعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الإستراتيجي مع الأطراف الخارجية.. إضافة إلى تطوير إستراتيجيات إعلامية لتقوية العلاقات الثقافية والتاريخية المشتركة بين شعوب القرن الإفريقي لتثبيت النسيج الإجتماعي ومكافحة التطرف وتعزيز التكامل الإقليمي.. وقد إقترح الخبراء عقد ندوة سنوية حول “الجهود والمبادرات لتأمين السلام والإستقرار في القرن الإفريقي” على أساس سنوي لمتابعة التوصيات.