غادر الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد القصر الرئاسي بحضور الآلاف من مناصريه، مستبقاً إنتهاء ولايته بتوقيع مرسوم إعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة تزيد من تعقيدات الفراغ السياسي الذي تدخله البلاد.
ومع عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان، يهدّد الشغور الرئاسي بتعميق أزمات البلاد في ظل إنهيار إقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات ومع تعذر تشكيل حكومة جراء الانقسامات السياسية منذ أيار/مايو.
وعلى وقع هتافات مؤيدة أطلقها آلاف من مناصريه في “التيار الوطني الحر” الذين إحتشدوا خارج القصر الرئاسي في منطقة بعبدا المطلة على بيروت، إستهلّ ميشال عون كلمته بالقول “اليوم صباحاً وجهت رسالة إلى مجلس النواب ووقعت مرسوم إعتبار الحكومة مستقيلة”.. وأضاف “اليوم نهاية مهمة وليست نهاية عهد.. اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج لنضال وللكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا”.
وغادر عون القصر الرئاسي قبل يوم من إنتهاء ولايته الرئاسية منتصف ليل الإثنين -الثلاثاء.
ويدخل لبنان بدءاً من الثلاثاء في مرحلة جديدة من الفراغ الرئاسي، يتعين فيها وفق الدستور إنتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، مع فشل النواب خلال أربع جلسات سابقة في إنتخاب بديل.
لكن الخلافات السياسية حالت منذ الانتخابات النيابية دون تشكيل حكومة جديدة، بينما تواصل حكومة تصريف الأعمال ممارسة مهماتها.
ومنذ أسابيع، يتبادل عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الإتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.
وفي رسالة وجّهها ألى البرلمان الأحد بعد توقيعه مرسوم إعتبار الحكومة مستقيلة، إتهم عون ميقاتي بأنه “غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف أعمال”، وأبدى إعتراضه على أن “تمارس هكذا حكومة صلاحيّات رئاسة الجمهورية وكالة حتى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
وفي رد على عون، قال ميقاتي إن توقيع المرسوم “يفتقر الى أي قيمة دستورية”.. وأبلغ رئيس البرلمان نبيه بري في كتاب “بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة”.
وتعد الحكومة الحالية عملياً مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو. وعادة ما يصدر رئيس الجمهورية مرسوم إعتبار الحكومة مستقيلة، في اليوم ذاته الذي يوقع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.
وفي لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية، غالباً ما يستغرق انتخاب رئيس أشهراً. في العام 2016، انتخب عون رئيساً بعد 46 جلسة انتخاب خلال أكثر من عامين.
وينص الدستور اللبناني على أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس في حال تعثر إنتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.
ويخيم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلاف بشأن تولي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة منذ تنظيم الانتخابات التشريعية في مايو/ أيار الماضي، وتتولى مهام تصريف الأعمال لحين تشكيل أخرى جديدة.
ويرى مراقبون أن خطوة عون قد تمنع من إجتماع حكومة تصريف الأعمال خلال فترة الفراغ الدستوري، لاسيما أنها لم تتقدم باستقالتها لرئيس البلاد كي يقبلها أو يرفضها.
وتجمع آلاف من مناصري “التيار الوطني الحر” لتوديعه عند مغادرته القصر الجمهوري إلى منزله في منطقة الرابية (شرق).
وتدوم فترة ولاية رئيس الجمهورية 6 سنوات غير قابلة للتجديد، لذا تنتهي ولاية عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، وأخفق نواب البرلمان أكثر من مرة من إنتخاب خلف له.
والخميس، قال عون في مقابلة تلفزيونية: “لا إرادة لرئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بتأليف حكومة.. الحكومة الحالية لا تتمتع بالثقة ولا يمكنها أن تحكم”.. وردا على حديث عون، قال ميقاتي في بيان إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا.
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت الرئاسة اللبنانية تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة بعد حصوله على أصوات 54 نائبا برلمانيا (من أصل 128)، ولم يستطع تشكيل حكومة حتى اليوم نظرا للتعقيدات السياسية في البلاد.
وبشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، قال عون: “عملنا على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية لأنّنا نعلم أنّه لا يمكن للبنان أن يقوم من أزمته إلا من خلال إستخراج النفط والغاز”.
والخميس، وقّع لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة، إتفاقا لترسيم هذه الحدود وُصف بـ “التاريخي” وحظي بترحيب إقليمي ودولي واسع.
وخاض الجانبان مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أمريكية، حول ترسيم الحدود في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترًا مربعًا.
ومنذ نحو 3 سنوات، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدّت إلى انهيار قياسيّ في قيمة العملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، فضلا عن شحّ في الوقود والأدوية وهبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.
من جهته قال البطريرك اللبناني الماروني بشارة الراعي اليوم الأحد إن النواب والسياسيين في البلاد مسؤولون عن الفراغ الرئاسي، مع إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون غدا دون إنتخاب خليفة له.
وقال الراعي في عظة الأحد “لو وُجدت ذرّة من الرحمة والعدالة لدى المسؤولين السياسيّين… لما أمعنوا في هدم مؤسّسات الدولة تباعًا وصولًا إلى رئاستها التي هي فوق جميع الرئاسات والمؤسّسات، فأوقعوا هذه الرئاسة العليا والأساسيّة في الفراغ، إمّا عمدًا، وإمّا غباوةً، وإمّا أنانيّةً”.