في ظرف سنة واحدة، قامت الجزائر بتغيير جذري في شراكتها الأوروبية بتغيير كل من إسبانيا وفرنسا بإيطاليا وألمانيا، ويخلق القرار وضعا جديدا في منطقة المغرب العربي وتعد فرنسا من أكبر الخاسرين.
ونشبت بين فرنسا والجزائر مشاكل دبلوماسية كثيرة بسبب الإرث الإستعماري ورفض فرنسا تقديم إعتذار واضح عن جرائم الفترة الاستعمارية التي ذهبت فيها أرواح مئات الآلاف من الجزائريين.
وأدركت باريس أن موضوع جرائم الإستعمار قد يفقدها الجزائر من الناحية التجارية والاقتصادية وحرمان شركاتها من التنقيب عن الغاز والبترول، وأخذ الرئيس فرانسوا هولند المبادرة لتلطيف الأجواء بتقديم تفهم محتشم لمطالب الجزائر في جرائم الإستعمار، ثم قطع خلفه الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون خطوة هامة ينقصها فقط الإعتذار الواضح.
وبدأت القيادة السياسية الجديدة بزعامة الرئيس عبد المجيد تبون في إتخاذ خطوات حاسمة، فأمام سياسة الجزائر الغامضة، قررت تقليص النفوذ الفرنسي وبالخصوص التجاري لصالح ثلاث دول وهي الصين ثم تركيا وأخيرا المانيا كشريك أوروبي رئيسي. وكان تبون يؤكد أنه يريد ألمانيا شريكا للجزائر.. وكانت سياسة تفضيل الصين قد بدأت مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
ورغبت الجزائر في جعل إسبانيا شريكا رئيسيا إلى جانب ألمانيا وإيطاليا، وحدث أن مالت إسبانيا إلى الموقف المغربي في نزاع الصحراء الغربية بإعلان تأييد الحكم الذاتي الذي إقترحته السلطات المغربية وترفضه جبهة البوليزاريو. وإتخذ الجزائر إجراءات سريعة تبدو إنتقامية من إسبانيا، فقد همشتها في مخطط رفع الصادرات من الغاز إلى أوروبا، وفضلت إيطاليا. وتعمدت الجزائر إبراز علاقاتها مع روما من خلال تبادل الزيارات على أعلى مستوى في ظرف شهر واحد آخرها زيارة الرئيس تبون إلى روما مؤخرا .
وتنوي الجزائر منح صفقات عمومية كبيرة إلى الشركات الإيطالية والألمانية على حساب الفرنسية والإسبانية، ويجري هذا في وقت تريد تعزيز وتحديث بنياتها التحتية، وهو ما يغري الشركات الأوروبية، ولم تجد فرنسا الوصفة المناسبة حتى الآن لإستعاذة نفوذها شركاتها وقد يقدم الرئيس ماكرون على مبادرة جريئة حول الإستعمار الفرنسي لإستعادة مستوى العلاقات ونصيب الشركات.
وقد ينتج عن التوجه الجزائري تراجع المبادلات التجارية مع فرنسا خلال الثلاث سنوات المقبلة إلى النصف ونفس الأمر بالنسبة للمبادلات مع إسبانيا.
وتسبب الجزائر بسياستها في تغيير في خريطة التحالفات والشركاء في منطقة المغرب العربي، فقد فتحت الباب أمام الصين ثم تركيا، والآن تعزز من علاقاتها من إيطاليا التي كانت دائما شريكا رئيسيا وترفع من مستوى العلاقات مع ألمانيا، وتبقى فرنسا واسبانيا من أكبر الخاسرين.