حتما لست من دعاة الحروب والنزاعات وإزهاق الأرواح البريئة .. أتحدث عن الحرب الروسية على جارتها أوكرانيا التي تعتبر غير شرعية وغير أخلاقية وإنسانية ، ولو كانت لها مبررات وقراءات إستشرافية ورسائل واضحة .. هناك مقولة ” نذهب إلى الحرب لكي نصل إلى مفاوضات ومن ثم إلى السلام ” هل بوتين بخوضه هذه الحرب الشرسة يريد سلاما ؟؟؟ !!!!
إنتهاك سيادة الدول وتغيير حكوماتها بالقوة وتدمير بناها التحتية وقتل المدنيين وقصف المنشآت المدنية وإلحاق الضرر، هي سلوكيات غير مقبولة وغير مبررة في أي مكان في العالم وتحت أي ذريعة .. هذا عدا عن كونها إنتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة.
الغزو الروسي لأوكرانيا ومهما كانت وجاهة مبرراته من منظور روسي أمني وإستراتيجي ، يبقى عدوانا يضرب عرض الحائط بالقانون الدولي، وإستقواء على دولة جارة لا تملك قدرات تؤهلها للصمود، عدا عن كونه تدميرا لمقومات الدولة وإعتداء على حقها في السيادة وحق شعبها في الحياة والنمو والإزدهار وتقرير المصير.
لكن من يقرأ تاريخ القادة الروس يجزم بحنكة الرئيس بوتين وبتكوينه الإستخباراتي كرجل ال KJB ، وبكفاءة وعقيدة جيشه المستشرب من إرث لينين وتاريخ الإتحاد السوفياتي الذي من الظاهر أن بوتين يريد إحيائه بعد ضم جزيرة القرم لروسيا وقرار غزو جارته أوكرانيا التي إستقلت في عام 1991 عن الإتحاد السوفياتي كجمهورية ، وبرزت منذ ذلك فكرة أمة أوكرانية مستقلة في إجتماع بريست ببيلاروسيا وأصبحت تخضع لنظام نصف رئاسي .. لذلك يفهم أن هذه الحرب تعتبر أكبر وأشمل من الحرب على أوكرانيا …
والعجيب الغريب أن روسيا ترأس حاليا مجلس الأمن الدولي الذي يفترض أن مهمته الأولى والغاية الأساس من إنشائه هي فرض الأمن والسلام في العالم، ومع ذلك فإنها أقدمت على هذا القرار الذي يطبخ من سنوات وفي هذا التوقيت بالذات، رغم أنها كانت دائماً تنفي نية غزو جارتها التي تعتبرها صارت عدو لها، خاصة بعد رغبتها في الإنضمام لحلف الناتو وتحالفها مع قوى عظمى مناهضة للسياسة “البوتينية “، حيث تعتبر أوكرانيا محور عقود من التجاذبات بين الغرب وروسيا …
لقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحا حول الأهداف الأساسية لغزو أوكرانيا، فهو يريد سحب السلاح من الأوكران وقطع علاقاتهم العسكرية مع حلف شمال الأطلسي ووضع حد لطموحات الشعب الأوكراني بالإنضمام للمعسكر الغربي في أوروبا، وهذا يعتبره بوتين إستفزاز للروس .. وفي حين تبقى خطط بوتين لتنفيذ هذا الغزو للوصول إلى أهدافه محل خلاف، سيرشدنا التاريخ لفهم ما يعتزم الرئيس الروسي الوصول له من هذا الغزو…
كذلك يمكن القول أن أمريكا ورطت حليفها الأوكراني في الدخول لهذا المستنقع ، وحطّت يدها برئيسها زيلنسكي الذي يطلب كل الدعم الخارجي وتسليط كل العقوبات على روسيا لتنفيذ أيضاً مخططاته ونية توسعه من خلال الإنضمام إلى حلف الناتو وأيضاً إلى الإتحاد الأوروبي …
من جهته لم يمتعض بوتين بل خطّ بتوقيعه البارد الصارم على إعتراف روسيا بإستقلال الجمهوريتين “دونباس ولوغانيستك”، وبذلك أرسل إشارات للعالم وعلى وجه الخصوص لأميركا .
هذه ليست حرب بمعناها العسكري، إنها صراع قوى عظمى وإعادة هيكلة جديدة للعالم بقيادة قيصر روسيا وسيكون لها آثارها على الملفات الساخنة حتى في الساحة العربية .. حتما بوتين يعيد رسم التوازنات الجديدة للخريطة العالمية ، فهو يدافع عن أمن بلاده القومي من دون مبررات الخطوة القادمة لبوتين سيقضم كامل أراضي شرق أوكرانيا .. ولن يتوقف ابداً، مما يعني بداية النهاية لريادة امريكا في أوروبا عملياً.. ومنذ تولي فلاديمير بوتين الرئاسة بروسيا كان يشكو من تجاهل النظام العالمي لمخاوف الأمن الروسي ، كما طالب بإعتراف الغرب بحق موسكو في دائرة إمتيازات خاصة داخل الفضاء السوفياتي السابق ، شن من خلالها توغلات محدودة في الدول المجاورة مثل جورجيا بهدف تغيير وجهة تلك الدول بالكامل عن الغرب .. والآن يخطو بوتين بهذا النهج خطوة آخرى وأشمل من خلال غزو أوكرانيا وهو غزو سيقوض النظام الإقليمي الحالي .
وحتى كتابة هذه السطور يعيش العالم أزمة دولية تنذر بالتصعيد والخروج عن الأهداف والإستراتيجية التي كان مخطط لها.. أوكرانيا تعيش تحت القصف والإجتياح البري العسكري الروسي والتقدم السريع إلى العاصمة كيييف ونزوح مئات الألاف من السكان ومغادرة المقيمين عبر الحدود البولونية والرومانية ، سيكون له إرتدادات على دول الجوار وضربة كبيرة للإقتصاد العالمي …
وفي هذا السياق يتساءل العالم عن العقيدة السياسية والعسكرية التي تقف وراء قرار الرئيس بوتين لغزو أوكرانيا ورؤيته المستقبلية للعالم ، وخاصة رؤيته لإعادة تشكيل النظام الأوروبي الذي تشكل بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي حيث صممت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها خلال تسعينيات القرن الماضي هيكلة الأمن الأوروبي دون أن يكون لروسيا أي دور واضح .. حيث تعد هذه الحرب محصلة ثلاثون عاما من الأخذ والرد …
هل سيشهد العالم نظام إقليمي جديد وتحقيق أهداف فلاديمير بوتين ، الذي يقف اليوم في مواجهة خامس رئيس أمريكي منذ توليه الحكم بروسيا وكل القوى الدولية ، ويخطط حسب إستراتيجيته فرض حضور روسيا وإستعادة ” المكانة التي تستحقها “…؟؟؟؟