تقاتل القوات الأوكرانية اليوم الخميس للتصدي لغزو روسي على ثلاثة محاور بعد أن شنت موسكو هجوما برا وبحرا وجوا هو الأكبر على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب في خطاب بثه التلفزيون قبل الفجر، تردد دوي الانفجارات والقذائف طوال النهار في العاصمة الأوكرانية كييف التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة.
وإنهمرت صواريخ على أهداف روسية وأبلغت السلطات الأوكرانية عن تدفق مجموعات من القوات عبر حدودها من روسيا وروسيا البيضاء من الشمال والشرق وإنزال عن طريق البحر من البحر الأسود وبحر آزوف على السواحل الجنوبية.
ووضع هذا الهجوم حدا لمساع دبلوماسية إستمرت أسابيع دون أن تسفر عن أي نتيجة قام بها قادة غربيون لتجنب الحرب التي يخشون أن تحقق أسوأ مخاوفهم بسبب طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبعد أول يوم من القتال، قال بوتين لرجال الأعمال في موسكو إنه لم يكن لديه خيار سوى التحرك بينما أدان قادة غربيون قرار الرئيس الروسي وتعهدوا بفرض عقوبات إقتصادية ساحقة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للبرلمان وهو يعلن إجراءات تستهدف البنوك الروسية وأفرادا من الدائرة المقربة لبوتين والأثرياء الروس “هذه المغامرة الوحشية البشعة التي يقوم بها فلاديمير بوتين يجب أن تنتهي بالفشل”.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين للدفاع عن بلادهم وقال إن كل من لديه الإستعداد للقتال سيحصل على السلاح.
وقال زيلينسكي “ما سمعناه اليوم ليس مجرد صوت إنفجار صواريخ وقتال وأصوات طائرات. ما سمعناه كان صوت سقوط ستار حديدي جديد، أبقى روسيا بعيدة عن العالم المتحضر”. وأضاف “مهمتنا الوطنية هي التأكد من أن هذا الستار الحديدي لم يسقط في محيط أرضنا”.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها دمرت 83 هدفا بريا أوكرانيا وحققت كل أهدافها وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس للأنباء.
وقال مستشار في مكتب الرئاسة الأوكرانية إن القوات الروسية سيطرت على مفاعل تشرنوبل على بعد نحو 90 كيلومترا فقط إلى الشمال من العاصمة ومطار هوستوميل في منطقة كييف حيث تم في وقت سابق إنزال قوات مظلية.
وتدور معارك شرسة في مناطق سومي وخاركيف في الشمال الشرقي وخيرسون وأوديسا في الجنوب.
وإختنق الطريق السريع المؤدي لخارج كييف صوب الغرب بازدحام مروري حاد رغم أنه مؤلف من خمس حارات مع محاولة السكان الفرار.
وقد قال بوتين في خطابه إنه أمر “بعملية عسكرية خاصة” لحماية الناس، بمن فيهم مواطنون روس تعرضوا “لإبادة جماعية” في أوكرانيا، وهو إتهام يصفه الغرب منذ مدة طويلة بأنه دعاية سخيفة لا أساس لها من الصحة.. وقال “من أجل ذلك سنكافح لنزع السلاح والقضاء على النازية في أوكرانيا”.
وأضاف “لا يمكن لروسيا أن تشعر بالأمان وأن تتطور وتبقى في ظل تهديد دائم ينبع من أراضي أوكرانيا الحديثة، كل مسؤولية عن إراقة الدماء سيتحملها ضمير النظام الحاكم في أوكرانيا”…
ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن تحرك روسيا بأنه “هجوم لم يسبقه إستفزاز وغير مبرر”.. وقال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “هذه من بين أحلك الساعات التي تمر بها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”.
ووفقا لمسودة البيان الختامي لقمة قادة الاتحاد الأوروبي فقد إتفقوا في وقت لاحق على فرض المزيد من العقوبات على روسيا بعواقب “هائلة ووخيمة” على موسكو.
وإجتمع قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى أيضا وقال البيت الأبيض إن بايدن سيعلن “العواقب الإضافية التي ستفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤنا وشركاؤنا على روسيا”.
قال أحد سكان خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا وأقرب مدينة كبيرة إلى الحدود الروسية، إن نوافذ المباني السكنية كانت تهتز من جراء الانفجارات المتواصلة.
وأمكن سماع دوي انفجارات في ماريوبول الساحلية في الجنوب الشرقي قرب خط أمامي في منطقة يسيطر عليها انفصاليون تدعمهم روسيا في شرق أوكرانيا.
وقال الجيش الأوكراني إنه دمر أربع دبابات روسية على طريق قرب خاركيف وقتل 50 جنديا قرب مدينة في منطقة لوهانسك وأسقط ست طائرات حربية روسية في الشرق.
ونفت روسيا تعرض مقاتلات أو مركبات مدرعة للتدمير.. وزعم الانفصاليون المدعومون من روسيا أنهم أسقطوا مقاتلتين أوكرانيتين.
على الرغم من أن غزوا شاملا يجري حاليا، فإن الهدف النهائي لبوتين لا يزال غامضا.. فقد قال إنه لا يعتزم القيام باحتلال عسكري لكنه يهدف فقط لنزع سلاح أوكرانيا وتطهيرها من القوميين.
والضم المباشر الصريح لمثل تلك المساحة الشاسعة من دولة معادية ربما يتخطى قدرات الجيش الروسي.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير اليوم الخميس إن الولايات المتحدة ترى أن الغزو الروسي لأوكرانيا يهدف إلى قطع رأس الحكومة الأوكرانية، وإن أحد محاور الهجوم الرئيسية الثلاثة يتركز على العاصمة كييف.
لكن إن كان الهدف فقط هو الإطاحة بحكومة زيلينسكي، فمن الصعب توقع قبول الأوكرانيين بأي قيادة تحاول روسيا فرضها.
وقد إستبعد بايدن إرسال قوات أمريكية للدفاع عن أوكرانيا ، لكن واشنطن عززت الدول الحليفة في حلف شمال الأطلسي في المنطقة بقوات ومقاتلات إضافية.
وروسيا من أكبر منتجي الطاقة في العالم، وهي وأوكرانيا من بين أكبر المصدرين للحبوب في العالم .. ومن شأن الحرب والعقوبات أن تعرقل مسار الاقتصاد حول العالم الذي يشهد بالفعل أزمة إمدادات تسببت فيها الجائحة.
وهوت الأسهم وعائدات السندات بينما شهد الدولار والذهب إرتفاعات حادة. وزاد خام برنت متخطيا المئة دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014.
أوكرانيا بلد يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة وهي أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا نفسها. وصوتت بأغلبية ساحقة لصالح الإستقلال عن موسكو بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وتقول إنها تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وهي تطلعات أثارت غضب روسيا.
ونفى بوتين لأشهر التخطيط لغزو أوكرانيا لكنه وصفها بأنها استقطاع مصطنع من روسيا بيد أعدائها ، وهو وصف يرى الأوكرانيون أنه محاولة لمحو تاريخ بلادهم الذي يفوق الألف عام.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأوكرانيين خاصة في الشرق يتحدثون الروسية كلغة أم، إلا أنهم نظريا يعتبرونها قومية مختلفة ويعتبرون أنفسهم أوكرانيون.
وفي كييف، انتظر الناس في صفوف لسحب الأموال وشراء إمدادات الطعام والمياه. وكانت حركة المرور كثيفة غرب المدينة باتجاه الحدود البولندية وإمتدت صفوف من السيارات لعشرات الكيلومترات.. وتستعد الدول الغربية لإحتمال فرار مئات الآلاف من الأوكرانيين من هجوم.