حتما الأزمة بتونس سياسية وإقتصادية بإمتياز وفشل ذريع في إدارة البلاد ولكنها أيضاً أزمة أخلاقية من الأساس ، لما يشهده المشهد من تجاذبات وخلافات وصراعات من طرف كل الفرقاء السياسيين وصلت بهم للقاع وزادت المشهد تعقيدا وإحباطا وإشمئزازا لدى كافة أطياف الشعب الذي أصبح حلم شبابه الوحيد الهجرة ولو على قوارب الموت …
بدون أدنى شك أن تونس تعاني أزمة إقتصادية وسياسية خانقة قدر معاناتها من أزمة أخلاقية ألمّت بسياسييها الذين حكموا البلاد طيلة عقد من الزمن بدون مسؤولية وإقتدار ووطنية ، دمروا فيه البلاد والعباد وأثبتوا خيانتهم لثوابت الدولة ولم يضعوا مصلحة الوطن فوق كل الإعتبارات الحزبية والشخصية ، مما جعل المواطن يمقت وينقم من كل الطبقة التي لم تفهم إلى يومنا هذا ما حصل يوم ٢٥ يوليو ولماذا إنتفض الشعب عفويا في كل الجهات من الجمهورية ، ورغم ذلك يريدون إعادة التموقع بدون ضمير وحياء …
فقد وصل بالعديد منهم للتخابر مع جهات أجنبية والتواصل مع السفارات والمنظمات الدولية لإيصال تقارير وصورة مغلوطة عن ما يحدث بتونس ، ما جعل بعض القوى الخارجية تحاول التدخل في الشأن الداخلي وبعض المؤسسات المالية المانحة ترفض التعاون مع الحكومة وتفرض شروطا لتقديم المساعدات لإنقاذ مديونية تونس .. وفي هذا السياق أصبح التحريض على تونس جليا ومدبرا لضرب الدولة التونسية …
لا جدال أننا نعيش فترة إنتقال سياسي نبني من خلالها ديمقراطية مازالت هشة ومؤسسات للدولة ، في ظل فوضى حرية الرأي والتجاذبات التي أفسدت المشهد وأساءت إلى صورة وهيبة تونس .. لكن غير مقبول أن تباع القيم والثوابت بإسم الديمقراطية والحرية ومفهوم الثورات والتحولات الجيوسياسية التي حصلت في تونس وبعض دول الشرق الأوسط .. فلا شك أن السياسة لا تمارس بالقيم وأن الغاية لا تبرر الوسيلة في كل الأحيان ، لكن ماهو مطلوب هو الحد الأدنى من الضمير والأخلاق وخاصة القيم الوطنية …
نعم نريد إصلاحات حقيقية لكن من الداخل .. نريد حرية لكن بقيم ، نريد ديمقراطية لكن بمسؤولية ، نريد حقوق لكن بواجبات ، نريد عدالة لكن بإستقلالية القضاء ، نريد دولة قوية بمؤسسات ، نريد حاكما له رؤية وله قدرة على إدارة البلاد ، نريد أخلقة العمل السياسي، نريد دولة ذات سيادة ، نريد العيش بكرامة ، نريد وطنا آمنا يجمعنا … حتما كل هذه المطالب تظل صعبة المنال لأن المعركة صعبة والتراكمات كبيرة والإمكانيات معدومة ، لذلك مطالبنا هي معركة تحرر وطني شامل وسنتحمل أوزارها ونتحمل ظروفها ونضحي من أجلها لإيقاف نزيف هذا الوطن وقوارب الموت لإعادة الأمل لأجيالنا .. لأن تونس في القلب ونريد إسترجاع وطننا الذي يظل غالي وإستعادة هيبته وصورته التي أصبحت قاتمة في الداخل والخارج ولا تليق بتاريخنا المجيد .
ودعنا سنة مليئة بالأحداث والتحولات والوباء ، ونستقبل مع صدور هذا العدد عاما جديدا نأمل أن يكون خير وبركة وإستقرار لتونس ولباقي دول العرب .. عام سعيد بدون أوجاع وآلام ، وكل عام وشعوب العالم بأمن وأمان وسلام .