العبثية تجرح ..تؤلم ..تقتل ..تغتال ..تشعل حرائق ..تنذف دماء ..تجعل من الأشقاء أعداء ..فرقاء..فهذا رخاء وهذا دهاء..وهذا وباء وهذا دواء ..وهذا مظلومٌ وهذا بمظلمته براء ..وهذه بطةٌ عرجاء وهذا ديكٌ عظيمٌ بألاء الولاء والأداء..وهذا جاهلٌ لا يعرف الفرق بلغته بين الألف والباء..وهذا العبث .. وهذا البعث والإثنان سواء ..وهذا أمام وهذا وراء .. وهذا رأيٌ وهذه آراء..جميلةٌ هي بلادي صحاري وجبال وشواطئ ومتغيرة مشحونة هي الأجواء ..تبت يد أبا لهب ..وتبت يد إمرأته تلك العجوز الشمطاء.
العبثية تصنع من الأخوّة بلاء ..ومن الأرحام مجالس عزاء.. وتجعل البيوت خالية من ماءٍ وكهرباء .. وتجعل المجتمعات غارقة في ظلام دامسٍ صبحاً ومساء..لهذا وذاك نرى الديوك على مزابلها تصيح بلا حياء ..ونرى زعماء وكيفما نطقوا هم مثل الله حكماء .. على الأرواح أمناء..على الأوطان حماة أرضٍ ووكلاء ..ضباط شهيقٍ وزفيرٍ كيفما هبت ريح هوجاء..فهل يعقل أن تتساوى عقولٌ ذو بصيرة في ذكاء .. وعقولٌ لا بصراً فيها ولا بصيرة متحجرة صمّاء..فيا ربي رب هذي الأرض وهذي السماء ..إرحمنا وإبعد عنا الفرقة والفتنة حتى يُكتب لنا البقاء لا الفناء …
العبثية تغلق طرق وتنسف جسور .. تهدم صروح وتقصم جذور ..تُقزّم عمالقة وتكسر ظهور ..تبني حواجز من الإسمنت لا من البلّور ..تضرب قيم ..تزيل قمم ..تغتصب بصيرة ..تعزل نور .. تفسد خبزةً تزيل تنّورْ ..تغتال أرواح ..تصيد طيور ..نعم هذه هي الحال ..هذا كرم عنبٍ ومقتولٌ بفعلته الناطور …
العبثية ..وما أدراك ما العبثية ..تقتل حرية ..تغتال ديمقراطية ..تغتصب حورية ..تعيش هنية ..تنام غنية مغنية..وتتغذى من السمنة البلدية ..ترسل الرسائل تارةً شوكية وتارةً وردية ..تارة غبية وتارةً ذكية ..أما عن الودّية ومهما جمّلتها إنما تبقى هي إرتدادية ولا تعني الكثير لأصحاب القضية …
لو كنت أنا القرداحي لقلت على الملاء ..وبكل شجاعة وبلا حياء ..بأن ما عنيته لم يفهمه أو يتفهمه إخوتي الأحباء..إخوتي الأشقاء..خلاّني ورفاقي والأصدقاء ..وبأني وها قد أساؤا فهم ما عنيته وربما في القول أخطاء ..وربما في المعاني تجني وبغضاء ..وربما في الكلمات ظلالٌ وظلمةٌ وظلماء ..وربما وربما هناك أجواءً وأجواء ..ولهذا أعتذر إن كنت أنا من أساء ..فصدقوني ..أنا ما شئت الإساءة وما كنت يوماً معكم في عداء..وكيف لي أن أعني في قولي هكذا غبنٌ في إدعاء ..مصيرنا واحد ونحن ما شئناه لكنه الله شاء ..فنحن معاً ولنا الغد ولنا البقاء ..هذا هو تاريخنا شاهدٌ وشاهدةٌ هي عروقنا وجذورنا والدماء .
أنا لم أسيء ولن أسيء لأهلي وأحبتي لا في وطني الصغير ولا وطني الكبير ..ولكني وبكل ثقة بالنفس أقول بأنه عندي الشجاعة الكافية إن أسأت أن أعتذر ..فأنا عروبي حسباً ونسباً وولاءً وإنتماء ..وما يضير إخوتي يضيرني ..ومعاذ الله أني قصدت الإساءة لمن أحب …
فيا أحبتي وأخوتي في المصير ..دعونا نتجاوز معاً ما كان ..دعونا نعتبر ما حدث ليس إلا زوبعة في فنجان ..دعونا نبني ونوطد الأوصال والبنيان .. دعونا نجعل من الإلفة والمحبة بيننا هي العنوان ..فلبناني هو لبناكم وبمحبتكم عظيمٌ هو لبنان ..بتعاضدننا ومحبتنا نبني من تاريخنا وحاضرنا وغدنا أعظم الأوطان .
لقد قال جبران خليل جبران في المحبة :
إذا المحبة أومَتْ إليكمْ فاتبعوها
إذا ضمتكمْ بجناحيها فأطيعوها
إذا المحبة خاطبتكمْ فصدّقوها