توفي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، مؤخرا متأثراً بإصابته بفيروس «كورونا». وقالت أسرة كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والقائد العسكري المتقاعد، في بيان: إن باول توفي، جراء مضاعفات وباء «كوفيد-19» عن 84 عاماً
وقالت الأسرة في منشور بصفحته على «فيسبوك» إن باول «تلقى تطعيماً كاملاً. نود أن نشكر الفريق الطبي في مركز والتر ريد الطبي الوطني على العناية بعلاجه.. فقدنا زوجاً وأباً وجداً مميزاً ومحباً وأمريكياً عظيماً».وكان باول رئيساً لهيئة الأركان المشتركة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب خلال حرب الخليج عام 1991 عندما طردت القوات التي قادتها الولايات المتحدة القوات العراقية من الكويت ، ولاحقاً شغل باول، وهو جمهوري معتدل عملي النزعة، منصب وزير الخارجية في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش
وترك وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، تاريخاً طويلاً في السياسات الأمريكية، التي كان لها دور كبير في منطقة الشرق الأوسط خاصة. ومع رحيله، ثمة محطات في حياته، حيث كان له دور في تشكيل أهم القرارات الأمريكية في الفترة الأخيرة
وولد باول في مدينة نيويورك في عام 1937 وتربى في حي هارلم، حيث هاجر والداه لوثر ومود باول إليها من جامايكا. وتلقى السياسي المحنك تعليمه في المدارس العامة، وتخرج في كلية مدينة نيويورك، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الجيولوجيا. وشارك بعدها في إحتياط قوات التدريب في الكلية، وتم تعيينه برتبة ملازم ثان بعد تخرجه في يونيو 1958
ودخل باول الجيش الأمريكي بعد تخرجه في عام 1958، ثم خدم في جولتين في جنوب فيتنام خلال الستينات. وفي حرب فيتنام، أصيب باول مرتين، بما في ذلك أثناء تحطم طائرة هليكوبتر، حيث أنقذ جنديين أمريكيين
وبقي باول في الجيش الأمريكي بعد عودته إلى الوطن، وحضر الكلية الحربية الوطنية وترقى في القيادة. وتمت ترقيته إلى رتبة عميد في عام 1979، وعُيِّن كمستشار الرئيس رونالد ريغان الأخير للأمن القومي في عام 1987، وعينه بوش الأب عام 1989 لرئاسة هيئة الأركان المشتركة
وتميزت فترة ولاية باول في إدارة بوش الأب بمشاركته في بعض أبرز الأعمال العسكرية الأمريكية في أواخر القرن العشرين، بما في ذلك عملية بنما عام 1989، وبعدها حرب الخليج عام 1991، والتدخل الأمريكي في الصومال
وعلى الرغم من أن باول كان متردداً في البداية في إرسال قوات أمريكية عندما غزا العراق الكويت في عام 1990، فقد أصبح أحد المتحدثين الرسميين الأكثر ثقة لدى الإدارة، عندما وقع الهجوم على جيش صدام حسين أخيراً. وبعد الهجوم على الجيش العراقي، أصبح باول بطلاً قومياً أمريكياً، حيث تمتع بتقييم تفضيل بنسبة 71 في المئة في السنوات القليلة الأولى بعد الحرب. كما أكسبته جهوده خلال الحرب جائزتين بارزتين، وهما ميدالية الكونجرس الذهبية في مارس 1991، تقديراً لأدائه المثالي في تخطيط وتنسيق الرد الأمريكي على غزو العراق، إضافة لميدالية الحرية الرئاسية
وكان باول إختيار بوش الابن الأول لمجلس الوزراء، عندما أُعلن عن ترشيح وزير الخارجية، وبفضل خبرته في السياسة الخارجية وشعبيته الواسعة، أكده مجلس الشيوخ بالإجماع.. وأصبح باول أول وزير خارجية أمريكي من أصول إفريقية، وعمل في المنصب من 2001 إلى 2005
وكان متردداً في إظهار القوة العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وهي وجهة نظر سرعان ما تغيرت بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001
وبصفته أكبر دبلوماسي في عهد بوش الابن، تم تكليفه بحشد الدعم الدولي للحرب على الإرهاب، بما في ذلك حرب أفغانستان
ولكن فترته عرفت بالشكل الأكبر خلال تصدره المشهد في دفع الإدارة الأمريكية للتدخل في العراق، بالرغم من مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من تلك الخطوة
وفي فبراير 2003، ألقى باول خطاباً أمام الأمم المتحدة، قدم فيه أدلة قالت الاستخبارات الأمريكية إنها تثبت أن العراق قد ضلل المفتشين الدوليين، وأخفى أسلحة دمار شامل. وحذر باول من أن «صدام حسين يمتلك أسلحة بيولوجية وقدرة على إنتاج المزيد منها بسرعة كبيرة»
المفتشون اكتشفوا فيما بعد عدم وجود مثل هذه الأسلحة في العراق، وبعد عامين من خطاب باول في الأمم المتحدة، قال تقرير حكومي إن أجهزة الاستخبارات كانت «مخطئة تماماً» في تقييماتها لقدرات أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الغزو الأمريكي
ووصف باول، الذي غادر وزارة الخارجية في أوائل عام 2005 بعد تقديم إستقالته لبوش، خطابه في الأمم المتحدة بأنه «وصمة عار» ستبقى إلى الأبد في سجله. وقال في مقابلة مع لاري كينغ من شبكة «سي إن إن» في عام 2010: «أنا آسف الآن لأن المعلومات كانت خاطئة – بالطبع أنا آسف»
وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأمريكية 2008، أعلن باول في لقاء صحفي مع قناة «إن بي سي»، عن دعمه للمرشح الديمقراطي باراك أوباما الأمر الذي فاجأ الجمهوريين والشعب الأمريكي. وأكد باول أن أوباما لديه القدرة على الإلهام، وكل الأمريكيين، وليس فقط الأمريكيون من أصول إفريقية سيكونون فخورين بفوز أوباما. ويعتبر باول أول عضو جمهوري بارز وكبير يؤيد المرشح الديمقراطي أوباما، الذي فاز لاحقاً بالانتخابات .
وبعد تقاعده من العمل العسكري، كتب باول سيرته الذاتية التي حققت مبيعات كبيرة.. «رحلتي الأمريكية»
وفي كتابه عام 2012، إعترف باول مرة أخرى بالخطأ في الخطاب الشهير، وكتب أن هذه ستكون روايته الأخيرة حول الموضوع. وكتب: «أنا غاضب من نفسي لأنني لم أشم رائحة المشكلة. خذلتني غرائزي»، في إشارة إلى التقرير الذي استخدمه والذي يحتوي على أدلة خاطئة عن أسلحة دمار شامل مفترضة عراقية. وأضاف في كتابه الشهير: «لم يكن ذلك خطأي الأول، لكنه كان أحد أكثر إخفاقاتي الجسيمة، التي كان لها تأثير واسع النطاق»