إن ما وقع يوم 25 جويلية بتونس يعتبر بمثابة الزلزال السياسي الذي جسد إرادة أغلبية الشعب وإستجاب إلى تطلعاته .. فقبل ذلك التاريخ عاشت بلادنا أرذل فتراتها السياسية أوصلت اللبلاد لأوضاع متردية في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والى تدمير للمكاسب الوطنية .. الى جانب المتاجرة بالأزمة الصحية والتي وصلت بهم الدنائة الى الإستثمار حتى في أرواح الشعب من أجل البقاء في السلطة.
ما فعله الرئيس كان مباركا من الجميع وأدخل الطمأنينة الى النفوس .. من خلال إعلان الخطر الداهم وتفعيل الفصل 80 حيث تم إتخاذ جملة من التدابير الإستثنائية التي نالت رضا عامة الشعب .. فالشعب إنتفض بعفوية وتلقائية منقطعة النظير، والرئيس إستجاب وحتما مستقبلا لا أحد يقدر أن يفرض شيئا مخالفا لإرادة هذا الشعب …
من الواضح منذ البداية أن الرئيس قيس سعيد ماض بتصميم دون تردد في إجراءاته حازمة وتاريخية ، خاصة في محاسبة الفاسدين وفتح ملفات الفساد المالي والسياسي والإقتصادي والصفقات المشبوهة والمال السياسي ، والتي ساهمت في إزدياد نسبة البطالة وتردي الأحوال المعيشية لملايين الشباب والعائلات التونسية التي تعاني من أوضاع معيشية مأساوية …
ومن الواضح أيضاً كلما توغل الرئيس في فتح الملفات في الفساد المستشري في البلاد ، كلما زادت إنتقاداته ووصفه بالإنفراد بكل السلط وإتهامه بالانقلاب على الدستور.. من هنا يظل التأويل في دستورية القرار بين شرعية الدستور تفسيره وتطبيقه والمشروعية الشعبية …
قد يختزل المشهد الراهن في تونس بكل ما فيه من تطورات خطيرة ومتسارعة ومن مفاجآت ما كان هناك أحدا في البلاد بإمكانه التكهن بها ، رغم ضبابية في خارطة الطريق ، ولكنها وبالمطلق تؤكد في كل الحالات ما قرره رئيس الدولة قيس سعيد لا رجعة فيه وبأنه لا مجال للعودة بالبلاد الى الوراء .. فقد قضي الأمر وتونس ما قبل ال25 جويلية حتما ليست بتونس ما بعد هذا التاريخ المفصلي بالبلاد …
ولا ندري حتى هذه المرحلة طبيعة وخطورة الملفات التي بين أيادي رئيس الدولة وتداعياتها على المشهد برمته، ولكن في المقابل يمكن إعتبار أنه يبدو واثقا مما يتوفر لديه عن خصومه من ملفات قد تكون الأجهزة الأمنية والإستخباراتية عملت عليها منذ مدة .. بما يعني أنها ستكون كافية بالدفع الي إعتبار الخارطة السياسية الكلاسيكية بأرثها وبإحزابها وتحالفاتها وإئتلافاتها وحركاتها ونخبها باتت من الماضي التعيس ، وأن هناك حالة مخاض ستتضح بعد طي صفحة الملفات العالقة بشأن الفساد والارهاب و التهريب والإغتيالات السياسية والإختراقات وكل ما عزز أسباب الإنهيار والإفلاس في البلاد …
السياسة كما العدالة لا تتغذى من النوايا الطيبة ولا تقوم على الإفتراضات ، ولكنها تحتاج الى المؤيدات والاثباتات والكثير من الارادة والجرأة وهو ما سنكتشفه في المرحلة القادمة .. لذلك ينتظر الشعب من الرئيس أفعالا وليس وعودا في ظل القانون والعدالة وحقوق الإنسان ، وليس سياسة إنتقامية لتصفية الخصوم السياسيين ومحاكمات شعب الفيسبوك الذي يحاكم في بعض الأسماء وينشر في الإشاعات المغرضة بدون أي سند قضائي …
للذين يتحدثون عن إنقلاب على الدستور بتونس .. أقول بأن ليس كل الإنقلابات سيئة ، لنعتبره إنقلابا عن الإنحطاط السياسي وترذيل العمل البرلماني الذي أساء الي صورة وهيبة تونس وأصبحنا حديث العالم ، إنقلابا على العفن التشريعي ، إنقلابا على الأحزاب المشبوهة الموالية للخارج من خلال خدمة أجندات إقليمية واضحة لا تعني الشعب التونسي ، إنقلابا على الفساد وعلى التمويل الأجنبي وعلى هدر أموال وثروات الدولة …كلها إنقلابات محمودة يعجز عن تحقيقها الشعب الكريم المنكوب .. نعم لنعتبره” إنقلابا ” والمهم بأن الشعب باركه منذ اللحظة الأولى منذ إعلانه ومازال …أملنا البوم في جمهورية ثالثة ومرحلة جديدة تتطهر فيها البلاد وتتحقق فيها العدالة الإجتماعية .. لا أحدا فوق القانون ، لا أحدا فوق المساءلة، لا أحدا فوق المحاسبة .. نعم نريد محاسبة حقيقية ونريد مقاومة صادقة للفساد ونريد وطنا يجمع الجميع …وبناء على كل هذه التطورات ، فإنه بات من الواجب التعجيل بتشكيل حكومة كفاءات وإنقاذ تتولى تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية والمالية وإيجاد الحلول للعجز المالي العمومي ومجابهة الأزمة الوبائية لإنقاذ العباد ، البدء في الإستعداد لتغيير النظام السياسي وأيضاً تغيير قانون الإنتخابات ، والحرص على توظيف التدابير الإستثنائية في الإصلاح السياسي وتكريس مفهوم دولة القانون والمؤسسات وإستقلال السلط وإحترام حقوق الإنسان والحريات .. وبالتالي ضبط خارطة الطريق لتكون واضحة المعالم ، بحيث تكون هذه الخارطة بمثابة وضع حد لمسار ما قبل 25 جويلية 2021 وتوضيح الأسس التي إنبنى عليها مسار ما بعد 25 جويلية
عاشت تونس منيعة ولا عاش في تونس من خانها تحيا تونس