بعد وصول عضو حزب المحافظين ريشي سوناك ، من عائلة مهاجرة من أصل هندي ، لرئاسة الوزراء ببريطانيا ، التي إحتلت بلاده في زمن “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” نحو 100 سنة من منتصف القرن 19 حتى 1947، ووصول قبله صادق خان، عمدة لندن وعضو حزب العمال، الذي هاجرت عائلته الباكستانية أيضا إلى بريطانيا ، والذي يصرح دائماً ” أنا لندني .. أنا بريطاني .. أنا فخور بإسلامي ” حيث يحتلان أرفع المناصب بالمملكة المتحدة، إلى وصول الآن حمزة يوسف ، أيضا كأول مسلم من أصل باكستاني إلى رئاسة وزراء سكتلندا، يعتبر سابقة تحدث لأبناء المهاجرين من الجيل الثاني الذين يعتبرون بريطانيون في دولة ليبرالية ومجتمع ذات بعد ثقافي متعدد مكنهم من الإندماج في الحياة الحزبية السياسية ، وبالتالي الوصول إلى مناصب قيادية …
وهذا ما يجعلنا نفهم بموضوعية الديمقراطيات العريقة في العالم التي تمنح الفرصة لكل الأجناس بعيدا عن الأديان والمعتقدات والأعراق ، ولا تميز بينهم إلا بالكفاءة والفكر والعلم ، وفي حين بعالمنا العربي لا يمكن أن نحلم بهذا الإمتياز ولا حتى نفكر فيه .. فيمكن أن تولد وتعيش طول عمرك في بلد أخذتك إليه الأقدار وتعمل فيه وتساهم في نهضته، لكن لا يمكن أن تمنح أبسط الحقوق الإنسانية ، وبالتالي تظل دائماً من فئة ” الوافدين”ولو إعتبرتها بلدك بكل الوفاء والولاء .
هذا يجعلنا نفهم أسس الديمقراطية في أنظمتنا السياسية وتداعياتها على الشعوب التي مازالت تحلم بها وتناضل من أجلها.. فالديمقراطية والتداول على السلطة تظل المعضلة الكبرى في دولنا العربية ، وهذا ما يتسبب في الإستبداد والديكتاتورية والتخلف .. هذه الظاهرة لها عدة أسباب يطول شرحها وتتعلق أغلبها في الثقافة السياسية وممارستها والأدبيات المتخصصة في النظم السياسية …
لا شك أن الديمقراطية مصدر قوة للفرد والمجتمع ، وهي حتما الوصفة السرية التي أحدثت التطور والثورة الصناعية في المجتمعات والدول الغربية ، وهي من ينادي بتطبيقها جميع الشعوب المقهورة والمسلوبة من حقوقها على مدار مئات الأعوام .. لكن عبر التاريخ إتضح أن الديمقراطية في المجتمعات النامية ليست هي ذاتها في البلدان العربية ، والديمقراطية الناشئة في دولنا العربية ليست إلا مادة للخطابة ونصوصا تصاغ في الدساتير، ولا أحد يكترث بالإلتزام بها .. علاوة أن القانون في الديمقراطية الغربية أقوى من السياسة ، ولدينا السياسة فوق القانون والعدالة ومن يملك الكرسي يملك كل السلطات .
حتما تاريخنا العربي حافل بالإنهزامات والديكتاتوريات والإستبداد وعبدة الكراسي ، حيث لا توجد ديمقراطية حقيقية في بلداننا العربية ولا تداول على السلطة ولا مفهوم لثقافة الدولة والمؤسسات .. الكرسي بالنسبة للحكام العرب هو المعبود بعد الله ، حبهم للسلطة جعلهم يتمسكون بالكراسي إلى آخر رمق في حياتهم – إن لم يورثونها لأبنائهم وإن تمكنوا حتى لإحفادهم – من هذا المبدأ والمنطق نفهم النهاية المأساوية لأغلب الحكام، والأمثال عديدة و معروفة …
وحتى حين يتقدمون في السن يحاولون البقاء”مدى الحياة” ويعيدون صياغة الدستور لجعل ذلك ممكناً، ويبدو الأمر وكأنهم يتمسكون بإعتقاد خرافي بأنهم ماداموا في السلطة فلن يتمكن حتى المرض أو العجز والموت من إزاحتهم .
هذا هو مفهوم السلطة لدى الحكام العرب الذين لا يعترفون بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة .. الكرسي بالنسبة لهم هو المعبود، ولا يريدون التخلي عنه إلا بالإنزلاق نحو الخطر وضياع الشعوب وتدمير الأوطان ، مثل ما قال الصحفي الراحل حسنين هيكل ” إن زعماء الشرق لا تهمهم مسألة السيادة ، تهمهم السلطة على رعاياهم .. أما السيادة فهم على إستعداد لتسليمها للأجانب ماداموا يضمنون لهم السلطة “.
هكذا يفهم الحكام العرب السلطة.. لا معنى الديمقراطية ولكلمة شعب في قاموسهم السياسي أو الحقوقي أو الأخلاقي .. يظل التداول على السلطة بعيد المنال في دولنا العربية ، لا يعترفون بأن لكل زمان دولة ورجال ، وأن لا شيء يدوم في هذه الحياة …
لذلك لا يمكن أن نقارن بين مفهوم الديمقراطية العريقة في الغرب التي أوصلت أعراق مختلفة للسلطة ، ومفهومنا الهش بالدول العربية التي أصبحت فيه السلطة سطوة .
رمضان مبارك وعساكم من عواده