ضمن رؤيته وسعيه لإيصال صوته إلى أبعد مدى وبلغات عدة، أصدر «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» الترجمة الإنجليزية والألمانية للكتاب السادس ضمن “موسوعة تريندز حول جماعة الإخوان المسلمين”، ويحمل عنوان: “جماعة الإخوان المسلمين ما بين التمدد والإنحسار.. الحالة المصرية”.
ويستعرض الكتاب الذي ترجم أيضاً إلى اللغات الفرنسية، والإسبانية، والماليزية، والأوردية، أهم المتغيرات التي أسهمت في تمدد جماعة الإخوان المسلمين وإنتشارها ومن ثم إنحسارها، ويضع إطارًا تأصيليًا لماهية التمدد والإنتشار، كما يتعقب تطورات الجماعة خلال المراحل الزمنية المختلفة، وذلك عبر 9 فصول متنوعة وثرية.
ويوضح الإصدار أن جماعة الإخوان المسلمين عرفت منحنى تصاعديًا سـريعًا في التوسع والتمدد خلال سنوات قليلة بعد تأسيسها في عام 1928.. فبعد فترة وجيزة من إنتقالها منالإسماعيلية إلى القاهرة عام 1932، أصبح لديها أكثر من 100 فرع عام 1936 ليصل العدد إلى 400 فرع في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وتضاعفت وتيرة التوسع والنفوذ خلال الأربعينيات ليصل عدد الفروع إلى 2000 فرع عام 1949، وقُدّر عدد المنتمين إلى الجماعة ما بين 300 ألف و600 ألف عضو.
ويستعرض الكتاب عوامل عدة ساعدت الجماعة على تمددها داخل المجتمع المصـري بفئاته ومكوناته المختلفة منها: إستغلال الفرص السـياسـية التي أتاحتها الأنظمة السـياسـية المتعاقبة على حكم مصـر، وإبتداعها نظامًا إداريًا محكمًا يتميز بمركزية القرار ويقوم على الولاء والسـرية، ويربط ما بين الأيديولوجيا والممارسة.
ويذكر الإصدار أن جماعة الإخوان تبنّت هندسة إجتماعية عملت من خلالها على إكتساب عقول الفئات الشعبية وقلوبها ما ساعد على حشدها وتجنيدها لأهداف الجماعة، مستخدمة في ذلك وسائل عدة من أهمها: الدعوة، والتربية والتعليم، والإعلام، والخدمات الإجتماعية، والمؤسسات الإقتصادية، وحتى العنف.
ويؤكد الكتاب أن الجماعة إستطاعت توظيف الجمعيات الأهلية لخدمة أهدافها السـياسـية، وإستقطاب عناصـر جديدة من ناحية، وتحقيق الحشد الجماهيري والتعبئة في عملية الانتخابات التي خاضتها الجماعة سواء على مستوى الإنتخابات المحلية أو البرلمانية أو الرئاسـية من ناحية أخرى، مشيرًا إلى أن الجماعة تبنّت سـياسة الوجود بالقرب من الناس في الأحياء السكنية الشعبية ومراكز العمل والأسواق، لترسـيخ علاقات التضامن والتكافل، وملء الفراغ الذي تركته الدولة، وذلك بتأسـيس شبكة من الجمعيات الخيرية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية.
ونوه الكتاب بأن نشاطات جماعة الإخوان تصاعدت خلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات في المجالين السـياسـي والإقتصادي، في وقت باشـرت فيه العمل على بناء شبكة واسعة من المؤسسات الإجتماعية الخيرية، بما في ذلك المدارس والمشـروعات الخدمية والخيرية والمستشفيات والمستوصفات.
ويبين الكتاب أن نشاط الإخوان خلال حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك تميز بالتحرك ضِـمن قواعد محدّدة، وعلى الرغم من أنهم كانوا جماعة محظورة، فإنهم تمكنوا من السـيطرة على قطاعات واسعة في المجتمع، ما جعل منهم القوة الأولى والمنافس الأقـوى للحزب الوطني الديمقراطي، وتمكنوا من إكتساب شـرعية الإنجاز الخدمي والتأثير في الشارع المصـري.
ويوضح الكتاب أن ثمة ملاحظات سلبية عديدة ظهرت خلال حكم الإخوان المسلمين لمصـر، من بينها الفئوية وغياب المشـروعات التنموية، إذ لم تسعفهم تجربة الأعمال الخيرية والتطوعية التي قدمتها الجماعة لقطاعات شعبية واسعة، في تحسـين الأداء الحكومي، والقيام بعملية ترشـيد وطنية للموارد البشـرية والمادية، وذلك عندما تولى حزبهم “الحرية والعدالة” السلطة الكاملة.
كما إتهمهم المعارضون بالسعي إلى أخونة الدولة والمجتمع، وإبداء الحرص على تمسكهم بأغلب مناصب الدولة الحساسة.
ويتوقف الكتاب عند تصاعد المعارضة الشعبية في مصر ضد حكم الإخوان المسلمين، لإفتقارهم إلى الرؤية والخبرة في حكم البلاد، وعجزهم عن تفهم الحاجة إلى الحرية للشعب والتنوع في المجتمع، لتشهد البلاد في 20 يونيو 2013 – الذكرى الأولى لليوم الذي تولى فيه محمد مرسـي منصبه – إحتجاجات واسعة النطاق إنتهت بتدخل الجيش وعزل الرئيس الإخواني من مهامه، بحسب الكتاب.
ويشير الكتاب إلى أنه عقب سقوط الجماعة في 30 يونيو 2013، إتّجهت إلى ما يسمى “فقه الإستضعاف”؛ وهي مرحلة يتحوّل فيها التنظيم من “الخلايا الهيكلية” إلى “الخلايا العنقودية”، سعيًا إلى تفكيك الجبهة الداخلية للدولة المصـرية، وزعزعة إستقرارها، عبر ثلاثة مسارات: “الجهاد المسلح، والجهاد السـياسـي، والجهاد الإعلامي”.
وخلص الكتاب إلى أن جماعة الإخوان منذ إسقاط حكمها في مصـر عام 2013 تعيش على وقع أحداث متلاحقة تشـير في مجملها إلى أنها تسـير في مسار التراجع والإنحسار، وما يزيد من حالة التراجع والإنحسار التغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة، وكذلك الصـراعات والإنقسامات التي ضـربت الجماعة، مؤكدًا أن جماعة الإخوان لن تكون قادرة على العودة من جديد على الأقل في المدى القريب، وربما تدخل في هذه المرحلة، حالة من الكمون تحاول خلالها الحفاظ على ما تبقى لها من مقدرات في إنتظار فرصة حقيقية للعودة مرة أخرى.. لكن في حال فشلت الجماعة في تحقيق هدفها ونجحت الدولة المصـرية بالمقابل في مطاردتها، وإستمرت في الوقت نفسه سـياسات التضـييق عليها في الخارج، وفقدان فروعها الخارجية للوجود على الساحة، فإن الجماعة قد تدخل حقبة تشهد خلالها مزيدًا من التراجع والإنحسار الذي قد يحولها إلى كيان فاقد للتأثير.