أصدر مركز “تريندز” للبحوث والإستشارات كتابًا جديدًا بعنوان “مـفـهــوم الــولاء والـبـــراء فـي خطابات الحركات الإسلامويـة”، يسلط فيه الضوء على مفهوم الولاء والبراء، بوصفه واحدًا من أهم المفاهيم الأساسـية التي توظفها خطابات دعاة الإسلام السـياسـي بطرائق مختلفة .. سواء أكان ذلك بصفة ظاهرة واضحة، أم بصفة مضمرة ومستترة.
كما يستعرض تاريخ هذا المفهوم، ويفكك دلالته وأبعاده، ويكشف الوظائف التي يؤديها، وخاصة في ظل ما يميّز جماعات الإسلام السـياسـي من طابع حركي يعمل على التأثير في الواقع وتغييره.
وذكر الكتاب الذي ألفه الدكتور فريـد بن بلقـاسـم الأستاذ المساعد في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بجامعة تونس المنار، أن تجليات مفهوم الولاء والبراء تتنوع في خطابات الجماعات الإسلاموية من الإخوانية إلى السلفية والسلفية الجهادية، مشيرًا إلى أنه تنوع داخل الوحدة، إذ تأتلف تلك الخطابات في المرجعيات والتصورات، أي فيما يمكن أن نسمّيه النواة الصلبة التي تلتقي حولها جميع تلك الحركات، وتختلف في طرق التوظيف تبعا لإختلاف بِنْيَتِها التنظيمية، أي إنه إختلافُ تَعَدُّدٍ وليس إختلافَ تضادّ .
وبين الكتاب أن مفهوم الولاء والبراء يتراوح حضوره بين الظهور الكثيف والصارخ، ولا سـيما في خطاب السلفية والسلفية الجهادية، الذي يعده بعضهم خزّان التطرف، وبين الإضمار المستتر والمخاتل في الخطاب الإخواني، خصوصا بعد ما طرأ على موقف الحركات الإخوانية من تحوُّل إزاء المشاركة في العملية السـياسـية الديمقراطية، إذ يُضْمَر إستعمال المصطلح نفسه ويُتَصـرف في ضوء دلالته.
وقد إشتمل الكتاب على محاور خمسة : الأول مدخل حول مفهوم الولاء والبراء، من حيث المعنى الذي رسّخته السُّنَّة الثقافية الإسلامية، ومن حيث النشأة والتطور في التاريخ .. أما الفصل الثاني فيسعى إلى الإلمام بدلالة المفهوم في خطابات الإسلامويين، ويتقصى المرجعيات التي يستندون إليها في صـياغة المفهوم، والكيفية التي يطوّعون بها تلك المرجعيات لتغذية مفهوم الولاء والبراء بالمعاني والأبعاد التي تتلاءم مع خلفياتهم الأيديولوجية وأهدافهم السلطوية.. ويشير إلى أن مفهوم الولاء والبراء بوصفه أبرز المفاهيم المتجذرة في الخطاب الإسلاموي المعاصـر، وهو خطاب مسكون بهاجس الهوية.
أما الفصل الثالث فيستجلي مختلف أبعاد الولاء والبراء في الخطابات الإسلاموية المعاصـرة، وهي أبعاد دينية عقائدية وإجتماعية وسـياسـية وجهادية، وهي تبرز ما يحظى به هذا المفهوم المركزي في الأيديولوجيا الإسلاموية من أهمية لكونه يسمح بكسـر الحواجز والحدود بين الفكر والممارسة من جانب، وبين “التنظير” والواقع من جانب آخر.. مؤكدًا أن “عقيدة الولاء والبراء”، من هذه الناحية، ليست مجرد فكرة يعتنقها المسلم ويملأ بها صدره وقلبه، بل هي – أساسا – ممارسة عملية، والاستجابة لها تقتضـي أفعالا متفاوتة في حدتها، تصل إلى حد العنف بمختلف أشكاله الرمزية والمعنوية والمادية.
ويتطرق الفصل الرابع إلى مظاهر الإئتلاف والإختلاف بين حركات الإسلام السـياسـي في التصـرف بمعاني الولاء والبراء.
وينتهي الكتاب بفصل خامس وختامي ينقض الخطابات الإسلاموية، وذلك في مستويين: الأول نماذج من الخطابات الإسلامية، وهي إمّا خطابات تدحض الأيديولوجيا الإسلاموية وتقضـي بفسادها – من وجهة نظر دينية – مثل فتاوى دار الإفتاء المصـرية أو خطابات لشخصـيات فكرية إسلامية، من أمثال الشيخين محمد أبو زهرة ووهبة الزحيلي، على سبيل المثال لا الحصـر.
وتقدم هذه الخطابات تصوّرات تقوم على إعلاء قيم التعارف والتعاون والتوادّ بين المسلمين وغيرهم. وفي المستوى الثاني طرح المؤلف إشكالية هوية المسلم المعاصـر، وإجتراح معالم رؤية تُمَكِّنه من تجاوز الأزمة الراهنة، وتهدف إلى تحقيق أريحية إنتماء المسلم إلى دينه وعصـره، في الوقت نفسه.