لأول مرة في تاريخ تونس وتاريخ الدول العربية ، كلف الرئيس قيس سعيد السيدة نجلاء بودن لرئاسة و تشكيل الحكومة في أقرب الآجال، وجاء هذا التكليف تكريسا لمبدأ التناصف والمساواة بين الجنسين وتعزيزا لحقوق المرأة وردا لإعتبارها بإعتبارها شريكا أساسيا في موقع القرار، وحتما رسالة جميلة وحضارية للعالم ..هذا التكليف تم بعد فراغ دام أشهر وجدلا دستوريا ساهم في إنقسام القوى الوطنية حول الإجراءات التي تم إتخاذها من طرف الرئيس قيس سعيد لإنقاذ البلاد من أي مخاطر داهمة ، والتي إعتبرها البعض “إنقلابا “على الدستور …إختيار إمراة ذات كفاءة عالية في منصب رئيسا للحكومة جميل جدا وإستثناء لتونس التي شرعت لحقوق المرأة ومنحتها مكاسب تنفرد بها في العالم العربي وأصبحت نموذجا يحتذى به ، لكن الأهم أن تكون السيدة نجلاء الشخص المناسب في المكان المناسب ، وأن يكون لها برنامج متكامل إقتصادي واجتماعي لإنقاذ البلاد خاصة في ظروف صعبة جداً وأزمات على كل الأصعدة التي تمر بها تونس ، وأيضا أن يكون لديها رؤية للخروج من الأزمة المالية .. يعني يجب أن تقود حكومة حرب تعرف تدير كل الأزمات …من منطلق الواقع ، فهي ستترأس حكومة لبلد يعيش تجاذبات سياسية عميقة ، إقتصادها يمر بصعوبات كبيرة وماليتها العمومية في وضع كارثي ، شارعها منقسم وينتفض ، والوضع الصحي مازال هشا رغم بعض التحسن خلال أزمة جائحة ” كورونا “، والفساد مستشري في كل المؤسسات ، والشعب يطالب بأبسط الضروريات من الحياة الكريمة والتنمية والحلول للبطالة وغلاء المعيشة …
حتما التحديات كثيرة والأزمات عميقة والحلول تعتبر منعدمة .. أولوياتنا هي إقتصادية وإجتماعية ومحاربة الفساد والإصلاحات في كل المجالات التي تعنى بالصحة والتعليم والقضاء ، وخاصة رد إعتبار لمؤسسات الدولة وهيبتها وصورتها ، بعدما عشنا فترة ترذيل للمشهد السياسي من أغلب نواب هذا الدهر الذين لم يخدموا الشعب ولم يحترموا المؤسسات الدستورية وساهموا في الإساءة إلى صورة تونس في الخارج …هذا القرار يستوجب الإشادة به بوصفي إمرأة تونسية وناشطة سياسية .. ولذلك يجب أن نتفاءل خيرا ويتوجب على الجميع من باب الوطنية والمسؤولية العمل من أجل دعم عمل الحكومة ، لإنقاذ البلاد وتمكين الشعب من حياة كريمة وإستقرار نسبي في البلاد ، يجعل تونس محل ثقة لدى المؤسسات النقدية الدولية .
من البديهي الإرتياح والفخر بأن تكون تونس سباقة في تعيين إمراة وأن تكون إستثناء والإشادة بذلك دوليا .. فللمرأة حضور بارز في تاريخ تونس المعاصر ، تونس شهدت إنجازات لثلة من النساء اللاتي دخلنا التاريخ وحفظن في الذاكرة الوطنية ، نستشهد منهن الملكة عليسة التي أسست قرطاج والكاهنة التي ناضلت وحاربت الإحتلال الإسلامي ونجحت في الحفاظ على وحدة إفريقيا ، الجازية الهلالية التي كانت قائدة ضحت بروحها وعائلتها من أجل قبيلتها ، عزيزة عثمانة بنت السلطان عثمان الداي وزوجة حمودة باشا التي حررت العبيد وقدمت كل ما تملك للجمعيات الخيرية وساهمت في تمويل مستشفى الذي آطلق علىه إسمها ، بشيرة بن مراد وهي رائدة في مجال حقوق المرأة أسست الإتحاد الوطني للمرأة التونسية أول منظمة للنساء في تونس التي مكنتهم من النضال في الحركة الوطنية ، أيضاً المناضلة راضية حداد التي شاركت في الحركة الوطنية ضد الإستعمار الفرنسي وكانت أول إمراة عربية دخلت البرلمان وترأست الأتحاد الوطني للمرأة وناضلت من أجل حقوق المراة ، وغيرهن الكثيرات …
لذلك يجب أن تنجح السيدة نجلاء بودن في مهمتها الصعبة بكل وطنية ومسؤولية ، وهذا ليس مستحيلا إذا نجحت في إختيار طاقمها الحكومي ، رغم عدم تجربتها السياسية ، بعيدا عن التفكير الذكوري والنقد الغير بناء للبعض في إنتقاص من قيمة المرأة خاصة في مركز رفيع من السلطة التنفيذية الذي يجب أن لا يكون حكرا على الرجل ….أملي أن تكون هذه التجربة جديرة بالإشادة وحافلة بالإصلاحات لإنقاذ البلاد والعباد وأن تكون مصلحة تونس فوق كل إعتبار .. تونس أولا وتونس آخراً للمرور بتونس لبر الأمان وإعطاء الأمل لأجيالنا القادمة .
عاشت تونس حرة منيعة والله وحده ولي التوفيق
بثينة جبنون مرعي