مثل كل شعوب العالم تابعت الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب الذي وعد بتحقيق السلام في العالم .. فقد صرح أن الحرب الروسية – الأوكرانية يجب أن تنتهي ووصفها ب”القذرة”، أيضا قال أن الحرب الاسرائيلية على غزة يجب أيضا أن تنتهي وأن يوم 7 أكتوبر ” طوفان الأقصى “ما كان ليحصل إذا كان هو في البيت الأبيض … هذه التصريحات أرسلت تطمينات نسبية للعالم ، رغم أن السياسة الأمريكية الخارجية ثابتة لا تتغير بتغير قادتها، مع أننا كنا نتصور أن ترامب ال47 سيكون أفضل من ال45 …
لكن منذ اليوم الأول لتنصيبه أصبح يتحدث عن شرق أوسط جديد يرضي به صديقه مجرم الحرب نتنياهو ، وقال إذا لم تلتزم حماس باتفاقية تبادل الأسرى سيرون الجحيم .. كلمة أثارت السخط لأن ما شهده قطاع غزة بعباده هو الجحيم بكل أنواعه وألوانه، ولم يعد لهم أن يرون جحيما آخر !!!
ثم أصبح يسوق لفكرة أن قطاع غزة لم يعد صالحا للعيش ولذلك يتوجب تهجير سكانه إلى مصر والأردن ، وهذا ما أثار صدمة لدى الأوساط السياسية والشعبية ، بغض النظر عن بعض المواقف الرسمية المختلفة بين العجز والخنوع ، والتي تعتبر في سياق القانون الدولي الإنساني جريمة ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا …
فقد قدم ترامب خدمة للعرب من حيث لا يعلم في قراره تهجير أهل غزة إلى بعض الدول العربية ، ملتقيا مع اليمين الصهيوني المتطرف الذي سارع بتأييد مفتوح لقرار ترامب حين أجاز لنفسه التصرف بما لا يملك ، مخالفا للقانون وللأعراف الدولية وواضعا المشهد السياسي العربي والدولي أمام تحولات متحركة كبرى تمس من الأمن القومي للمنطقة بأكملها .. وبالتالي وضع العرب تحديدا أمام خيارات وتحديات صعبة في كيفية التعامل مع رئيس لا يلتزم بالمواثيق ولا بالقوانين ولا حتى بالتحالفات ، ظنا منه أنه قادر بسهولة على فرض هيمنته على قرار الأمة العربية بوصفه حاكم البيت الأبيض والواهم بأنه حاكم العالم .
فلا ننسى طموح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنيل جائزة نوبل للسلام، الذي يعكس حالة الرجل السيكولوجية المشبعة باضطرابات نفسية معقدة غير مدرجة حتى اللحظة في كتب علم النفس، وحتى أن شعبه وبعض السياسيين الدوليين وصفوه بالديكتاتوري البلطجي وبجنون العظمة الذي يقود أمريكا إلى سياسة الاستبداد والفوضى الخلاقة في كل العالم ، من خلال إختلاق الأزمات مع بعض الدول بأمريكا اللاتينية واوروبا وفي الشرق الأوسط .
فمنذ اللحظة الأولى لتسلمه ولايته الثانية بدأ بإصدار سلسلة من المراسيم والقرارات العدائية الغريبة العجيبة .. فقد أوقف المساعدات لعدة دول منها الأردن ومصر وجنوب إفريقيا، كما أوقف دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأقرّ سلسلة انسحابات أمريكية من مجلس حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، وهو بصدد الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وأشعل حربًا جمركية عالمية على الإتحاد الأوروبي والصين وكندا والمكسيك، وتوعّد بتوسيعها لتشمل اليابان ودولًا أخرى، وأصبح يهدد بضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية واعتبرها الولاية ال51 ، وغيّر اسم خليج المكسيك إلى “خليج أمريكا”، أيضا طرد ألفين من موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وقرر تجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما ريثما يتم إجراء مراجعة كاملة فيها، بالإضافة إلى طرد مئات الآلاف من المهاجرين الغير شرعيين وتغيير قانون الهجرة والجنسية ، وصولا إلى قراره بتهجير الفلسطينيين من أرضهم ونسف إتفاق حل الدولتين …
الأغرب من ذلك كله، أن الرجل يعلن بكل وقاحة نيته احتلال غزة وتهجير أهلها لإقامة منتجع سياحي فاخر يشبه الريفيرا الفرنسية ، لأن اسرائيل يجب أن تتوسع وتنعم بالأمان لتكون “اسرائيل الكبرى”، الذي لم يعد حلما أو خيالا بل مشروع يشق طريقه، كما خطط له مع صديقه بي بي .
حتما لا ننسى أن دونالد ترامب يحلم بجائزة نوبل للسلام ويتخيل نفسه يوما ما متجهًا إلى العاصمة النرويجية أوسلو لإستلام الجائزة الموقرة، في مشهد دراماتيكي يذكرنا بمؤسس الجائزة نفسه، ألفريد نوبل، الذي اخترع الديناميت ثم قرر تخصيص جائزة للسلام بإسمه، وكأنه يسعى للتكفير عن إرثه الدموي!
ترامب أصبح حاكم العالم ، وبالتالي لن يكون فيه سلام مادام لا توجد عدالة وحقوق للشعوب المضطهدة مثل الفلسطينيين ، الذين لم ينعموا بحقهم الشرعي ككل شعوب العالم بالحياة الكريمة في دولة مغتصبة من الكيان الصهيوني ، وفي ظل ضعف القرار الرسمي العربي الذي يعكس عجزهم لإيجاد حلول عادلة لأهل غزة بعد حرب إجرامية دامية دامت أكثر من عام ونصف خلفت دمارا للبلاد والعباد ، ستظل وصمة عار في تاريخ البشرية ، وفرضت واقعا جديدا في ظل التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط .
هذا جزء من خارطة الطريق التي يسعى لتنفيذها دونالد ترامب في ظل نظام عالمي جديد يكرس الديكتاتورية المطلقة واللا عدالة ولا انسانية لمن يملك قوة النفوذ .. والقادم أعظم !