في مشهد لم يكن متوقعا، أعلن البيت الأبيض عن اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، برعاية سلطنة عمان، تزامنا مع تعهّد واشنطن بوقف عملياتها في اليمن.
ومع أن أصداء الاتفاق انتشرت عالميا، إلا أن ارتدادها الأكبر جاء من تل أبيب، حيث خيم الصمت والصدمة.
الحوثيون قالوها بوضوح: “نعم للتهدئة مع أميركا، لا لهدنة مع إسرائيل”.. فهل ضمنت الولايات المتحدة أمن ممراتها وتركت إسرائيل تواجه مصيرها منفردة؟ وهل طبّق ترامب عقيدته القديمة–الجديدة “أميركا أولا” بحذافيرها، ولو على حساب أقرب الحلفاء؟.
الاتفاق الذي أعلن عنه بصيغة مباغتة لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة لتحركات دبلوماسية مكثفة قادتها سلطنة عمان خلف الكواليس.
صحيفة نيويورك تايمز أكدت نقلا عن مصادر إيرانية أن طهران “مارست ضغوطا مباشرة” على الحوثيين لقبول هذا الاتفاق، فيما امتنعت عن تأكيد حصول تواصل مباشر مع الأميركيين.
ما بدا أنه “تراجع تكتيكي” من الحوثيين، قرأه البعض على أنه انتصار سياسي لإدارة ترامب، التي صوّرت الهدنة كإنجاز نوعي حقق أهداف العملية العسكرية الأميركية، خاصة فيما يتعلق بحماية السفن التجارية في البحر الأحمر.
لكن تحت هذا السطح الهادئ، تختمر أسئلة صاخبة حول مستقبل الدور الأميركي في الإقليم، والمكانة المتراجعة لإسرائيل في حسابات الحليف الأكبر.
اتفاق الهدنة بين الحوثيين وواشنطن يكشف بوضوح فجّ أن قواعد اللعبة في الشرق الأوسط لم تعد كما كانت.
إيران تلعب من خلف الستار، والحوثيون يتحركون بثقة القوة لا رهينة الميليشيا. أما الولايات المتحدة، فتؤكد مرة أخرى أن مصالحها وليس وعودها هي ما يحدد تحالفاتها.
الأسئلة الكبرى لا تزال مفتوحة: هل باتت إسرائيل وحدها؟ وهل صنعاء هي من يقرر الآن خطوط النار والسلم في البحر الأحمر؟ وهل تحولت سياسة ترامب من شعار إلى مبدأ استراتيجي فعلي على حساب كل شيء… حتى تل أبيب؟.. الإجابات رهن ما ستكشفه الأيام القادمة، ولكن الثابت أن هدنة البحر الأحمر قد تكون أول خطوة في رسم شرق أوسط جديد بحدود أكثر ضبابية، وأحلاف أكثر تقلبا.